عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي: “نضرب لأننا استنفدنا كل الوسائل مع الوزارة وكنا وطنيين نضع مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات”
“إضرابنا اليوم هو تعبير عن سخطنا لتعامل الوزارة والحكومة مع نقابة لها وزنها الاعتباري في البلد”
حاوره : مصطفى الادريسي
عن جريدة .ا.ش
الثلاثاء 13 ماي 2014
قال عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي إنه في إطار الشراكة مع الوزارة الوصية يمكن أن نؤسس جامعة عمومية تشكل قاطرة حقيقية للتنمية. مضيفا أن النقابة الوطنية للتعليم العالي اختارت أن تشن إضرابا على الطعام، لأنها استنفدت كل الوسائل. وقال إننا «توافقنا مع الوزارة وكنا وطنيين نضع مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات وقد دام حوارنا مع الوزارة أكثر من سنة قدمنا خلالها مجموعة من الاقتراحات التي قبلتها الوزارة واليوم لا شيء تحقق. ويعيب مدون على وزير التعليم العالي تصريحاته التي تجعل المجتمع يفقد ثقته في منظومة التعليم العالي فهو يصر بأن الجامعات الأجنبية ستدخل المغرب وستحل معضلة الجامعة المغربية… في ما يلي نص الحوار..
ما هي الأسباب التي دفعت النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى خوض إضراب يومي 13 و14 ماي وتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر؟
النقابة الوطنية للتعليم العالي نقابة عالمة أولا ومواطنة ثانيا وقد حددنا منذ انتخابنا قبل سنة ان نسير في استراتيجية تتمثل أساسا في محاولتنا الإجابة على سؤال محوري وهو: كيف يمكن لنا ان نساهم في تطوير المعرفة في جامعاتنا العمومية وكيف نحقق التنمية انطلاقا من عملنا على تطوير البحث العلمي؟
لقد كانت مرجعياتنا أدبيات النقابة التي تراكمت منذ أكثر من خمسة عقود وكانت خارطة طريقنا مقررات المؤتمر الوطني العاشر الذي ارتكز على مستويين مستوى له علاقة بتطوير التعليم العالي من خلال إثبات مجموعة من المبادئ التي نؤمن بها وندافع عنها إلى أن تتحقق ويتعلق الأمر باستقلالية التعليم العالي ووحدته ودمقرطته وضرورة ربط التكوين بالبحث العلمي هي مبادئ لم يتحقق منها أي شيء وهو ما يقلقنا ويؤجل أي تطوير لجامعتنا العمومية وهذا يشكل تعطيلا لفرص التكوين الجيد لشبابنا. أما المستوى الثاني فله علاقة بالملف المطلبي للسادة الأساتذة وأريد أن أأكد في هذا الصدد أن الهدف الأساسي من حل مضامين هذا الملف يرتبط في رغبة النقابة الوطنية للتعليم العالي في القضاء على الفئوية غير الطبيعية التي خلقها النظام الأساسي الصادر في 19 فبراير 1997، وهو ما أدى إلى إبراز واقع غير طبيعي لهيئة التدريس ترتب عنه حيف عاشه، وبمستويات، جميع الأساتذة وهو الحيف الذي قتل التحفيز لدى معظمهم وهو ما يؤثر لا محالة على العطاء في مجال التكوين والبحث وهي الحقيقة التي لامسناها لدى جميع الأساتذة من خلال الجولة التي قام بها المكتب الوطني إلى جميع المواقع الجامعية.
انطلاقا من هذا الواقع واعتبارا لحسنا الوطني ولمنطقنا العالم اعتقدنا أننا وفي إطار الشراكة مع الوزارة الوصية يمكن أن نتجاوز هذه المشاكل وأن نؤسس معا جامعة عمومية تشكل قاطرة حقيقية للتنمية. لكن وبعد سنة من النقاش والحوار والتوافق على مجموعة من القضايا نفاجأ أن شيئا لم يتحقق وان الوزارة لا ترغب في أن نسير في البناء، لذلك كنا صريحين مع الأساتذة ورفعنا الأمر إلى اللجنة الإدارية التي أخذت القرار وهو القرار الذي اضطررنا إلى تنفيذه اليوم وغدا أي 13 و14 ماي مع تنظيم وقفة احتجاجية يوم غد الأربعاء 14 ماي من الساعة الحادية عشرة والنصف إلى الثانية عشرة والنصف. لماذا نضرب ولماذا الوقفة الاحتجاجية ؟ الإضراب حق دستوري والاحتجاج السلمي ممارسة راقية للتعبير عن موقف، عن قلق، أو للتنبيه، فحينما اخترنا أن نضرب فلأننا استنفدنا كل الوسائل فقد توافقنا مع الوزارة وكنا وطنيين نضع مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات وقد دام حوارنا مع الوزارة أكثر من سنة قدمنا خلالها مجموعة من الاقتراحات التي قبلتها الوزارة واليوم لا شيء تحقق لقد لوحنا بالإضراب من خلال قرار اللجنة الإدارية يوم 5 أبريل أي قبل شهر عسى أن تفعل الوزارة الوصية ما تم الاتفاق حوله لكن دون جدوى، فإضرابنا اليوم هو تعبير عن سخطنا لتعامل الوزارة والحكومة مع نقابة لها وزنها الاعتباري في البلد. لقد دفعنا الوزير إلى اتخاذ هذا القرار ونؤكد للرأي العام أننا سنستمر في النضال إلى أن نحقق مطالبنا المشروعة التي تهدف بالأساس ، كما سبق وأن أكدت، إلى تطوير منظومة التعليم العالي في بلادنا وإلى الدفاع عن كرامة الأستاذ الباحث. أما احتجاجنا أما الوزارة فيرتبط أساسا بإثارة انتباه الرأي العام الوطني إلى خطورة ما يحاك ضد الجامعة العمومية من سياسات تريد أن تقضي بصفة نهائية على ما تبقى منها وهذا ما لا نقبله، نحتج كذلك على تصريحات السيد الوزير اللامسؤولة اتجاه الأساتذة الباحثين واتجاه النقابة الوطنية للتعليم العالي واتجاه الرأي العام الوطني وهي تصريحات لا ترقى إلى مستوى مسؤول في حكومة محترمة وتنم على أن السيد الوزير بعيد كل البعد عن منطق الشريك الأساسي الذي يستطيع معه تطوير المنظومة، نحتج لما وصلت إلىه الجامعة العمومية من تدهور، ونحتج كذلك للظروف اللا إنسانية التي يشتغل فيها الاستاذ الباحث التي تصل في بعض الأحيان إلى مستوى السخرة نحتج عن التعامل اللامسؤول للوزارة الوصية والحكومة مع الملف المطلبي للسيدات والسادة الأساتذة وأخيرا نحتج لننبه الرأي العام وكل غيور على الجامعة العمومية التي هي ملك لجميع المغاربة والذين عليهم مساندتنا للدفاع عنها حتى يجد غدا كل حامل للباكلوريا مكانا لاكتساب المعرفة التي هي قبل كل شيء حق من حقوق الإنسان.
لماذا قاطعت النقابة الوطنية للتعليم العالي مناظرة البحث العلمي المنظمة من طرف الوزارة يوم 29 أبريل؟
حينما نتحدث عن البحث العلمي نتحدث عن استثمار في صناعة المعرفة فالعلم بمعناه الواسع أصبح من الأنشطة الإنسانية الأكثر أهمية والتي تبسط نفوذها المتنامي باستمرار على مناحي الحياة بكل مستوياتها وقد استطاعت الدول التي أعطت فعلا أهمية بالغة في سياساتها العامة للبحث العلمي خلق مجموعات فكرية كبيرة علمية وثقافية تعمل في مناخ ملائم يضمن ضروريات تطورها، لذلك يعتبر الاستثمار في البحث العلمي ضرورة استراتيجية وحيوية بالنسبة لأي بلد يحترم نفسه، وبذلك يعتبر الاهتمام بكافة أنشطة البحث شرط ضروري للنماء الاقتصادي ودوام انتشاره، فتكوين الأفراد ذوي الخبرات والكفاءات العالية سواء في الميادين العلمية البحتة أو الميادين الإنسانية أو ميادين التواصل وتقنيات الحوار هو الضمانة الكفيلة بالدفاع عن المصالح الكبرى للبلاد.
إن النقابة الوطنية للتعليم العالي، سواء من خلال ندواتها الوطنية المتعددة أو من خلال مؤتمراتها تتوفر على رؤيا لا تقف عند التشخيص ولكن تتجاوزه نحو إعطاء مجموعة من الحلول والمقترحات ترتبط بحكامة تدبير هياكل البحث أو بمستوى التمويل أو بمستوى تحديد الأولويات ووضع استراتيجية جهوية كانت أو وطنية زهو ما يعني أنها راكمت مجموعة من التجارب في مجال البحث العلمي تستطيع من خلالها أن تشكل قوة اقتراحية حقيقية في هذا المجال. وحينما تم استدعنا كمكتب وطني للمشاركة في هذه المناظرة اعتقدنا أننا سنقدم عرضا نطرح من خلاله رؤيتنا لوضعية البحث العلمي في الجامعة العمومية، لكن الوزارة كان لها رأي آخر وهذا يعني حرماننا من إعطاء وجهة نظرنا في الموضوع وهو تصرف بعيد كل البعد عن ما تتبجح به الوزارة من عمل تشاركي مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، هذا بالإضافة إلى أن الوزارة تناست أنه في سنة 2006 نظمت مناظرة حول البحث العلمي في المغرب في أفق 2025 وتكلمت عن نفس القضايا المثارة في مناظرة 29 أبريل وتم إنتاج مجلدات بهذا الخصوص واليوم نبدأ من جديد ونعتقد أننا نتقدم إنها مجرد مسرحية لا يمكن للنقابة وطنية تحترم نفسها أن تكون “كومبارس” فيها لأن البحث العلمي أعمق من أن نجد له حلول بهذه الطريقة المناسباتية.
في بلاغ المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي يوم 3 ماي 2014 تحدثتم عن التصريحات اللامسؤولة للسيد الوزير هل يمكن أن نعرف فحوى هذه التصريحات وموقفكم منها؟
إن السيد الوزير يدلي بتصريحات وتصريحات مضادة تنفي التصريحات التي سبقتها وهذا يؤكد على أن التعليم العالي في المغرب يعرف توجها نحو المجهول بحيث تغيب البوصلة لدى المواطن العادي الذي تشكل له الجامعة العمومية مجالا للمعرفة والتكوين وأملا في مغرب نام ومتقدم، إلا أن تصريحات السيد الوزير تفقد ثقة المجتمع في منظومة التعليم العالي فهو يصر بأن الجامعات الأجنبية ستدخل المغرب وستحل معضلة الجامعة المغربية، والأمر غير ذلك، لأنه إذا أردنا إيجاد الحلول للتكوين داخل الجامعة فيجب أن نعمل على القيام بتقييم حقيقي لمنظومة التكوين والبحث العلمي تقييم يستحضر الظروف التي يشتغل فيها الأستاذ الباحث والظروف التي يتلقى فيها الطالب تكوينه والظروف التي لها علاقة بتدبير المؤسسات الجامعية على كل المستويات دون أن ننسى المنظومة البيداغوجية التي لم تستقر على وضع واضح منذ 2003 السنة التي دخل فيها نظام LMD حيز التطبيق. لامسؤولية الوزير ترتبط بمجموعة من النعوت التي قالها في حق السادة الأساتذة والنقابة الوطنية للتعليم العالي من قبيل أن مجالس المؤسسات ومجالس الجامعات لا تعتبر بالنسبة إليه سوى “سواق” بالمعنى القدحي للسوق، أما المنظمة النقابية التي تدافع عن الجامعة العمومية والأستاذ الباحث فقد نعتها بالكذب وهي ممارسات لا تليق بمسؤول في حكومة محترمة، هذا بالإضافة إلى أن السيد الوزير اختلطت عليه الأوراق حينما يصرح أن لا ترقية بالأقدمية وهذا دليل على أنه يجهل أو يتجاهل أن النظام الأساسي للأساتذة الباحثين لازالت فيه الترقية بالأقدمية، إننا نعتبر هذه التصريحات غير مسؤولة تنفي المجهود الكبير والخرافي الذي تبدله النقابة الوطنية للتعليم العالي باعتبارها نقابة عالمة ومواطنة تعمل على إيجاد الحلول وتدافع على مرفأ عمومي يريد السيد الوزير استبداله بتكوينات مؤدى عنها كما أنه من العار أن نكافئ الأساتذة الباحثين بأن اجتماعاتهم للتدبير والتقرير في المسار البداغوجي والبحث العلمي لا تعدو أن تكون مجرد أسواق وهذا دليل على أن هناك إرادة خفية تهدف إلى خنق أكثر للتعليم الجامعي العمومي لتسهيل استبداله بحلول سحرية لا توجد سوى في مخيلة السيد الوزير المحترم.
إننا في هذا البلد نحترم كل من يرغب في البناء السليم لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي وأظن أن النقابة الوطنية للتعليم العالي كانت دائما مستعدة للحوار وقد دأبنا على ذلك منذ انتخابنا في المؤتمر العاشر وأن من على أن ينعت بما قاله فينا هو السيد الوزير المحترم، ولكننا نترفع على نعته بما نعتنا لأننا نحترم أنفسنا ونحترم الرأي العام الذي ينتظر منا أن نعيد له الثقة في تعليمنا العالي. لقد أدلى السيد الوزير في العديد من المناسبات والمنابر الإعلامية من قبيل الاتفاق مع النقابة على نسبة كبيرة من القانون الإطار المنظم للتعليم العالي وهذا غير صحيح إذ أننا في هذا الإطار نختلف معه كليا ففي الوقت الذي تذهب فيه النقابة إلى إعادة النظر في هذا القانون في شموليته وانطلاقا من المبادئ العامة التي نؤمن بها، ما يهم السيد الوزير هو إدراج بند خاص بالشراكة بين القطاع الخاص والعام مع إمكانية أن تصبح الشواهد التي تعطيها هذه المؤسسات التي هي في الأصل مؤدى عنها وطنية، وهذا ما سيؤدي إلى القضاء على الجامعة العمومية وما يؤكد أن السيد الوزير لا تهمه مؤسسات هذه الجامعة العمومية، فهل نستحق أن ننعت بالكذب حينما نقول الحقيقة؟
تتحدثون في بياناتكم وتصريحاتكم عن المبادئ الأساسية التي يجب أن تكون حاضرة في التعليم العالي والمتمثلة في التوحيد والدمقرطة والاستقلالية وربط التكوين بالبحث هل لكم أن توضحوا ما المقصود بهذه المبادئ؟
إن واقع التعليم العالي في المغرب مرتبك وغير واضح ويظهر ذلك حتى من خلال القانون الإطار الذي ينظمه فهو قانون يتحدث عن نوعين من المؤسسات مؤسسات التعليم العالي التابعة للجامعة وأخرى غير تابعة للجامعة وكل منها يدبر بنظام مختلف وهو ما يؤدي إلى نوع من الطبقية في التعليم العالي المغربي وهو وضع انتبه إليه ميثاق التربية والتكوين في مادته 78 حيث أكد على ضرورة أن تصبح جميع التكوينات ما بعد الباكلوريا تابعة للجامعة وهو البند الذي أعاده وركز عليه القانون 00/01 في مادته المائة التي تقول “يتم إعادة هيكلة التعليم العالي على مدى ثلاث سنوات وبتشاور موسع بين مختلف الفاعلين بمجموع أسلاك التعليم العالي ومؤسساته وبين شركائهم في مجالات العلم والثقافة والمجالات المهنية وذلك من اجل تجميع مختلف مكونات التعليم لما بعد الباكلوريا وأجهزته المتفرقة حاليا وتحقيق تنسيق وثيق بينها على صعيد كل جهة”.
فالنقابة الوطنية للتعليم العالي من خلال مبدأ التوحيد لا تطالب إلا بتطبيق القانون كما تنص عليه هذه المادة. إن التوحيد الذي ندافع عنه يعمل على حذف الحدود الفاصلة بين التعليم الجامعي ومؤسسات تكوين الأطر المتوسطة والعليا. إن هذا التوحيد لن يتم إلا في فضاء جامعي منعدم الحواجز تماما، يمكن الجامعة من القيام بدورها كاملا، فضاء ليس فيه فصل بين الكليات المختلفة ولا بينها وبين المعاهد والمؤسسات العليا، فضاء وحدته الأساسية مختبرات البحث والتدريس سواء في العلوم البحثة أو التطبيقية أو الإنسانية أو التربوية فضاء يمكن مؤسسات تكوين الأطر العليا من التنظيم داخل جامعات متعددة التخصصات. أما فيما يتعلق بالاستقلالية فهي في أدبيات النقابة الوطنية للتعليم العالي لا تعني بأية حال انفصالها عن وصاية الدولة أو إنشاء مراكز متعددة القرار ولكنها تعني ترشيد تطبيق سياسة اللامركزية في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي، مع ضرورة إعادة النظر في التركيبة الحالية للجامعات لتصبح قادرة على الاضطلاع بمهامها ولن يتم ذلك إلا من خلال استقلال أكاديمي وبيداغوجي وعلمي وما نلاحظه اليوم هو تدخل سافر في هذه الاستقلالية من خلال خلق مؤسسات غير قانونية من قبيل ندوة الرؤساء وشبكة العمداء والمديرين والتي أصبحت تتحكم في كل ما يتعلق بما هو بيداغوجي وعلمي متجاوزة بذلك الهياكل الحقيقية المخولة لها، طبقا للقانون، التقرير في كل ما هو بيداغوجي وعلمي وهو ما يعني عودة الوزارة إلى مركزة القرار ضاربة عرض الحائط كل ما تحقق في هذا الإطار فيما يخص اللامركزية واللاتمركز. أما على مستوى الدمقرطة المبدأ الأساسي الذي يمكن من خلاله إحداث تحول على مستوى الحكامة الجامعية فلا نفهم أن يكون المغرب مرتبط في اختيار من يدبر مؤسسات التعليم العالي على التعيين المغلف بمبارة مشروع تطوير المؤسسة الذي أبان على العديد من المشاكل تعيشها مجموعة من المؤسسات الجامعية، فقد آن الأوان لكي نسير فيما سارت فيه جميع الدول حتى دول الجوار في انتخاب من يدبر مؤسسات التعليم العالي من طرف زملائهم وهو ما يسمح بربط المسؤولية بالمحاسبة كما جاء في الدستور لأن العميد أو المدير أو رئيس الجامعة اليوم لا يحاسبه أحد وهو ما يزبد الجامعة المغربية تأزما. أما المبدأ الرابع أي ربط التكوين بالبحث فهو منطقي إذ أننا لا يمكن أن نتحدث عن الجودة وعن تطوير المنظومة دون بحث علمي.
تؤكدون دائما أن إحداث جامعات في إطار الشراكة يشكل خطرا على الجامعة العمومية كيف ذلك؟
إن التجارب الدولية التي تبنت التوجه نحو الشراكة بين القطاع الخاص والعام في إطار التعليم العالي انطلقت أساسا من دراسة عميقة لبنية التعليم العالي وأهلته حتى يصبح قادرا على التنافس إقليميا ودوليا وحينما فكرت في هذا التوجه فتحت نقاشا مع جميع الفرقاء المعنيين بمنظومة التعليم العالي. أما المغرب فقد وضع الجميع أمام الأمر الواقع واليوم يريد تقنين هذا الأمر من خلال مشروع قانون للشراكة بين القطاع العام والخاص والذي يخص جميع القطاعات إلا أنه حينما يتعلق الأمر بالتعليم العالي فالأمر يشكل خطر فعلي على الجامعة العمومية، إنه اتفاق بين الخدمة العمومية والخدمة الخاصة أو بعبارة أخرى تخلي الدولة عن التعليم العمومي لصالح القطاع الخاص وقد يستمر هذا التخلي لأكثر من ثلاثين سنة تقدم فيه الأموال العامة من أجل معرفة مؤدى عنها على أساس أن تصبح الشواهد المقدمة من طرف هذه المؤسسات التي تشتغل بالمال العمومي وطنية. إن هذا التوجه يشكل خطرا على التكوين الجامعي العمومي بحيث عوض أن تستثمر هذه الإمكانيات المرصودة بسخاء لهذه المؤسسات في إطار الشراكة يمكن أن تستثمر في قطاع التعليم العالي العمومي أما أن نحرم الجامعة العمومية من المال العام وتوجيهه نحو مؤسسات للتعليم العالي في إطار الشراكة فهو لا يعدو سوى تدبير مفوض يقدم تكوينا مؤدى عنه يصل إلى 120 ألف درهم سنويا، والخطير في ذلك هو حينما تقدم الوزارة الوصية العمل على تغيير القانون 00/01 ليتضمن هذه الشراكة التي ستعطي شواهد وطنية وهو ما يعني الموت السريع للجامعة العمومية التي تعيش اليوم موت بطيئا لا يحس به إلا الغيور على الغالبية العظمى من الشباب الذي ينتظر أن يجد مقعدا وظروفا إنسانية لتلقي المعرفة، إنه موقف مبدئي سنظل ندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة ومن الأكيد أننا سنجد من يؤازرنا في الدفاع عن الجامعة العمومية التي هي ملك لجميع المغاربة.
هل للنقابة الوطنية للتعليم العالي تصور حول ما يجب أن يكون عليه القانون الإطار المنظم للتعليم العالي والنظام الأساسي للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين؟
القانون 00/01 هو القانون المنظم للتعليم العالي وأظن أنه بعد أكثر من عقد من الزمن يجب أن يعاد النظر بشكل شمولي في العديد من أبوبه وبنوده بشكل يجعل منه آلية أساسية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي سواء على مستوى الحكامة الجامعية التي تعرف العديد من المشاكل والتي من الضروري دمقرطتها من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو على مستوى إعطاء أهمية أكثر لتنظيم البحث العلمي أو على مستوى التدبير المالي الذي يجب أن يتحول من المراقبة القبلية إلى البعدية، دون أن ننسى المواد الخاصة بالأستاذ الباحث. هذا بالإضافة إلى ضرورة جعله قانون إطار يرتكز على تقوية وتنمية الجامعة العمومية وتوحيد التعليم العالي بعد الباكلوريا في إطار الجامعة وهي المبادئ التي تدافع عنها النقابة الوطنية للتعليم العالي والتي سبق أن فصلت فيها، وذلك على أساس أن تكون جميع أبواب وبنود هذا القانون مبنية على هذه المبادئ. أما بخصوص النظام الأساسي للسيدات والسادة الأساتذة فمنظورنا واضح في هذا الصدد ويتمثل في الاكتفاء بإطارين إطار أستاذ محاضر وإطار أستاذ التعليم العالي مع تداخل الأرقام الاستدلالية وهو ما سيسمح بتجاوز الحيف والفئوية التي خلقها نظام 1997 الذي فرق بين الأساتذة وجعلهم شعوب وقبائل كل يصارع من أجل تجاوز الحيف الذي لحقه وهو ما تحاول اليوم النقابة الوطنية للتعليم العالي تصحيحه لأن الهدف الأساس هو بناء جامعة قوية وقانون قوي يخدم الجامعة العمومية وهي إرادة إن توفرت لدى النقابة فهي تبقى غائبة لدى للأسف لدى الوزارة الوصية وهو ما يدفعنا اليم إلى خوض إضراب وطني والاحتجاج أمام الوزارة.
كيف يمكن للنقابة الوطنية للتعليم العالي أن تساهم في محاربة العنف داخل الجامعة العمومية؟
العنف مستويات فيه الظاهر وفيه الخفي وأعتقد أن ما يجب أن نحارب هو العنف الخفي الذي لا يظهر ولكنه يشكل خطرا على جميع مكونا الجامعة المغربية، أما العنف الظاهر والظرفي فهو نسبي واعتماد المقاربة الأمنية لمحاربته خطأ وهو ما يدفعنا كنقابة إلى التأكيد على أن الإجراء الذي اتخذه وزير التعليم العالي ووزير الداخلية لن يحل المشكل بل قد يعمل على تأجيجه، فالحل يكمن في مواجهة العنف الخفي العنف الذي يهمش الجامعة العمومية العنف الذي يخلق مؤسسات دون أدنى شروط التكوين والتحصيل كما هو الحال بالنسبة للكليات المتعددة التخصصات. العنف مرتبط كذلك بالظروف التي يشتغل فيها الأستاذ ويمارس فيها البحث هذا النوع من العنف يعيشه الإداري ويعيشه الطالب حينما لا يجد مقعدا للجلوس وحين لا يجد مكانا يأويه، فكيف نطلب منه أن يهتم بالتحصيل وكيف لا نحوله بهذا الواقع إلى ممارسة العنف ضد نفسه أولا لأنه يعتبر نفسه ضحية واتجاه الآخرين الذين يعتبرهم سببا فيما هو فيه، علينا أن نعيد النظر في تعليمنا العالي أولا على مستوى الخريطة الجامعية التي يجب أن تكون عادلة وعلى مستوى معرفة حاجة المجتمع من التعليم العالي ثم على مستوى تحمل الدولة للإنفاق على التعليم العالي إن القضاء على هذه الأنواع من العنف الخفي ستقضي لا محالة على العنف الظاهر.
نقابات التعليم والنقابة الوطنية للتعليم العالي ممثلة في المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي كيف يمكن لنقابات التعليم عموما والنقابة الوطنية للتعليم العالي على وجه الخصوص أن تساهم في تطوير المنظومة التعليمية من خلال هذا المجلس؟
المجلس الأعلى للتعليم والبحث مؤسسة دستورية دورها مرتبط بتتبع منظومة التعليم في بلادنا وأعتقد أنه اليوم ما أحوجنا إلى ذكاء جماعي نستطيع من خلاله العمل على تجاوز المشاكل التي تعيشها منظومة التعليم في المغرب، ومن المؤكد أن المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي من خلال بنيته الجديدة، والتي تحضر فيها النقابات التعليمية ونقابة التعليم العالي بقوة، يعمل من أجل إعادة الريادة للتعليم والتعليم العالي خاصة وأنه سيربط التكوين بالبحث في جميع المجالات حتى في علوم التربية إذ لا يمكن أن نطور المناهج والبيداغوجيا دون ربطها بالبحث العلمي وأأكد على أن عمل النقابات داخل هذا المجلس يجب أن يكون اقتراحيا أكثر من الاكتفاء بالتشخيص والنقد، كما يجب أن يكون العمل بيننا كنقابات تشاركيا لأننا نتعامل مع منظومة متكاملة تمتد من ما قبل التمدرس إلى التكوين الجامعي، فعلينا أن نعمل على أن يكون التكوين متكاملا في جميع الأسلاك التعليمية لأن الطالب قبل أن يلج الجامعة يتلقى تكوينا عاما من الضروري أن نتساءل هل هذا التكوين يؤهله لمتابعة دراسته العليا وهو ما يدفعنا إلى تساؤل منطقي لماذا 13 % فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 سنة يلجون التعليم العالي وهل بهذه النسبة نستطيع أن نحقق التنمية الاجتماعة والاقتصادية؟
ما هو منظوركم لتطوير الجامعة العمومية وكيف تتحول من مؤسسة لإنتاج العاطلين إلى مؤسسة فاعلة في المجتمع ورافعة للتنمية؟
إن طرح الإصلاح كأداة للتغيير يقتضي مقاربته في وضعه الشمولي وليس الجزئي، فإصلاح مكونات التعليم العالي يعتبر جزءا من إصلاح مجتمعي شامل، بحيث لا يمكن أن تكون الجامعة فاعلة في مجتمع لا يعترف بها وقد لا يساير تطورها، والمقصود بالاعتراف يقتضي وضع الثقة في إمكانياتها في مجال التكوين والبحث، وهي ثقة يجب أن تتوفر كذلك لدى مكونات المجتمع الجامعي, إن موضوع إصلاح وتطوير الجامعة المغربية يعتبر مشروعا مجتمعيا يجب أن يبنى على الثقة، ثقة متبادلة بين الجامعة ومحيطها، وثقة الجامعيين أنفسهم في الإمكانيات التي يمكن للجامعة تقديمها لهذا المحيط من خلال آليات البحث العلمي والتكنولوجي. هذا بالإضافة إلى أن النقابة الوطنية للتعليم العالي ترفض ما يقال عن الجامعة العمومية باعتبارها مؤسسة لتخريج العاطلين، فالجامعة المغربية والجامعات في كل أنحاء العالم ليست معهدا للتكوين المهني وإنما هي مجال لجمع المعرفة ونقلها وإنتاجها عن طريق البحث وإذا أردنا الربط بين الجامعة والمشروع المجتمعي فذلك يقتضي طرح مقاربة شمولية للآليات المتحكمة في الجامعة، فلا يكفي القول بضرورة انفتاح الجامعة على محيطها، لأن هذه المقولة قد نعتبرها متجاوزة لعدة أسباب، فإذا كانت الجامعة المغربية مازالت محدودة التأثير في إحداث النمو الاجتماعي والاقتصادي، فذلك لا يعود إلى نظرة الجامعة إلى نفسها، وإلى مدى تنظيم أوضاعها الداخلية وحسب، بل يعود وربما بصورة أكبر إلى نظرة المجتمع والدولة لها وبذلك تبقى مقولة انفتاح الجامعة على محيطها نسبية بدليل أن المحيط لا يعرف الآن حاجته من الجامعة وهو ما يؤكد عدم اندماجه، فالمحيط المهيمن اليوم هو مغرب البطالة، لذلك فشعار اندماج الجامعة في محيطها ينطوي على قدر كبير من التضليل لأنه يسكت عن ما هو أساسي وهو المحيط ذاته الذي لم يعد قادرا على توفير مناصب شغل تمتص المتخرجين من الجامعة، وهذا يقتضي وجود سوق عمل بها رواج كاف لتحديد النوع والكيف من المتخرجين المطلوبين.