الخطاب السلفي وتحطيم العقل.
(قراءة وقراءة نقدية في الفكر السلفي)
/القسم الأول- قراءة في الفكر السلفي. (3 من 28/
د.عدنان عويّد
للجريدة الالكترونية “نشرة المحرر”
مصادر تلقي الدين عند السلفيين كما حددها الشافعي :
جاء في كتاب الرسالة للشافعي, أن السلفيين يعتمدون في تلقي الدين على المصادر التالية :
1- القرآن الكريم : وهو المصدر الرئيس عند السلفية ويستعينون على فهمه وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك, كعلوم اللغة العربية والعلم بالناسخ والمنسوخ, وأسباب النزول وبيان مكيّة ومدنية نزول الآيات, وغير ذلك من علوم تتعلق بدراسة وفهم القرآن الكريم.
2– السنّة الصحية : والسنّة عندهم هي كل ما نقل من أقوال وأفعال وصفات خلقية للرسول (ص) بعد تصحيحه والتأكد من سنده ومتنه من قبل علماء الحديث , وفقاً لعلوم أصول الحديث.
ونتيجة لهذا العلوم يمكن الجزم بصحة نسبة الحديث المروي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو بكذبه، أو الحكم له بالحسن أو الضعف.
وفي هذا العلم يقسم الحديث إلى قسمين مقبول ومردود، فأقسام الحديث المقبول أربعة: الصحيح، والحسن، والصحيح لغيره، والحسن لغيره، ولكل واحد منها تعريف وأبحاث عديدة، ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر تعريف الحديث الصحيح بأنه: الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً.
ومصادره عديدة منها الموطأ الإمام مالك وصحيح الإمام أبي عبد الله البخاري وصحيح مسلم بن الحجاج القشيري, وصحيح ابن خزيمة, وصحيح ابن حبان, والمختارة لضياء الدين المقدسي ، والمستدركات على الصحيحين كمستدؤك الحاكم, والمستخرجات عليهما,وكتاب الخراج لأبي يوسف, وسننالدار للقطني, ومسند ابن حنبل, وسنن الدرامي وغيرها.
وأما الحديث المردود فهو أنوع منها الضعيف والمضعَّف والمتروك والمطروح والموضوع، وكذلك لكل منها تعريف ومسائل. فمن ذلك أن الحديث الضعيف هو ما فقد شرطاً من شروط الحديث المقبول باختلال عدالة الراوي، أو ضبطه، أو انقطاع السند، أو شذوذ المتن، أو وجود العلة القادحة، أو عدم وجود العاضد عند الحاجة إليه.
ولا يشترطون أن يكون الحديث متواتراً, بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء. (9) .
3 – الإجماع: هو اتفاق جميع رجال الدين المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور على حكم شرعي. وإن اتفقوا سواء في عصر الصحابة أو بعده على حكم من الأحكام الشرعية, كان اتفاقهم هذا إجماعا. بيد أن السلفيين لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهاداً إلا بعد عرضه على تلك الأصول. أي هم يجتهدون بآرائهم على ضوء تلك المصادر أو الأصول من دون أن يخالفوها. ومرد إيمانهم بأهمية العودة إلى الإجماع هو حديث للرسول رواه ابن عباس يقول فيه : ( مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه, فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية, فإن لم يكن سنة مني ماضية, فما قال أصحابي, إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء, فأيها أخذتم به اهتديتم, واختلاف أصحابي لكم رحمة.). (10).
إن مفردة (أصحابي) التي جاءت في هذا الحديث فتح الكثير من فقهاء وأئمة السلفية دلالاتها, حيث اقر بعضهم بأن أصحاب الرسول والمقتدون بسيرته هم كل من عاصره, وهم التابعون أيضاً وتابعوهم. يضاف لهم رأي أهل المدينة .
4- القياس: وهو حجة عندهم سواء كان جلياً أو خفياً. ويعتقد السلفية بل يقرون بأن لا خلاف بين نقل صحيح وعقل صريح. وأن النقل مقدم على العقل, فلا يجوز معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقلية أو كلامية. وإن الأخذ بالقياس يجوز عندما لا يوجد نص في مسألة بعينها, أو عند وجود نص غير واضح الدلالة, أو غير صحيح. (11) . وفي الحقيقة إن القياس هنا أقرب إلى التشبيه منه إلى كونه آلية عمل لها أصولها العلمية.
تيارات الفكر السلفي :
إن من يطلع على ما تناوله مشايخ وأئمة الفكر السلفي تاريخياً, وبخاصة الأعلام منهم يستطيع في الحقيقة أن يجد في ما نستطيع تسميتها بالسلفية الكلاسيكية/التقليدية تيارين أساسيين هما:
أولاً: التيار السلفي الذي آمن بالنقل كلياً كوسيلة وحيدة في معرفة العقيدة من مصادرها الأساسية التي حددها الشافعي, وهي القرآن والسنة والإجماع, ولا يمنع ان يستخدم القياس في قضايا المعاملات بسبب ما يستجد من أمور تفرضها طبيعة التطور الاجتماعي, على أن لا يخرج قبول ما هو جديد عن مخالفة ما جاء في القرآن والحديث والإجماع. وبالتالي التشريع على أساسها لما يحقق مصلحة الأمة الإسلامية, وبتعبير آخر, لا يسمح باستخدام العقل أو الرأي إلا في حدود ضيقة جداً وهي, تأكيد ما جاء في هذه المصادر وتفسيرها لإثبات صحتها وقدسيتها, دون أي تأويل أو إبداء للرأي في فتح دلالاتها غير الظاهرة.
وثانياً: التيار السلفي الذي آمن بدور العقل وتأويل النص الديني عبر فتح دلالاته متكئين على ما تحمله اللغة العربية في مفرداتها من دلالات مجازية واسعة, ومن الرغبة في تنزيه الخالق عن كل ما يمكن أن يشبهه بالمخلوق, انطلاقا من الآية الكريمة ( .. ليس كمثله شيء). وهذا في الحقيقة ما أدخل بعض التيارات وبخاصة الأشاعرة في بداية أمرهم كون أبي حسن الأشعري قد تراجع عن أخذه بالعقل كما سيمر معنا لاحقاً, والماتريدية والمتصوفة وغيرهم من متكلمين وفلاسفة, في النظر بمسائل تدخل في نطاق الفلسفة وعلم الكلام, دفعتهم للنظر في مسائل مثل صفات الله, وتأويل المتشابهات من الآيات, والقول بالمعرفة القلبية/ الاشراقية لله كما قال المتصوفة. بيد أن كل هذه القضايا التي قالوا بها لم تخرجهم عن مسألة الجبر من جهة, وعن أصول الفكر السلفي من جهة أخرى, وهي المسائل التي حافظ عليها دعاة السلفية التقليدية بعمومها تاريخيا منذ مرحلة ابن حنبل, وأبو حسن الشعري, والغزالي مروراً بابن تيمية وابن قيم الجوزية, وصولاً إلى محمد بن عبد الوهاب.
أما في تاريخنا المعاصر, فإضافة للقسمين السابقين الذين يغلب عليهما الجانب الفكري والسياسي, نستطيع أن نقسم السلفية المعاصرة إلى ثلاثة أقسام أساسية يغلب عليها الجانب الوظيفي الذي يساهم في تكريس الفكر السلفي ونشره وحمل السلاح لحمايته وهي:
أولاً القسم السلفي التقليدي ويشمل:
آ- التيار السلفي الرسمي ممثلاً بهيئة كبارالعلماء، وهو تيار دعوي له امتدادات عملية وجماهيرية محدودة, يمارس نشاطاته الفكرية والعملية عبر المؤسسات العلمية الأكاديمية والإعلامية ودور العبادة.
ب- تيار سلفي ذو نزعة سلفية إرجائية تتسم بطاعة مطلقة لولي الأمر، ويطلق عليه بالتيار(ألمدخلي).
ثانياً القسم السلفيالحركي ويمثله:
آ- تيار حركي يُطْلِق عليه خصومه أحياناً مسمَّى (السرورية) نسبة إلى مؤسسها، “محمد سرور” السوري الأصل الذي انشق عن حزب الإخوان المسلمين في سورية بسبب خلافاته الفكرية مع “مصطفى السباعي بعد أن دعا السباعي إلى التقارب بين المسيحية والإسلام, وإلى التقريب بين الاشتراكية والإسلام, حيث اعتبره محمد السرور علمانياً. وبعد انشقاقه أوجد مدرسة تنظيرية فكرية سياسية دعويةيقوم منهجها على مزيج من الحركية الإخوانية والفكر السلفي الوهابي. (12). يبيد أن محمد سرور عند إقامته في السعودية راح يعمل بالسر على إيجاد تنظيم سياسي شبيه بتنظيم الإخوان, وعندما اكتشف أمره سفر من السعودية وراح أئمة ومشايخ الوهابية في السعودية يتهجمون عليه ويبدعونه أحياناً.
ب- تيار حركي آخر هم (الإخوان المسلمون)، وهو تيار في العديد من منطلقاته الفكرية يدخل في مضمار الفكر السلفي, كالحاكمية, واعتبار الأمة الإسلامية كتلة واحدة متجانسة وكياناً واحداً, وبالتالي ليس مهماً أن يحكم مصر مواطن من ماليزيا أو أية دولة إسلامية. و”الإسلام ليس نظام وطن” “لا اعتزاز بوطن ولا أرض” كما يقول سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق:. هذا إضافة إلى العداء الشديد لكل الفكر القومي وعلى رأسه القومية العربية. وافتراض الإخوان أنهم يمتلكون وحدهم الحقيقة وأنهم يحملون تكليفاً إلهيا يذلك,.وغيرها من منطلقات هذا التنظيم الفكرية التي تدخله بالضرورة، داخل إطار التيار السلفي كما أشرنا أعلاه.
ثالثاً- قسم سلفي يميل للبعد التكفيريوالجهادي: ويتسم بالحدَّة والصرامة مع المخالفين له داخل التنظيم وخارجه، وبموقف صارم وعنيف من السلطةالسياسية العلمانية أو التي لا تتخذ الشريعة الإسلامية مرجعاً تشريعياً وقضائياً وتنفيذياً لمصادر الإسلام الحق كما تفهمه السلفية. وأبرز من يمثله الفكر الوهابي وامتداداته التنظيمية وبخاصة خارج الجزيرة العربية ممثلة بتنظيم “القاعدة” وفروعه. و(الإخوان المسلمون). على المستوى العملي.(13).
كاتب وباحث من سورية