مكونات شخصية الإرهابي وسبل المعالجة

 

كتبه: الدكتور أسعد السحمراني

أستاذ العقائد والأديان في جامعة الإمام الأوزاعي- بيروت

مسؤول الشؤون الدينيّة في المؤتمر الشعبي اللبناني

عن مجلة افاق الالكترنية
طغت على سطح المشهد الثقافي والإجتماعي في السنوات الأخيرة أفكار مشحونة بالغلو والتطرف، وممارسات إرهابية فيها الحدّ الأقصى من حالات استخدام العنف. فالأفكار التي جُنّدت لها أقلام، ومواقع تأهيل، وإعلام متنوع الأدوات والأساليب، يضاف إلى ذلك مبالغ ماليّة هائلة، هذه الأفكار إنّما هي أفكار تذهب إلى الأقصى في حدّ التعصب، وقد وصل قسم منها إلى مواقف تكفيريّة أعطى أصحابها -مع قصورهم الفكري- لأنفسهم محاكمة الآخر والحكم عليه، كأنّهم لم يقرأوا قول الله تعالى: ﴿فذكّر إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر﴾ (سورة الغاشية، الآيتان 21، 22).

خلفية وإشكالية:

طغت على سطح المشهد الثقافي والإجتماعي في السنوات الأخيرة أفكار مشحونة بالغلو والتطرف، وممارسات إرهابية فيها الحدّ الأقصى من حالات استخدام العنف. فالأفكار التي جُنّدت لها أقلام، ومواقع تأهيل، وإعلام متنوع الأدوات والأساليب، يضاف إلى ذلك مبالغ ماليّة هائلة، هذه الأفكار إنّما هي أفكار تذهب إلى الأقصى في حدّ التعصب، وقد وصل قسم منها إلى مواقف تكفيريّة أعطى أصحابها -مع قصورهم الفكري- لأنفسهم محاكمة الآخر والحكم عليه، كأنّهم لم يقرأوا قول الله تعالى: ﴿فذكّر إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر﴾ (سورة الغاشية، الآيتان 21، 22).

إن أحداً لم يُعطَ حقّ الحكم على النّاس، والتطاول عليهم، هذا غير أن الإنسان مستخلف في الأرض، وله التكريم بمشيئة الخالق سبحانه لقوله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً﴾ (سورة الإسراء، الآية 70). هذا الإنسان الذي كتب له الله تعالى التكريم، وجاء بشأنه في الأثر: “الإنسان بنيان الله – تعالى- ملعون من هدمه.” هل يحقّ لأحد أن يهينه أو يحقّره؟ وهل هو مرخّص لأحد أن يعتدي على حرماته وحريّاته؟ وهل أعطي أحد الحقّ في تكفيره واستباحة دمه؟

إنّ الحال التي نشرت حالة من القلق، لا بل قل الهلع، عند كثيرين، وأنتجت حالات من الإحباط والخوف على الذات وعلى الأرحام والأهل، وعلى الخصوصيّات، ولّدت فضاءً فكرياً وسلوكياً أسّس للفتن والاقتتال، وزرع الرعب والتخريب في ساحات ومساحات، وأصبحت الحالة من المهدّدات التي قد تفتك بالنسيج الإجتماعي والوطني، وهذه المفاهيم والمفاعيل تشكل عدواناً على الأمّة العربية، والعالم الإسلامي، والعالم أجمع، ولكلّ المكوّنات والمقوّمات التي يقوم عليها الاجتماع البشري الذي يكون مستقراً يسوده الأمان، ويحقّق إسعاد الإنسان ليكون ذلك في إطار التزام مشيئة الخالق سبحانه الذي قضى بتكريم بني آدم.

أمام هذه التحديات على المجتمع بنيوياً تتوالى الأسئلة والتساؤلات، ويجد المتابع الساحاتِ منداحة لإشكاليات عديدة، منها:

ما العوامل التي تجعل إنساناً يخالف فطرته، وشرعه، والمنظومات القيمية؟ كيف تضيع اتجاهات إبرة البوصلة من جماعات ومجموعات، ألا يوجد بينهم ناصح أمين؟ ما الأسباب والميول الغريزية التي تسيطر على العقل والفهم فتجعل بعضهم تائهين يخبطون عشوائياً فكراً وسلوكاً؟

كيف يقبل إنسان مفهوماً مفاده أنّه موكل بالحكم على النّاس، وأنّ جيوبه مثقلة بمفاتيح الجنان والرضوان يوزّعها وفق أهوائه؟

هل العلّة في التنشئة والإعداد، أم في النقص المعرفي، أم في اتّباع المصالح ما يجعل الفرد التكفيري من نهّازي الفرص ومستبيحي الحرمات خدمة لأناه؟

عرض حال استقرائي:

يحتاج موضوع سبل معالجة المصابين بمرض التعصب والفئوية، أو بداء التكفير إلى جلاء العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية المتطرف أو التكفيري، وهذه العوامل متعددة منها ما هو ذاتي، ومنها ما تشكّل بتأثير الفضاء الثقافي، أو أنماط العيش القاسية، ومنها ما يكون لأسباب معرفية، أو سياسية. ويندرج بين هذه العوامل ما يلي:

1-الجهل أو المعرفة الناقصة:

الجهل مرض يجعل الجاهل تربة خصبة لكل زرع فتنوي وغريزي، لأنه لا استقرار عنده في المفاهيم أو المشاعر، ولا هو واثق الخطى، والجاهل يسهل على المتلاعبين بالعقول استمالته ليخدم أهواءهم، مقابل فتات موائد يقدمونها له. والأخطر من الجاهل من حصّل معارف قليلة وناقصة، لأن الجاهل قد يهدأ، ويقبل بعدها الإرشاد والتعليم، أما نصف المتعلّم فإنّه يصاب بالعُجْب، ويزعم أنه غير محتاج لتعليم ولا إلى نصح يسديه الآخرون، لا بل يقاوم كل فكر مستنير، وكلّ توجيه رشيد، فيكون في موقفه هذا عائقاً أمام نشر الهدى، والحكمة، والعلوم الأصيلة.

وإن الجهلة وأشباه المتعلمين يشكّلون جماعات ضغط على العلماء والفقهاء الذين قد يعرضون عن طرح فكرهم الإنقاذي للأجيال، والذي يعالج مشكلات المجتمع بسبب ما يواجههم به الجهلة وأشباه المتعلمين من عنف وإنكار، أو بسبب ما يتهددهم من أذى يسببه هؤلاء.

وقد عرض الإمام جاد الحق علي جاد الحق هذه المسألة المعضلة قائلاً: “إن هذه الأسباب هي التي قادت إلى بروز ما تشهده المجتمعات الإسلامية والعربية من ظواهر الغلوّ والإرهاب والعنف، والتي سفكت دماء، وهدمت مؤسسات وزرعت الرعب هنا وهناك، كما أنّ الجهلة من العوام الذين يسيئون للدين بمفاهيمهم الخاطئة وعلومهم المرتجلة يمارسون شكلاً من أشكال التسلّط والديكتاتورية على العلماء المستنيرين الذين كثيراً ما يحجمون عن إعلان موقف، أو إطلاق مبادرة لا لشيء إلاّ لخوفهم من استغلال من قبل العوام في غير ما يقصده صاحب الموقف أو المبادرة.”

وقد أحسن صُنْعاً الشيخ محمد الغزالي في تشخيص حالة الجهلة وضيّقي الأفق، حيث قال: “المصيبة أن بعض المتحدثين في الإسلام لديهم مقدار هائل من قصر النظر وقلّة الوعي، والأدهى أن يتحوّل هذا الفكر السقيم إلى مبدأ تُؤلّف فيه كتب، وتنتهي إليه مواقف.”

2-الفهم المغلوط:

إن فهم النصوص، والأحكام الشرعية على غير حقيقتها، والفهم الملتبس لأمور أخرى، والتعسّف في استخدام النصوص دون دراية بسبب أشخاص غير مؤهلين، أو آخرين تدفعهم نفوسهم الوضيعة إلى التقرّب من أصحاب النفوذ والسلطان أو المال إلى التشويه والتزوير، وفي كل هذا نجد متطفلين يسمحون لأنفسهم التلاعب بالفهم والفقه، وبالنصوص والنفوس، فيحمّلونها ما ليس منها، والأصل أن تُردّ الأمور إلى أهلها، وأن يكون الاجتهاد وبعده الإفتاء من مهمّات أهل الاختصاص، والفرد في هذه العملية يقول ما عنده مجتهداً وكفى. وقد وجّه الحقّ سبحانه إلى هذا في الآية الكريمة: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.﴾ (سورة التوبة، الآية 122).

فالفقهاء نخبة متميّزة تتسم شخصياتها بالقوة في قول الحقّ، وبالأمانة، وبالقدر الرفيع من المستوى المعرفي، مع فطنة ونباهة، ومواكبة للنوازل والتحديات. وأما ما هو حاصل مع مجموعات التفسيق والتكفير فإنه أفهام بعدت الشّقة بأصحابها عن جادة الحقّ والحقيقة . “إن المفاهيم المشوشة أو المشوّهة التي تطرحها جماعات وفرق، أو يطرحها أفراد وأمراء جماعات في خطابهم أو كتاباتهم ومنشوراتهم تسهم في تشويش الفهم عند قبيل من المسلمين فيقع بسبب ذلك التضليل، ويأتي أصحاب الأهواء فيقودون هذه المجموعات المغرّر بها إلى حيث ضررها وضرر المجتمع…

… إن عدداً غير قليل من المغرضين وأهل الأهواء الذين يستترون وراء شعارات دينية تراهم يتشدّدون في بعض الشكليات ويتهاونون في أمور جوهرية.”

هكذا يقود الفهم الخاطئ إلى ضلالات، وإلى تشتيت الجهود في غير موضعها المناسب، وإلى مواقف أساسها مفاهيم سطحية لا ترقى إلى مستوى سبر أغوار المعرفة، ونجد أن أصحاب الأفهام القاصرة معتنون بالمظهر ولا يتجاوزونه والخلاصة هي: “كلما وجدنا الشخص يركّز على الشّكل والمظهر يكون ذلك دليلاً على فراغ في المضمون والجوهر.”

لقد تحدث عن خطر ذللك شيخ الأزهر الأسبق الإمام جاد الحق فقال: “وقد يكون الغلو في الدين بسبب سوء فهم حقيقة الدين، أو من اجتهادات ذات المغالي أو من اجتهادات معلّمه وقائده الذي تلقّى منه هذه المغالاة، وإدخال الرأي الشخصي في قضايا الدين وأحكامه وشرائعه من دون أن يتأهل لذلك بالعلوم والأدوات المناسبة. وقد يكون الغلو في الدين ببسبب الرغبة في احتلال مركز الاحترام والتقدير عند العامّة الذين قد يرون في الغلو في الدين ارتقاء في المراتب، ولا يفهمون أن كمال التدين بالتزام حدود الله (تعالى) بدون تفريط أو غلو.”

3-التعصّب:

لا مساحة لقاء بين الإيمان الحقّ وبين التعصّبات الرديئة التي يلتزمها بعض الناس متمسكاً بطرف من الدين، ومثل هذا الشخص المتعصب هو الذي جاء البلاغ الإلهي محذراً منه، وذلك لأن تطرفه وطرفيته تجعلانه متقلّباً لا قرار له ولا استقرار، وهو شخص تغريه الجزرات الحلوات وتخيفه العصي إن وجهن إليه. ففي الآية الكريمة: ﴿ومن النّاس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.﴾ (سورة الحج، الآية 11).

إن من يعبدون الله تعالى على حرف “ابتلوا بقصر النظر والجهل لذلك نراهم يقفون عند تخوم الحقيقة، ويقنعون بذلك، ووقوفهم هذا عند طرف الأمر الديني تتولّد عنه حالات انفعالية بعيدة عن الصواب، وتتركهم على حرف هاوية تسقطهم فيها أية عاصفة أو فتنة مهما كان مقدارها. هذا النوع من العابدين هو من يُخشى عليه، هؤلاء الذين يعبدون الله على حرف، ويبقون على جهلهم وتعنّتهم، ويغلقون على أنفسهم أبواب التطوّر الفكري من خلال جمود ظنّوه محافظة، ومن خلال تعصّب ظنّوه تديناً، ومن خلال تطرف حسبوه التزاماً بما أمر به الله تعالى.”

والتعصب مرض حذّر منه الحديث النبوي في أكثر من نص منها: “من قاتل تحت راية عُمّيّة يدعو إلى عصبية، أو يغضب لعصبيّة، فقُتِل فقتلته جاهلية.”  والراية العُميّة: الراية التي تكون غير واضحة الأهداف والمقاصد.وفي نصّ آخر: “من قاتل تحت راية عُمّية يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، وقُتِل فقتلته جاهلية.”

فالمؤمن الحقّ يقاتل مجاهداً في سبيل الحقّ والواجب، ولمقاصد جلية حفظاً للمقدسات والوطن والكرامات.

والعصبية تكون باباً للاقتتال المُهلك، والمدمّر للنسيج الإجتماعي، وفي ذلك تفريط بحرمة الدّم والمال والعرض. وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه عن ذلك، لأن الاقتتال وضرب الأعناق بين المؤمنين، وبين مكوّنات وطن الأمة إنّما هو سبيل تقود إلى الكفر، وفي نصّ خطبة حجّة الوداع في العام العاشر للهجرة، جاء الخطاب النبوي الآتي: “ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالاً يضرب بعضكم رقاب بعض.”

4-الأحياء المهمّشة والفقر والبطالة:

إن المواقع السكنية التي تتشكّل منها الأحياء أو البلدات الإفتراضية، أو ما يسمّيه الباحثون الإجتماعيون: الأحياء المهمشة، التي هي ما يشكل أحزمة بؤس حول المدن، وتكون من تكوينات عشوائية نسباً وصلة، فلا يجمع بينها أي نسيج، ومثلها الدساكر والقرى النائية الموغلة في البداوة أو الأرياف المعزولة، تشكّل الحاضنات الرئيسات للانحراف، والتفريط والإفراط.

وما يسهم في نمو التطرف، وبكل الاتجاهات، التطرف في التفريط بالقيم والمثل، أو التطرف في الإفراط والغلو الذي يصل إلى الأحكام والمواقف التكفيرية، إنما هو الجهل وندرة التعليم حيث يزداد التسرّب المدرسي في مثل هذه التجمعات، ويترافق مع ذلك الفقر والعوز، وتزداد نسبة العاطلين عن العمل، كل ذلك عوامل اجتماعية للفكر التكفيري.

ففي الأثر الإسلامي: “اللّهمّ إنّا نعوذ بك من الكفر والفقر.”

وقال الشاعر: “والجهل يهدم بيوت العزّ والكرم.” وقيل كذلك: “البطالة تورث الرّذيلة.”

إن العامل الاجتماعي من المباني الأساسية في إنتاج التطرف والغلو، وحقيقة الأمر أن “الفقير الذي يلفّه الحرمان ويشعر بالقسمة الظالمة للفرص وللحقوق، ستتولّد عنده حالات من النّقمة والتّمرّد والغضب، وهذه تؤدي حكماً إلى حالات عنفيّة في التعبير والسلوك، إمّا عنف ضدّ الذات بتدميرها بالموبقات والمفاسد في إطار الفرار من الحياة وشؤونها، وإمّا عنف ضدّ الآخرين يهلك الحرث والنسل وتكون نتائجه فتن وحالات من الخلل الإجتماعي والوطني عموماً.”

فمن يعيش غير آمن على حياته، ولا على مستقبل أفراد أسرته، ومن يغرق في الحرمان والفقر، يكون مستعداً لكل مفسدة، ويؤدي به ذلك إلى الكفر أو التكفير.

5-الاستبداد والاستعباد:

تردّد قول في المأثور العربي هو: “العدل إن دام عمّر والظلم إن دام دمّر.” فالاستبداد داء عضال يجعل الفرد غير آمن على نفسه، ولا على أسرته، ولا على حرماته وخصوصياته وممتلكاته. وأسير الاستبداد يصبح في مرتبة الرقيق، ومشلول الطاقة كسولاً، يقظته كنومه، وحياته كموته.

لقد أفاد وأجاد المفكر العربي الإصلاحي السّيّد عبد الرحمن الكواكبي في تشخيص دائيّ الاستبداد والاستعباد، وفي سبل مقاومة المستبد، والنهوض بالأمة في كتابه المعنون: “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.”

ومما قاله الكواكبي: “وأشدّ مراتب الاستبداد التي يتعوّذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.” (ص 38).

وقال: “إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه.” (ص39).

فالحكم المستبد إن وجد المواطنين كالغنم درّاً وطاعة يتمادى في طغيانه ونهبه واحتكاره للسلطة، ويعمد إلى اصطناع المرتزقة الذين يشكّلون عصاً غليظة يلهب بها المستبد ظهور الناس، وبدل السجون يصبح البلد سجناً كبيراً يقيم فيه كل المواطنين، وأما المقاومة وتعزيز الرقابة، وتشديد المحاسبة على الحاكم وأعوانه، فإنّها تعطّل استبداده، وتضع حداً لتماديه وتطاوله.

ومما قاله الكواكبي معرّفاً المستبد:

“المستبد عدوّ الحقّ، عدوّ الحرّيّة وقاتلهما، والحقّ أبو البشر، والحرّيّة أمّهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبّوا وإن دعوهم لبّوا وإلّا فيتصل نومهم بالموت.

المستبد يتجاوز الحدّ ما لم ير حاجزاً من حديد، فلو رأى الظّالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظّلم، كما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب.” (ص 42).

إن الاستبداد السياسي (الديكتاتورية) معول هدم لوحدة المجتمع واستقراره وترقّيه، وأقبية السجون وزنزاناتها هي أمكنة يعشعش فيها التطرّف، وهي معاهد يتخرّج منه المتطرفون والإرهابيون والناقمون على كلّ شيء، وبذلك يكون الاستبداد بين أبرز مكوّنات الشخصية المتطرفة.

6-الاستعمار والصهيونية:

إن العدوان المتصل منذ قرون من قبل الفرنجة، فالأوروبيين، فالأمريكان، وما نتج عن ذلك ولا يزال من أشكال الاستعباد والاحتلال الظالم الذي استباح ولا يزال كل الخصوصيات، حيث اعتدوا على كرامة الإنسان وحقوقه، وعلى المقدسات بالتدنيس، وعلى الملكيات والثروات فنهبوها ولا يزالون، وعلى اللغة والتراث والفكر فقد حاولوا تشويهه، ودفع الناس للتنكر له، ومن نماذج ذلك العمل الاستعماري لفرنسة الجزائر على مدى مدّة الاحتلال من العام 1831 إلى العام 1962، تاريخ الاستقلال، والاستباحة الكبرى من قبل الحلف الأطلسي بقيادة الأمريكي حيث الاحتلال ونشر القواعد العسكرية، والاستتباع السياسي، وتصنيع مجموعات فتنوية تستغل كل خصوصية طائفية أو مذهبية أو عرقية لضرب الوحدة الوطنية والعروبة الحضارية الجامعة تنفيذاً لما يسمونه الشرق أوسطية؛ التي هي مشروع تآمري يريد تفتيت الأمة العربية والعالم الإسلامي إلى كيانات صغيرة ودويلات تسهّل عليهم السيطرة عليها خدمة لأطماعهم، ومن أجل حماية الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.

أما اغتصاب فلسطين وأراضٍ مجاورة لها، وتدنيس القدس والمقدسات، وما يرافق ذلك من أعمال التهويد، ومن استخدام تجليات العنصرية الصهيونية في الحدّ الأقصى من العنف؛ إن كل ذلك اقتضى التزام خيار المقاومة فلسطينياً وعربياً، لكنّ الاحتلال مع التهويد والتهديد تنتج عنه حالات انفعالية غير مدروسة.

إنّ الاستعمار الأوروبي الأمريكي تماهى مع الإرادة الصهيونيّة، وبات المصطلح الأصوب أن يقال: الصهيوأمريكان.

ومن أشكال العدوان الصهيوأمريكي والأوروبي العدوان الثقافي والفكري، الذي يبرز في التناول المسيء للرموز الدينيّة، أو للمنظومات القيميّة العربيّة والإسلاميّة، وحتّى الرموز المسيحيّة لم تنجُ من تطاولهم؛ يُضاف إلى ذلك المؤسّسات التعليميّة والإعلاميّة، وما تطرحه من مفاهيم استفزازيّة تدفع إلى حالات من ردّات الفعل المؤذية التي قد تصل إلى حدّ العنف والغضب اللذين يقودان إلى حالات من الغلوّ والتطرّف.

7- الإعلام:

إنّ الإعلام بكلّ أنواعه شكّل ويشكّل مصنعاً رئيساً للإرهاب والتطرّف، وربّما إلى تغذية الفكر التكفيري. فالإعلام المتعدّد الأساليب والوسائل يسهم في صناعة الرأي العام، فإمّا أن يوجّه إلى المواقف الرصينة الحكيمة، وإمّا أنّه يقود الناس -خاصّة الدهماء منهم- إلى الغوغائيّة والغرائزيّة، ممن يصدر عنهم العنف غير المشروع، والمواقف والممارسات التي تستبيح الدماء، وتنشر الفتنة.

وسائل الإعلام هي: الحوار الثنائي، والندوة، والمحاضرة، والمؤتمر، والمعرض، وإبداعات الفنون والآداب، والصحافة، والإذاعات، والتلفزة، والسينما، والشبكة البينيّة، ووسائل الاتصال والتواصل؛ يضاف إلى ذلك الوعظ والخطاب الديني؛ فكلّ هذا الإعلام فيه ما فيه من المضامين التحريضيّة، والكلام الفئوي الذي يغذّي التعصّبات الرديئة، ويظهر ذلك عندما تستضيف المواقع الإعلاميّة جهلة وأنصاف متعلّمين ممّن يدّعون الخبرة في الخطاب الديني أو السياسي، فيكون لخطابهم آثار تدميريّة على الرأي العام، ومن المؤسّسات الإعلامية التي تسقط في مثل هذه المزالق من تدّعي الحرص على الوحدة الوطنيّة أو وحدة المسلمين، وهناك الإعلان الفاضح أو بعض المناسبات الفئويّة التي يتمّ عرضها، ويكون ذلك مادّة لردّات الفعل على المقلب الآخر.

8- قمع الحرّيّات:

إنّ قمع الحرّيّات بكلّ أشكاله عامل حاسم في خلق حالات التطرّف وردّات الفعل التي تقود إلى حالات من التكفير. فالحرّيّة مطلب كلّ كائن حيّ ولا كرامة بلا حرّيّة، ولا عزّة بلا حرّيّة، ولا عيش هانئ بلا حرّيّة. ومن أراد التأكّد فليذهب باختباراته إلى عالم الطيور حيث تفيد الوقائع أنّ الطير إذا سُجن في قفص يتراجع أداؤه وتغريده إلى النصف منه عمّا يكون عليه الحال حين يغرّد الطائر، وهو حرّ، بين الأشجار وفي البساتين والغابات؛ يُستثنى من ذلك طائر الشحرور الذي يصمت عن التغريد إذا وُضع في قفص، ويمتنع عن تناول الغذاء والماء، ولا يلبث سوى القليل من الأيّام حتّى يموت استنكاراً لقمع حرّيّته.

فما بال من يمارس القمع والكبت على البشر باسم الحكم والسياسة، أو باسم تنظيرات فقهيّة صادرة عن جهل وقصر في البصر والبصيرة، فنجد القمعيين يصادرون حقّ التعبير، وحقّ الإبداع الأدبيّ والفنيّ، وحقّ الكشف والابتكار العلميّ، وكلّ ذلك تقابله أفعال وردود أفعال يائسة ومغالية آثارها كارثيّة.

إنّ إبقاء الإنسان حبيس الجهل قمعٌ لحرّيّته، وإنّ فرض البطالة والفقر على الناس قمع لحرّيّتهم، وإنّ العمل لنشر الأطر الحركيّة الفئويّة الطابع قمعٌ للحرّيّة، وإنّ السماح بالخرافات أن تنتشر وأن يلوذ بحماها من يسعون لتعطيل الفكر والإبداع قمعٌ للحرّيّة.

وبشأن مخاطر القمع نترك الكلام للكواكبي: “يا قوم: أعيذكم بالله-تعالى- من فساد الرأي، وضياع الحزم، وفقد الثقة بالنفس وترك الإرادة للغير، فهل ترون أثراً للرشد في أن يوكّل الإنسان عنه وكيلاً، ويطلق له التصرّف في ماله وأهله، والتحكّم في حياته وشرفه، والتأثير على دينه وفكره، مع تسليف هذا الوكيل العفو عن كلّ عبث وخيانة وإسراف وإتلاف؟”.

ملاحظة: هذه بعض المباني والعناصر التي تسهم في تكوين شخصيّة المتطرّف، وقد يستطيع كلّ مهتمّ أن يضيف إليها مقوّمات ومكوّنات أخرى.

مقترحات في سبيل المعالجة:

إنّ الغلوّ في الدين، أو السياسة، والإفراط في استخدام القوّة من قبل الصهيوأمريكان، أو من مجموعات هنا وهناك تحت مسمّيات وعناوين عديدة، ومنها حالات التكفير والترهيب والاستباحة للحرمات؛ يقتضي العمل لمعالجة هذه الأفكار الهدّامة، وأنماط السلوك والأفعال الناتجة منها، وخطوات المعالجة يندرج بينها الإجراءات الآتية:

1- سياسياً على المستوى الإقليمي والدولي:

إنّ معالجة الغلوّ والتطرّف يحتاج في الملفّ السياسي إلى الخطوات الآتية:

أ- اعتماد نظام دولي متوازن يحترم حقوق الأمم والشعوب في الاستقلال والتحرّر، ويكون ذلك بوقف الأطماع الاستعماريّة التي يظهر بعضها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيوأمريكي الموجّه ضدّ الأمّة العربيّة والعالم الإسلامي، وأن تقوم المواقف في المؤسسات الدولية على أساس العدالة وكرامة الشعوب.

ب- وقف نشر القواعد العسكريّة الأمريكيّة والأطلسيّة وسواها في بقاع كثيرة من العالم، وفي المحيطات والبحار، وما يوزّعه ذلك من رعب عالمي أكثر تأثيراً من فرد أو مجموعة صغيرة، والصحيح وقف إرهاب الدولة الذي يمارسه الصهيوأمريكان والأطلسيّون، وذلك يشكّل مدخلاً سليماً للمعالجة الناجعة.

ج- الذهاب إلى منظومة اقتصاديّة عادلة توقف السلب واللصوصيّة في سرقة ثروات الشعوب، ووقف الاتجاهات الرأسماليّة المتوحّشة التي تريد لبلادنا أن تكون مناجم للخامات وأسواقاً لتصريف إنتاجهم. يُضاف إلى ذلك تقديم القدر الكافي من الامكانات الأوروبيّة والأمريكيّة لأفريقيا وآسيا في مجال التنمية، وذلك في إطار تعويض قسم مما سرقوه من هاتين القارّتين، لأنّ المعتدى عليه لن يسكت إلاّ في حال أوقف المعتدي عدوانه وإجرامه، ودفع ما هو واجب عليه، وما في ذمّته من حقوق للآخرين.

د- إنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين ولأراضٍ عربيّة مجاورة، وعودة المحتلين إلى بلادهم الأصليّة تمهيداً لحقّ العودة لكلّ فلسطينيّ إلى ترابه الوطني، ودياره. والمطلوب وقف أعمال التهويد للمقدّسات وللتراث لأنّ ذلك يؤسّس لعلاقات عربيّة وإسلاميّة ومسيحيّة سليمة مع القوى والدول عموماً.

2- عقديّاً ودينيّاً:

إنّ التنوّع هو الأصل، وهذا التنوّع شاءه الخالق سبحانه وبذلك تكون كلّ دعوة لأحاديّة الانتماء إنّما هي دعوة لمعاندة آيات الله تعالى في النظام الكوني. ويفيد في هذا الموقع جلاء الموقف الإسلامي من التنوّع، وهو الآتي:

أ- إنّ التنوّع مشيئة ربّانيّة علويّة، ولو شاء الله تعالى لكان الناس أمّة واحدة، إن لجهة العقيدة، أو لجهة الانتماء المجتمعي وطنيّاً وقوميّاً، وذلك مبيّن في قوله تعالى: ﴿ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين.﴾ (سورة هود، الآية 118).

وقال تعالى: ﴿ يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير.﴾(سورة الحجرات، الآية 13).

ب- إنّ حامل الرسالة المسلم، أو المؤمن برسالة سماويّة أخرى، يدعو إلى ما يؤمن به والمسلم مطالب أن يدعو إلى الإسلام بقوله وفعله، لكن القاعدة هي: إنّ الإنسان حرٌّ فيما يعتنقه، ولا يحقّ لأحد أن يكرهه، أو يتعدّى عليه، أو أن يملي عليه.

قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم.﴾ (سورة البقرة، الآية 256).

وقال تعالى: ﴿وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.﴾ (سورة الكهف، الآية 29)

وقال تعالى:﴿فذكّر إنّما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر.﴾ (سورة الغاشية، الآيتان 21،22).

ج- إنّ الناس متنوّعو العقائد، والحكم عليهم أمر بيد الله تعالى، ولم يُعطَ أحد حقّ الفصل وإصدار الأحكام بحقهم في هذا الكون، والقاضي هو الله تعالى في اليوم الآخر. وقد قال تعالى:

﴿إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يوم القيامة إنّ الله على كلّ شيء شهيد.﴾ (سورة الحج، الآية 17).

3- إسلاميّاً – مسيحيّاً:

إنّ المسلمين والمسيحيين يعيشون منذ عهد النبوّة حالة ميثاقيّة تقوم على الإيمان بالله الواحد، وباليوم الآخر، يوم الحساب والدنيويّة. وقد كانت وثائق كثيرة ليس من اختصاص هذا البحث عرضها، وعناوينها الأولى: عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لنصارى نجران، والعهدة العمريّة التي أعطاها الخليفة الراشدي الثاني الفاروق عمر لبطريرك القدس صفرينوس، وغيرها كثير، وكلّها مؤسّسة على قاعدة ربّانيّة المصدر هي قول الله تعالى:

﴿ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهباناً وأنّهم لا يستكبرون.﴾ (سورة المائدة، الآية 82).

4- إسلاميّاً – إسلاميّاً:

إنّ التنوّع الفقهي والفكري ثراء شرط أن يكون تحت سقف الوحدة، وملتزماً الأخوّة بعيداً من كلّ أشكال الفئويّة والتعصّب. المشكلة في أشخاص محرضين أو جهلة أو مرتزقة يعمدون إلى الخلط بين الشرع وهو واحد (القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الصحيحة) وبين الفقه والفكر وهما متنوّعان ما تنوّعت الأفهام، والميول، والمقاصد.

والاجتهاد الفقهي والفكري ثمرتان من ثمار شجرة الشريعة، وبعضهم قد أحلّ الثمرة بديلاً عن الشجرة، وهذا جهل، ومناقض لقانون الكون وسننه. وهذه الأخوّة فيها نصوص من الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة. ومن ذلك قول الله تعالى:

﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون.﴾(سورة آل عمران، الآية 103).

وقال تعالى: ﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصابرين.﴾ (سورة الأنفال، الآية 46). وحذار من الفتنة لقوله تعالى:﴿والفتنة أشدّ من القتل.﴾ (سورة البقرة، الآية 191). وقال تعالى: ﴿والفتنة أكبر من القتل.﴾ (سورة البقرة، الآية 217).

5- وطنيّاً – قوميّاً:

مشيئة الله تعالى جعلتنا شعوباً وقبائل، وتوزّع الناس في انتماءات قوميّة لأمم لها خصائص وسمات، وفيها حبّ للوطن وتعلّق به، ومن ذلك تكون المواطنة وأساسها التنوّع، والنسيج الاجتماعي التي تكون خيوطه متنوعة طائفيّاً، ومذهبيّاً، وعرقيّاً.

فيوم أُخرِج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكّة المكرمّة ساعة الهجرة تحرّك حنينه للوطن، وموضع الولادة والنشأة، وخاطب مكّة المكرّمة كما جاء في الحديث النبوي: “ما أطيبك من بلد، وأحبّك إليّ، ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيركِ.”

إنّ الحلّ لكلّ أشكال التعصّب والفتنة، والتنازع تحت أيّ مسمّى استتر، أكان طائفيّاً، أم مذهبيّاً، أم عرقيّاً لن يكون بغير التزام الوطنيّة والوحدة في كلّ بلدٍ عربيّ، والعروبة الحضاريّة الجامعة على المستوى القومي حيث يتكوّن بهذا الانتماء نسيجٌ اجتماعيّ وطنيّ قوميّ، وهذه العروبة انتماء حضاريّ غير موجّه ضدّ أمم أخرى، بل الأمر نفسه مطلوب من كلّ أبناء وطنِ أمةٍ كي يرسّخوا وحدتهم، وكي يعطّلوا حالات الانقسام والاقتتال.

بالوطنيّة والعروبة نعالج التعصّب والفئويّة والتطرّف الذين قد يثيرون الفتن الشيطانيّة، وما يرافق ذلك من إرهاب وانفعالات توصل بعضهم إلى تكفير الآخر واستباحة حرماته.

ونذكّر المتعصّبين عامّة بضرورة احترام الآخر أيّاً كان معتقده، فكيف يجيز بعضهم لنفسه أن يتطاول على المؤمن؟ وقوله تعالى هو: ﴿ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم كذلك زيّنا لكلّ أمّة عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون.﴾ (سورة الأنعام، الآية 108).

ملحق

حديث نبوي شريف : عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه، قال: بعثنا الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الحُرقة من جهينة، فصبّحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه، قال: لا إلّا الله (تعالى)، فكفّ عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتّى قتلته، فلمّا قدمنا المدينة بلغ ذلك النبيّ عليه الصلاة والسلام.

فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلاّ الله؟ قلت يا رسول الله، إنّما كان متعوّذاً (متسلّحاً بها لينجو من القتل).

فقال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلاّ الله؟

فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

وفي روايةٍ: فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: أقال لا إله إلاّ الله وقتلته؟

قلت: يا رسول الله تعالى وإنّما قالها خوفاً من السلاح.

قال: أفلا شققت عن قلبه حتّى تعلم أقالها أم لا؟

فما زال يكرّرها حتّى تمنيت أنّني أسلمت يومئذ.

……………………………….

الدكتور أسعد السحمراني

أستاذ العقائد والأديان في جامعة الإمام الأوزاعي- بيروت

مسؤول الشؤون الدينيّة في المؤتمر الشعبي اللبناني

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…