الغيرة ومادير…
بقلم رشيد نيني/ الاخبار
“عن فلاش بريس”
عندما كتبت في هذا العمود قبل سنة أن استفادة زوج البرلمانية آمنة ماء العينين من مسطرة «تغيير الإطار» وانتقاله من وضع الأستاذ الفائض عن الحاجة في إحدى ثانويات تزنيت إلى مسؤول عن الحكامة في وزارة العلاقات مع البرلمان والحوار مع المجتمع المدني التي يسيرها زميلها في الحزب السيد الشوباني، ثارت ثائرة البرلمانية المحترمة وقالت إنني ألعب دورا حقيرا في حملة منظمة ضدها.
مع أنني لم أفعل غير إخبار دافعي الضرائب بأن أستاذا ظل شبحا لمدة طويلة، مع كل الخصاص الذي يعاني منه جهاز التعليم، استفاد من وضع زوجته كبرلمانية في الحزب الحاكم لكي ينتقل من تزنيت إلى الرباط ليشتغل في وزارة يسيرها وزير ينتمي إلى نفسه حزبه. وبسبب نشر هذا الخبر قالت عني النائبة المحترمة إنني ألعب دورا حقيرا. أنا نشرت خبرا حولها فيما هي نشرت شتيمة في حقي، وشتان ما بين الإخبار والشتم.
وطبعا كانت تقصد السيد آمنة ماء العينين بالحملة المنظمة ضدها ما تعرضت له من قرصنة لبريدها الإلكتروني وصفحتها على الفيسبوك من طرف جهات مجهولة واستعمالها في بعث رسائل ذات مضمون جنسي مخل بالحياء إلى معارفها وزوجها بهدف تشتيت شمل عائلتها الصغيرة وإجبارها على العمل لصالح المخابرات.
عندما كنت أقرأ تلك الأخبار، وأطالع الحملة التضامنية التي جعلت من نائبة مغمورة قال لها بنكيران عندما طلعت له في رأسه «بردي فيك الدم شوية، راك عاد جيتي البارح للحزب أبنتي»، كنت أقول إن في الأمر مبالغة تتجاوز حدود المنطق. فالسيدة آمنة ماء العينين لم يكن يعرف بوجودها أحد قبل سنتين من اليوم، وطيلة هذه المدة القصيرة التي اشتهرت فيها لم يصدر عنها ما يهدد الأمن الداخلي للوطن حتى توضع تحت مراقبة الأجهزة، كما أن مواقفها التي عبرت عنها في الصحافة مواقف عادية جدا وليس فيها ما يثير حساسية أحد.
لكن الحمية أخذت القوم، خصوصا بعدما طلب رئيس الحكومة من كل نوابه وأعضاء حزبه الذين تعرضوا لما تعرضت له زميلتهم النائبة أن يلجؤوا إلى وزارة العدل والصحافة، أي أن رئيس الحكومة قام بتحريض النائبة لكي تتهم الدولة التي يسيرها بتهديد حياتها الخاصة.
فنظمت الندوات حول «الدولة المارقة»، وبدأت تتقاطر رسائل وبيانات التضامن مع البرلمانية التي كلفها انتقادها للخطاب الملكي حول التعليم المغامرة باستقرار أسرتها الصغيرة.
اليوم، وبعدما كشفت الأبحاث تحت إشراف الشرطة القضائية أن الواقف وراء هذه القرصنة التي تعرضت لها النائبة آمنة ماء العينين ليس شخصا آخر غير زوجها الأستاذ السابق الذي أتت به من تزنيت إلى الرباط، ابتلع كل من كان متحمسا للمطالبة برأس صاحب الفعلة ألسنتهم.
نعم أيها السادة، لقد اعترف الزوج، الأستاذ كنيتيف، مسؤول الحكامة حول الحوار الوطني بوزارة الشوباني، أنه هو من قرصن، بسبب الغيرة، حسابات زوجته وأنه هو من كان يبعث إليها وإلى معارفها بكل تلك الرسائل المخلة بالحياء. مما يعني أن الدولة العميقة التي اتهمها النائب بوانو وزملاؤه في الفريق البرلماني للعدالة والتنمية لم تكن هي من تقف وراء هذه القرصنة.
لقد طالب النائب بوانو، في بلاغ صارم، بتسليط الضوء حول القرصنة التي تعرضت لها زميلته ماء العينين، وأكد على ضرورة الكشف عن الجهة التي تقف وراء هذا الفعل وترتيب الأثر القانوني على الفاعل.
فلماذا ابتلع النائب بوانو وفريقه البرلماني، الذي اجتمع ليلة الجمعة لكي يضع خطة للرد على ما اعتبروه هجمة مغرضة لجريدة «الأخبار» على الحزب الحاكم، ألسنتهم وسكتوا؟
هل جريدة «الأخبار» ومديرها هم من قرصنوا حسابات النائبة المحترمة لكي يجتمع الفريق ويقرر في أوجه الرد عليها؟ ألم يكن من الأجدى أن يجتمع الفريق البرلماني للحزب الحاكم لكي يقرر في الموقف الذي سوف يتخذه في حق زوج زميلتهم البرلمانية، خصوصا أنه اعترف بمحض إرادته وفي محضر رسمي بمسؤوليته عن القرصنة؟
لقد جاء السيد أكنتيف زوج البرلمانية إلى مكتبه بالوزارة يوم الجمعة، أي صباح نشرنا لخبر اعترافه لدى الضابطة القضائية، وأقفل عليه الباب كما لو أن الأمور عادية. والحال أن السيد وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني كان عليه أن يتخذ قرار التوقيف في حق هذا المسؤول إلى أن تتضح الصورة. فالرجل اعترف في محضر رسمي بقيامه بعملية قرصنة وتشنيع في حق زوجته، فكيف إذن يمكن الوثوق به واستئمانه على وثائق ومستندات الحوار الوطني الذي يشرف فيه على جانب الحكامة؟
الرجل لم يراع حتى حق زوجته في ستر أسرارها الحميمية فكيف يمكن استئمانه على أسرار الوزارة التي يشتغل بها؟
وقد يقول قائل إن هذا الأمر يتعلق بزوجين ولا مكان للحديث حول هذا الموضوع لأنه يتعلق بالحياة الخاصة للأفراد. ونحن طبعا لم نكن لنمارس دورنا الإعلامي في الحديث حول هذا الموضوع لولا أن الأمر يتعلق بمسؤولين عموميين يتقاضيان رواتبهما من المال العام، أحدهما نائب برلماني والثاني موظف في وزارة العلاقة مع البرلمان، وكلاهما ينتميان إلى حزب يقود الحكومة ويرفع شعارات الأخلاق والحكامة ومحاربة الفساد.
ومادام السيد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يحب ممارسة حريته في التعبير فنحن ننتظر بلاغا أو توضيحا من سعادته، يشرح فيه للرأي العام ماذا سيفعلون كأمانة عامة لحزب يرفع شعار تخليق الحياة العامة مع هذا المسؤول الحزبي الذي اعترف بقيامه بقرصنة حسابات زوجته؟
هل سيقومون بفصله من الحزب، أن سيقومون بتوقيفه عن العمل في الوزارة، أم سيقومون بمتابعته قضائيا نزولا عن رغبة بوانو وزملائه في الفريق البرلماني للحزب والذين طالبوا في بلاغهم بالكشف عن الفاعل وتطبيق الأثر القانوني عليه، أم سيضربون صفحا عن الموضوع ويطبقون عليه سياسة عفا الله عما سلف؟
إننا نشعر فعلا بالدهشة ونحن نرى كيف أن الحزب الحاكم بمجرد ما نميط اللثام عن فضيحة من فضائح بعض وزرائه أو قيادييه يدفن رأسه في الرمال ويلوذ بالصمت، أو يوجه مدفعيته نحونا متهما إيانا بخوض حملة ضده.
لقد نشرنا قبل أسبوعين خبرا يتهم فيه شباط، وهو أمين عام حزب في المعارضة على كل حال، زوج وزيرة التضامن والأسرة السيدة بسيمة الحقاوي بالتحرش بطالبات في كلية المحمدية التي تم إبعاده منها.
ورغم خطورة هذا الاتهام الذي وجهه شباط إلى الأستاذ الجامعي زوج الوزيرة إلا أننا لم نسمع أي رد لا من الأستاذ المعني بالاتهام، ولا ومن زوجته الوزيرة التي قادت حملة إعلامية كبيرة حول قانون مكافحة التحرش، ولا من الحزب أو الحكومة التي يقودها الحزب.
الجميع تصرف كما لو أن الاتهام موجه نحو زوج وزيرة في حكومة جزيرة الواق واق.
وحتى الأستاذ الجامعي حامي الدين، الذي استحلى هذه الأيام لعب دور أستاذ علوم الإعلام وبدأ يصنف الصحافة إلى مستقلة ومأجورة، لم ينبس بكلمة واحدة دفاعا عن زميلته الوزيرة أو زميله الأستاذ الجامعي. ربما لأن السيد حامي الدين نفسه «تورط» في التوسط لزوجته بثينة قروي، التي «بلصها» مستشارة في ديوان وزير العدل، لدى عمادة كلية المحمدية من أجل أن يتم اختيارها للتدريس هناك، وهو «التوسط» الذي لم يرق كثيرا للأستاذ محمد ظريف وعبر عن انزعاجه منه.
ولماذا سيعطي الأستاذ حامي الدين موقفا حول اتهام شباط لزوج الوزيرة بسيمة الحقاوي بالتحرش الجنسي بالطالبات، مادام أنه لم يعط موقفا حول اتهامنا له بإرسال تقرير ملخص حول نتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني للمسؤولة السياسية في السفارة البريطانية.
وهو الاتهام الذي بقي حامي الدين أمامه صامتا ولم يستطع أن ينفيه أو يؤكده. ونحن نتحداه أن ينفيه، لأننا في هذه الحالة سنكون مجبرين على تقديم الدليل القاطع الذي يؤكد تسريبه للتقرير الوزاري إلى المسؤولة البريطانية.
نتمنى أن يفك الله عقدة لسان الإخوان في الحزب الحاكم وأن يلهمهم الله الجرأة اللازمة للإدلاء بتصريحات تقطع الشك باليقين حول هذه المواضيع الحساسة والتي تمس أسس المشروع السياسي والأخلاقي لهذا الحزب.
إذا أخطأ المرء فإن الاعتذار فضيلة، أما أن يخطئ ويستمر في الإنكار وتأخذه العزة بالإثم فهذا ما يسمى الغي.
وقانا الله وإياكم من الغي والغواية.