كسر الخاطر : الديموقراطية ليست خطة عسكرية!
عبد الحميد جماهري
عن جريدة .ا.ش
تنام الثورة نصف عام، ثم تستيقظ على هودج على ظهر دبابة ومارش عسكري، ولا تجد أمامها سوى الكلاشنيوف. هدية في عيد الحب. تنام الثورة، في حضن الارتباك التاريخي لتستيقظ على الحب المسلح.
ليس للثورة خيار، ولا شك، لكن هل كان من المعقول أن تدخل إلى شرفتها، من أنشودة الإعدام؟
هل من الضروري فعلا أن يتحول القاضي، شاهدها الوحيد، على حب جديد؟
هل من الضروري أن تنطلق حملة المستقبل على إيقاع أحكام إعدام في دولة مصر الجديدة؟
الإعدام الذي نرفضه في الحياة المستقرة، قبل أن نرفضه في وضع ملتبس، خرج من أكاذيب الصلاة وراء الرئيس المعزول ونزول الملائكة إلى مسجد رابعة.
ليس هناك عاقل واحد يمكنه أن يسلم بالأفق الذي دخلته الثورة المصرية بعد صدور الأحكام ووقوف البلاد تتفرج على نفسها وهي تتأرجح من أعلى المشنقة.
وليس هناك ديموقراطي واحد يمكنه أن يمهل قناعته الديموقراطية المزيد من الوقت، لكي يقرر ما إذا كان سيدافع عن المحكوم عليهم بالإعدام أم يلون المشهد بالرمادي المرتعش.
فليس في مقدور العقل أن يتحمس لتفسير الرزمة القانونية التي أطلقها القضاء المصري ضد جماعة الإخوان المسلمين عندما أصدر مئات الأحكام بالإعدام، وأضاف إليها أحكام إعدام أخرى، وصفيحة كاملة من المؤبد .. والقضبان.
عبثية الأحكام عقدت لسان الخيال وشلت دورة العقل، لهذا نستكين إلى ما في السخرية من .. سوداوية، ونحلم بأن الذي يحصل ربما له معنى في سلم العبث، ولا معنى له في منطق الثورات.
أتساءل: هل مسطرة القانون الجنائي أصبحت كتاب السياسة الوحيد، والمختصر المفيد في فك التعقد في القضية المصرية الداخلية؟
هل الديموقراطية خطة عسكرية، تستوجب التقدم تحت أعواد المشنقة والاقتراع تحت نيران الأعداء؟
وهل مصير الثورة هو أن تتقدم على أطراف أحلامها إلى حتفها، والقاضي يعود بها إلى سيرة روبيسبيير، الذي فض تناقضاتها بحد السيف؟
لا أجد جوابا..
لم يكن الخيار لدى الأعزاء في مصر الشقيقة بين غضب الله أم العارالديموقراطي؟
لم يكن الخيار التقدم في خارطة ملتهبة وإقامات الشوغون في يابان الساموراي القديمة، حيث لا حل سوى الموت. والمواطن أو البعد المحظوظ هو الذي يحصل على شرف إعدامه.
تشبه الثورة امرأة متزوجة، أحبت شخصا آخر، فلا تستطيع، في أخلاق القرن 16، أن تقدم له ما تريد أن تقدم له، فتختار امرأة أخرى تعوضها في اللذة وفي الشراكة العاطفية.
الثورة شبيهة .. بوصيفة في معتقل للأشغال الشاقة، عليها أن تتجمل للمحكومين بالإقصاء.
الإعدامات، التي تجعل البلاد تتأرجح بين القاضي والعسكري السابق، تتهاطل «خيط من السما»، وهي تطرح سؤال الجدوى على الجميع: الإسلام السياسي، الذي يعرف الآن أنه مطالب بإعادة النظر في موقفه من الإعدام، والديموقراطيين الذين يصعب عليهم أن يبرروه، باسم المرافعة ضد الإرهاب؟
الإسلام السياسي الذي يرفض النقاش في القطعيات مطالب اليوم من الغرب أن يحميه من نتائجها، ويعول على التحرك الخارجي، والدفاع الحقوقي الذي ينطلق من أرضية مخالفة لقطعياته، لكي لا تنفذ هذه القطعيات، وتبقي السياسة حية بعدها ومعه!!
والديموقراطيون لا يمكنهم أن يستسلموا للفورة الصاخبة في أرض الحب وشم النسيم وتعميم الحب العسكري.
من يحب جيش مصر العظيم، لا يمكنه أن يحب الالتباس، في ثورة 30 يونيو ضد الاستبداد الإخواني، ويحب في نفس الوقت وضوح الشك في مستقبل البلاد برمتها.