الجماعة وصلت إلى الحكم وتعاملت بمنطق الصفقة أو التصادم، فكان الإخفاق أشد وطأة ليس على الجماعة بل على الدولة الوطنية المصرية، والتي هددت في أركانها الثابتة لأول مرة في تاريخها. |
عن ميدل ايست أونلاين |
بقلم: يسري العزباوي |
منذ اللحظات الأولى لنشأة الجماعة، وهي مثار للجدل الواسع ليس فقط بين أروقة وجنبات الدولة المصرية، ولكن أيضاً على مستوى العالم أجمع. فقد اتسمت الجماعة بالمراوغة والغموض في أهدافها وهيكلها المؤسسي، الذي لا يعلمه إلا عدد قليل من داخلها، وقد ترجمت هذه المراوغة في طبيعة التحالفات التي أقامتها منذ نشأتها حتى وصولها إلى سدة الحكم في مصر عبر ما يزيد على ثمانين عاماً من الزمان، فقد تحالفت مع الإنجليز تارة، ومع الملك تارة أخرى ومع السادات تارة ثالثة، وعقدت صفقة مع نظام الرئيس مبارك أحيانا ودخلت معه في صدام أحيانا أخرى.
حتى إذا ما وصلت إلى الحكم تعاملت بمنطق “الصفقة أو التصادم” فكان الإخفاق أشد وطأة ليس على الجماعة فقط ولكن على الدولة الوطنية المصرية، والتي هددت في أركانها الثابتة لأول مرة في تاريخها الحديث، وهو ما لم يحدث في عهد الاحتلال البريطاني والفرنسي لمصر، حيث انقسم المجتمع، للمرة الأولى في تاريخه، على الأساس الديني والمذهبي، وتم استغلال الدين للتنكيل بالمعارضة أو من يختلف معهم في الرأي، وقامت الجماعة بالتحالف مع الجماعات الأكثر تشدداً وعنفاً قبل وبعد تركها للسلطة للتنكيل بالمعارضة، فانتشر الإرهاب في عموم الدولة المصرية، ولم تجد الدولة بديلاً سوى وضع الجماعة على قوائم الحركات الإرهابية تحت ضغط شعبي كبير .
أولاً: النشأة والصيرورة
مرَّ تنظيم الإخوان بمراحل عدة، كانت المرحلة الأولى في الإسماعيلية أثناء عمل حسن البنا في هذه المنطقة، واستمرت هذه المرحلة بين عامي 1928 و،1932 وخلالها كان التنظيم يدور حركة وفكراً حول حسن البنا . وصيغ في هذه المرحلة أول قانون ينظم الشكل الإداري والتنظيمي لهذه الجماعة، فصدر أول قانون تنظيمي للجماعة في ربيع الأول 1353 هـ/ 1934م. وقد اختلفت الآراء حول المصادر التي اعتمد عليها البنا في بناء هيكل جماعته التنظيمي، فقد رأى البعض أن هذا التنظيم استلهم حسن البنا روحه عن الطريقة “الشاذلية”.
البعض الآخر رأى أن تنظيم الإخوان، خصوصاً التنظيم السري، قد اكتسبه حسن البنا بعد دراسة متعمقة للحركات السرية التي نشأت في الدولة الإسلامية في عهد بني أمية. وهناك رأي ثالث يرى أن حسن البنا استفاد مما جد من حركات في الغرب، عندما أوضح “أن المؤسسين اطلعوا على جميع الأنظمة التي تيسر لهم الاطلاع عليها، حيثما كانت، إسلامية أو غربية، درسوها دراسة دقيقة، وأخذوا منها ما يلائم الدعوة .
1- الهيكل التنظيمي والتدرج داخل الجماعة:
حددت المادة التاسعة من قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين الهيئات الرئيسية بأنها المرشد العام، ثم مكتب الإرشاد العام، ثم الهيئة التأسيسية .
أ- المرشد العام: هو الرئيس الأعلى للهيئة كما أنه رئيس مكتب الإرشاد العام والهيئة التأسيسية . أيضا حدد القانون السابق، الشروط التي يجب توافرها فيمن يختار مرشداً، فلا تقل سنه عن ثلاثين سنة هلالية، وأن تتوافر فيه الصفات العلمية والخلقية والعملية التي تؤهله لذلك.
أما طريقة انتخابه فقد حددها القانون، حيث ينتخب من بين أعضاء الهيئة التأسيسية في اجتماع يحضره على الأقل أربعة أخماس أعضاء هذه الهيئة . ويجب أن يكون حائزاً لثلاثة أرباع أصوات الحاضرين، وإذا لم يحضر الاجتماع من يمثلون العدد القانوني أُجل إلى موعد آخر لا يقل عن أسبوعين، ولا يزيد على شهر من تاريخ الاجتماع الأول .
ب- مكتب الإرشاد العام، تكون عقب اجتماع لمجلس الشورى العام دعا إليه المرشد وعقد بمدينة الإسماعيلية يوم الخميس 22 صفر 135ه/ 1933م . وتتمثل مهمة هذا المكتب في: أولاً، حراسة النظام العام للجماعة . ثانياً، الإشراف على الدوائر إشرافاً عاماً . ثالثاً، تنفيذ قرارات مجلس الشورى العام للإخوان ودعوته للانعقاد واتخاذ ما يلزم لذلك . رابعاً، حصر أعضاء الجماعة عموماً وتسهيل سبل الاتصال بين الدوائر والفصل في خلافاتها .
ج- الهيئة التأسيسية: كانت تقوم مقام الجمعية العمومية في سائر التنظيمات الأخرى، لأن الجمعية العمومية الحقيقية للإخوان لا سبيل إلى اجتماعها، لأنها تبلغ ملايين عدة، ومن ثم استعيض عنها بالهيئة التأسيسية لعدم توافر الإمكانيات المادية لاجتماع جميع الإخوان .
د- السكرتير العام: فهو يمثل مكتب الإرشاد العام والمركز العام للإخوان المسلمين تمثيلاً كاملاً في كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار قانوني منه .
ه- أمين الصندوق: يقوم بأعمال ضبط أموال الهيئة، وحصر ما يرد منها وما ينصرف، ومراقبة كل نواحي النشاط المالي والحسابي، والإشراف على تنظيمها، وإحاطة المكتب علماً بذلك في فترات مناسبة وفي حالة غيابه أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضائه من يقوم بمهمته مؤقتاً .
2 – العضوية والشعب داخل الجماعة:
وضعت الضوابط التي تحدد من هو العضو داخل الجماعة فهو كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق أغراضها، ثم وافقت إدارة الشعبة، التي ينتمي إليها على قبوله . وعلى حسب مراعاة تلك القواعد السابقة كان الأعضاء يقسمون إلى فئات: مساعدين ومنتسبين وعاملين ومجاهدين.
أما الشعبة فهي أصغر وحدة إدارية في الهيكل التنظيمي للجماعة، وقد بدأت تلك الشعب في التكوين منذ السنة الثانية لظهور الجماعة أي منذ العام 1929.
3 -التنظيمات الإخوانية شبه العسكرية:
اهتمت الجماعة منذ بداياتها الأولى بالإسماعيلية بالجانب العسكري الجهادي، إيماناً بمبدأ الجهاد الذي أقره الدين الإسلامي، ومن هنا كان الشعار الذي عبرت به الجماعة عن نفسها وعن مراميها: “الله غايتنا والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”.
أ- الجوالة: تعتبر فرق الجوالة من أقدم الأنظمة التي تكونت على مر تاريخ الجماعة، ولم تنشأ فرق الجوالة مرة واحدة. بل كانت مرحلة تالية لمرحلة سابقة لها هي مرحلة فرق “الرحلات”، وكما يرى البعض لم يكن هدف حسن البنا من فرق الرحلات هذه إلا تكوين فريق عسكري يحقق فكرة الجهاد في الإسلام .
والجانب العسكري في تدريبات الجوالة ينقسم إلى أربع نواحٍ: الأولى منها تشمل التشكيلات النظامية وتأدية الحركات العسكرية بإتقان . والثانية استعمال السلاح وضرب النار بالبندقية والطبنجة وجميع ما يتبع ذلك ثم المناورات الحربية .
ب- نظام الكتائب: بدأ هذا النظام يظهر إلى حيز الوجود كمرحلة تالية لنظام الجوالة، في خريف 1937. ومن ناحية التنظيم فقد كانت الكتيبة تتكون من أربعين أخاً، وكانت الكتيبة تلتقي في ليلة معينة من الأسبوع لتمارس تدريباتها في تلك الليلة . أما بيعة الكتيبة فكانت مع الإمام الشهيد، ولم تكن تزيد على ثلاث كلمات: “العمل الطاعة الكتمان”.
ج- التنظيم السري (الجهاز الخاص): اختلفت الآراء عن الفترة الزمنية التي تكون فيها الجهاز الخاص، فالبعض رأى أن الفكرة قد ولدت مع الدعوة في السنة الأولى لها . وقد تألف النظام الخاص من ثلاث شعب أساسية هي: التشكيل المدني، تشكيل الجيش وتشكيل البوليس، وألحقت بالنظام تشكيلات تخصصية مثل “جهاز التسليح” وجهاز الأخبار، وقد عمل الجهاز الأخير كجهاز استخباري للجماعة .
4- التنظيم الدولي:
تعود أول محاولة لإيجاد فرع خارجي لجمعية الإخوان إلى العام 1933 حين نجح البنا في تشكيل شعبة للإخوان في جيبوتي، وقد اتخذ المؤتمر الثالث للجماعة (1935) قراراً بتعميم الدعوة في الخارج بمختلف الوسائل . وتوسع الإخوان في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، عقب المؤتمر العام (1945) في إنشاء الفروع وتأسيسها خارج مصر. وشكل الإخوان قسم الاتصال بالعالم الخارجي، وتم تقسيمه إلى ثلاث لجان: الأولى لجنة الشرق الأدنى، وتضم البلاد العربية والشعوب الإسلامية في إفريقيا . ثانياً، لجنة الشرق الأقصى وتشمل دول شرق آسيا ووسطها. ثالثاً، لجنة الإسلام في أوروبا.
منذ تأسيسه كانت كل خيوط التنظيم الدولي تبدأ وتنتهي عند الرجل الحديدي مصطفى مشهور، ولم يكن خافياً أن سلطته على هذا التنظيم كانت تفوق سلطة المرشد نفسه، سواء أكان عمر التلمساني أو محمد حامد أبو النصر . وإضافة إلى مشهور لا يمكننا إغفال دور سعيد رمضان في تكوين التنظيم الدولي للجماعة، فهو صاحب جهد كبير في هذا الصدد، حيث كان يتمتع بعلاقات قوية مع عدد من أنظمة المنطقة . كما هاجر بعد ذلك إلى أوروبا واستقر في سويسرا، حيث حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة “المسلمون” الشهيرة . كما أسس رمضان المركز الإسلامي في جنيف، الذي نجح في نشر الفكر الإخواني فيها، ليمتد التنظيم إلى أمريكا أيضاً حتى طال عدداً من الشخصيات المعروفة، مثل الأمريكي مالكولم إكس، الذي تأثر كثيراً بعلاقته برمضان فيتحول إلى عقيدة أهل السنة، ومن مركز جنيف الذي كان أول وأهم قاعدة للإخوان في أوروبا، انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية الأخرى، وأهمها على الإطلاق المركز الإعلامي في لندن والمركز الإسلامي في ميونيخ بألمانيا.
وحالياً، يعد طارق سعيد رمضان نجل سعيد رمضان وابن وفاء البنا ابنة حسن البنا أخطر رجل في التنظيم الدولي. كما يعد أيمن علي وإبراهيم الزيات، هما المسؤولان عن إدارة أموال التنظيم الدولي للجماعة ونقل الأموال للجماعات الجهادية والإسلامية في كل العالم. أما إبراهيم الزيات فهو ألماني الجنسية، مصري الأصل، يشغل منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي بألمانيا، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإغاثة الإسلامية، ومقره لندن، أيضاً فهو عضو المكتب التنفيذي باتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا . ويضاف إلى الأسماء الفاعلة في التنظيم الدولي كل من أنس التكريتي وراشد الغنوشي وعصام الحداد وجهاد الحداد وأخيراً، إبراهيم منير، وهو الأمين العام للتنظيم الدولي .
ثانياً: المنطلقات الفكرية للجماعة
مازال لدى جماعة الإخوان المسلمين مواقف فكرية غامضة في العديد من منطلقاتهم، على الرغم من تناولها في كتابات حسن البنا أو شيوخ الجماعة. ويأتي على رأس هذه المواقف الموقف من عودة الخلافة، حيث تمثل جماعة الإخوان أحد أهم القوى المعاصرة التي تنادي بفكرة الخلافة وضرورة بعثها، وقد امتازت بأنها أقامت تنظيماً دولياً على نمط الخلافة المنشود. وتقول الوثيقة المعنونة “النظام العام للإخوان المسلمين” الإخوان المسلمون في كل مكان جماعة واحدة تؤلف بينها الدعوة ويجمعهم النظام الأساسي. وتهدف الجماعة إلى “إعداد الأمة إعداداً جهادياً لتقف جبهة واحدة تمهيداً لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة” . وتوضح الوثيقة الهيكل التنظيمي الذي يقف على رأسه المرشد العام ومراقب عام في كل قطر والمراقبون أعضاء في مجلس الشورى العام”، ويتشكل مكتب الإرشاد العام من 13 عضواً، ثمانية أعضاء من مصر، وخمسة يراعي في اختيارهم التمثيل الإقليمي. والجميع في كل الأقطار ملزمون باتباع تعليمات مكتب الإرشاد العام حول الأهداف والسياسات العامة وموقف الجماعة من مختلف الاتجاهات والتجمعات والقضايا المنوعة، أما التفاصيل فمتروكة لإخوان الأقطار فأهل مكة أدرى بشعابها. وهكذا أقامت الجماعة خلافتها الخاصة بها على امتداد وجودها في مختلف الأقطار سعياً وراء إقامة دولة الخلافة .
أما موقفها من الديمقراطية والدستور والأحزاب فيتضح من خلال أقوال شيوخهم، حيث أكد عمر التلمساني: “أننا نقف مع الأحزاب كلها موقف الاحترام الحر لرأي الآخرين، وإذا كنت حريصاً على أن يأخذ الناس برأيي، فلماذا أحرم على الناس ما أبيحه لنفسي؟ كما يقول محمد حامد أبو النصر في حديثه لمجلة “العالم” الذي تصدّره عنوان “نريدها ديمقراطية شاملة وكاملة للجميع”. وأما فريد عبدالخالق في كتابه “الإخوان المسلمون في ميزان الحق”، فيفرد الباب الثاني ل “فكر ومفاهيم الجماعة”، وتحت عنوان “دعائم الحكم الإسلامي”، يقول: فإذا تعذر وقامت المصلحة العامة بقيام التعددية الحزبية فإن الإسلام يسعها”.
في الواقع، فإن ما حدث بعد ثورة 25 يناير، هو عكس كل الثوابت والتصريحات التي خرجت من الجماعة، فالديمقراطية والتعددية والحزبية التي نادت بها الجماعة وآمنت بها فعلت عكسها تماما، وأظهرت الجماعة ما بطنته خلال مرحلة ما قبل الثورة . فقد أدت التطورات التي صاحبت الثورة إلى فتح الباب أمام صعود التيارات الإسلامية التي قفزت على الثورة برغم أنها ظلت معادية لها وتنادي بالطاعة لولي الأمر (مبارك) حتى سقوطه . وهذه التيارات المحافظة والمعادية لحقوق المرأة والأقباط بدأت في الهجوم على حقوق المرأة التي حصلت عليها فعليا، مثل قانون الخلع والحريات الشخصية، أو التي ناضلت من أجل الحصول عليها في مجال العمل أو المشاركة في القيادة السياسية والإدارية .
ثالثاً: عمليات العنف التي قامت بها الجماعة
لقد شكلت قضية موقف الإخوان من العنف والإرهاب مرتكزاً أساسياً لأغلب الدراسات التي كتبت في تاريخ الإخوان، جلّها حملت مبررات عديدة لهذا النوع من استخدام العنف في السياسة .
1 – نماذج من عمليات الإرهاب التي قامت بها الجماعة:
فعندما صدر قرار حل الجماعة بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1948 أرفقت به مذكرة تفسيرية تورد بعضاً مما ارتكبته الجماعة من أعمال إرهابية، ورد مرشدها العام -آنذاك- حسن البنا، بمذكرة مضادة على طريقة “ومن خدع الحرب أن يضلّل المسلم عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله”، وهي أحد تعبيرات البنا الشهيرة، ولكن المرشد لم يدرك ساعتها أن بعضاً من رجاله سوف يأتون في زمن لاحق فيذكرون الحقيقة كاملة ليضعوه بعد رحيله بسنوات عدة في مأزق الاتهام بالكذب.
ومن نماذج عمليات الإرهاب التي قامت بها جماعة الإخوان، حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة في عام ،1946 واستهداف “القاضي أحمد الخازندار بك” وكيل محكمة استئناف القاهرة، وقتل أحمد ماهر باشا في ،1945 ومحاولة قتل الرئيس عبد الناصر في 1954 . وفي عام 1982 تعاظم دور الإخوان في تشكيل ظاهرة “الأفغان العرب”، والتي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة بعد عام ،1982 حيث جرى الاتفاق الشهير بين الهارب آنذاك مهدي عاكف، مسؤول لجنة الاتصال بالعالم الخارجي، وبين الأمريكان، على أن يقوم الإخوان بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان بالمساهمة في إخراج السوفييت، على أن يقوم الأمريكان برد الجميل عن طريق تسهيل إنشاء مراكز للجماعة في أوروبا، ولكن ليس تحت اسم الإخوان مباشرة، وبالرغم من إدانة الإخوان -العلنية- للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان، إلا أن الجميع كان يعلم أن تلك الإدانة ما هي إلى تغطية مفضوحة لدورهم المشبوه في التأسيس لهذه الظاهرة .
2 – خريطة الجماعات الإرهابية المرتبطة بالإخوان:
كانت هناك الكثير من التأكيدات أن الجماعة ارتبطت بشكل وثيق مع الجماعات الجهادية في مصر. وقد انتقلت بعض التنظيمات الجهادية إلى عدد من المحافظات المصرية عقب التضييق عليها في سيناء، وهو ما يمثل خطراً داهماً على مصر خلال المرحلة المقبلة . وتتشكل خريطة التي أعلنت عن نفسها بعد عزل مرسي مما يلي:
1- الجماعات الإسلامية: وهي تقوم بتكفير كل من لا يقيم شرع الله، وتتركز هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية خاصة مركزي رفح والشيخ زويد، ويدخل ضمن هذه المدرسة أسماء تنظيمات مثل “التكفيريين”، و”التكفير والهجرة”، و”تنظيم الرايات السوداء”، الذي أعلن عن نفسه عقب ثورة 25 يناير .
2 -الرايات السوداء: هي إحدى الجماعات الإسلامية الموجودة في سيناء. وقد بدأت نشاطها في “وسط سيناء” و”الشريط الحدودي”، وأعلنت عن نفسها في “العريش”، وهي جماعات تتبنى أفكاراً قائمة على تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وتنسحب على من دونه من أركان نظام حكمه، وصولاً إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، ونشطت هذه الجماعة في عقد التسعينات . ويمكن القول إن هناك تشابهاً كبيراً في أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة، وذلك دون أن يجمعها إطار تنظيمي واحد.
3- جماعة التوحيد والجهاد: تأسست هذه الجماعة عام 2002 على يد الطبيب خالد مساعد (لقي مصرعه في مواجهه أمنية)، وتعتنق فكراً تكفيريا جهادياً قائماً على التوسع في عملية التكفير . وقد قامت عناصر هذا التنظيم بعمليات إرهابية عدة من قبل في المدة بين عامي (2004 2006)، استهدفت من خلالها بعض المناطق السياحية بمنطقة جنوب سيناء، خاصة تلك التي يتردد إليها سائحون من “إسرائيل” (طابا/ شرم الشيخ/ دهب) . ومن أشهر قادة عناصر هذا التنظيم حاليا “حمادة أبو شتية”، والذي سبق ضبطه في الأحداث المنوه عنها، وقد تم إخلاء سبيله”، وكذا “أبو منذر الشنقيتي”، والذي أصدر فتوى بتكفير الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان .
4- السلفية الجهادية: مجموعة جهادية تنتهج الفكر القطبي القائم على التكفير وعلى صلة بالتنظيم الأم في غزة بقيادة أبو الوليد المقدسي (هشام السعدني)، والذي لقي مصرعه مؤخراً إثر قذف من قوات الاحتلال . وقد أعلنت تلك الجماعة عن نفسها في أعقاب وفاة 6 من عناصرها في مواجهة مع القوات المسلحة القائمة على تنفيذ العملية “نسر”.
5 – مجلس شورى المجاهدين (أكناف بيت المقدس): سبق أن أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق صاروخين “غراد” على مدينة إيلات في “إسرائيل”، وأنها تمتلك أسلحة ثقيلة. وتبنت الجماعة نفسها التفجير الأخير لخط الغاز قرب مدينة العريش.
6- “أنصار بيت المقدس” مخزون الإخوان الاستراتيجي: تمثل تحولاً خطراً في أسلوب الأعمال والجماعات الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار تاريخها الحديث، فقد اتسمت عملياتها بالانتقال من الأطراف في سيناء إلى داخل القطر المصري في قراه ومدنه حتى وصل إلى العاصمة القاهرة، لتشهد تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة لم يعهدها المصريون حتى في أصعب فترات الإرهاب التي مرت بها مصر. لذلك، أصبحت جماعة “أنصار بيت المقدس”، مثار جدل كبير على الأصعدة كافة، لا سيما مع تزامن نشاطها مع سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار الاتهام بوجود علاقة ما بين الجماعتين، بل ذهب البعض إلى أن جماعة أنصار بيت المقدس ما هي إلا ميليشيات تتبع القيادي الإخواني خيرت الشاطر .
وأخيراً، هناك جماعات أخرى لا تعلن عن نفسها تنظيمياً، حيث تظهر في صورة مجموعات صغيرة من الإسلاميين، تواظب على الاجتماع بشكل منظم، وتعد الأكثر خطراً بين الجماعات الإسلامية، لأنها يسهل تنشيطها للعمل المسلح ودفعها لتنفيذ عمليات تخريبية بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم، سواء من ناحية التمويل أو التدريب. وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أي أهداف داخل سيناء أو خارجها، وقد تكون متورطة في العملية الأخيرة التي استهدفت رجال الشرطة في القاهرة وبعض محافظات الدلتا، لأنها عملية نوعية مقارنة ببقية العمليات التي استهدفت قوات الأمن بسيناء خلال الأشهر الماضية .
يسري العزباوي
نشر في الخليج الإماراتية