تقديم التقرير الإيديولوجي

نص الكلمة التي قدم بها الشهيد عمر بنجلون

التقرير الإيديولوجي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي.

الدار البيضاء 10-11-12 يناير 1975

 

 

 

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

إن القرار بتحضير و عقد هذا المؤتمر الاستثنائي، كان تعبيرا عن اختيار جوهري و شامل. فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، و من وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة و المجهولة، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات و الاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973.

و كانت الأعمال التحضيرية لهذا المؤتمر، انطلاقة فعلية في عملية توضيحية شاملة في المجال الإيديولوجي، و السياسي و التنظيمي، و يمكننا بكل اعتزاز أن نؤكد :

– بأن جميع المشاريع المطروحة على المؤتمر كانت ثمرة العمل الجماعي و النقاش الديمقراطي على مستوى القيادة و القاعدة.

– و بأن المؤتمرين ليس فقط منتدبين من القاعدة على أساس مقاييس نوقشت و حددت، و طبقت بصفة ديمقراطية، و إنما هم المعبرون عن آراء و ملاحظات جماعية كلفوا بتبليغها.

– و بأن مشروع التقرير المذهبي، الذي يحدد إطار استراتيجية الاتحاد و اختياراته الجوهرية، كان موضع نقاش في القاعدة منذ شهر.

يمكننا أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر، بالرغم من أنه مؤتمرا مؤتمر استثنائي حضر و عقد في ظروف استثنائية، هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا.

إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير و الأساليب، انه استمرار النضال و جدلية النضال، في ظروف اقتصادية و اجتماعية و سياسية في تغيير دائم. و القوات الاجتماعية المتصارعة هي نفسها تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال و ميادين الصراع اجتماعيا، و سياسيا، و إيديولوجيا.

إن الاتحاد الذي يعيش الصراع، بل و يشكل محور الصراع عاش منذ تأسيسه تغييرات جذرية من حيث قاعدته الاجتماعية، و تنظيماته، و اختياراته المذهبية، و هذا إن على شيء، فإنما يدل على أن الاتحاد يشكل تجسيدا حيا للتطورات التي طرأت على المجتمع المغربي، و على مطامع الجماهير الشعبية من عمال، و فلاحين، و حرفيين، و مثقفين.

و إذا كانت هناك تناقضات مازال الاتحاد يحملها في صفوفه، فإننا نعتز بها، لأنها تناقضات تحملها حركة تاريخية غير مختلقة، حركة تضمن استمرار و تقوية النضال التحريري الذي يخوضه شعبنا منذ 70 سنة، حركة يحضر مؤتمرها الفلاح الذي قاوم توغل جيوش الاحتلال في الربع الأول من القرن، و العامل الذي حمل السلاح للإطاحة بنظام الحماية، و الشباب الذي يناضل الآن من أجل التحرير و البناء الاشتراكي.

فالذي يجمع بين هؤلاء، ليس مجرد اندفاع عاطفي، و لا مجرد وفاء لماضي قريب أو بعيد. إن الذي يجمع بينهم هو النضال الملموس الذي لا يتحقق بالكلام و الشعارات، و إنما بالتعبئة مع قبول كل التضحيات التي يقتضيها النضال الفعلي الملموس.

إن الذي يجمع بين هؤلاء المناضلين، هو استمرار المسلسل الثوري الذي فجرته الجماهير، و الذي تم إجهاضه و تحريفه بحلول الاستعمار الجديد سنة 1956. إن الذي يجمع بينهم هو فكر و عزيمة مشتركة على أسس ثلاثة :

1- إرادة تصفية الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الشبه الاستعمارية التي أطلق عليها لقب “التخلف”.

2- الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي، هذا الحل الذي لا يمكن أن يطبق إلا بالاعتماد على الجماهير، و بالتالي لا يمكن أن يطبق إلا بالتصميم الاشتراكي مع ما يقتضيه من مؤسسات ديمقراطية شعبية تحدد الاختيارات، و تسهر على تنفيذها بتعبئة الجماهير، و بجهاز دولة خاضع لارادة الجماهير على المستوى المحلي، و الجهوي، و الوطني.

3- بلورة هذه الإرادة و هذا الوعي في تنظيمات حزبية فعالة، قادرة على تعبئة الجماهير، تعيش و تنمو بممارسة مبدأ المركزية الديمقراطية و بكيفية تجعل منها أداة لتحقيق الأهداف، و كذلك نموذجا و مثالا للمجتمع الذي نعمل من أجل تشييده ببلادنا.

هذه هي المنطلقات التي تجمع بين المناضلين بمختلف أصنافهم و سنهم. هذا الاتجاه هو الذي يعبر عنه مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة منذ شهر، و تعبر عنه استراتيجية الاتحاد في المرحلة الراهنة، و تعبر عنه التغيرات المقترح إدخالها على القانون الأساسي للاتحاد و التطورات التي عرفتها تنظيمات الاتحاد، و تعبر عنه كذلك مختلف التقارير الفرعية المعروضة على لجان المؤتمر و التي تطرح الحلول كما يراها الاتحاد في المدى القريب، في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي و الفلاحي، في ميدان الثقافة و التعليم و الشباب.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

نعم، إن تحضير وعقد مؤتمرنا هذا، يشكلان انطلاقة حاسمة في عملية توضيحية تشمل جميع مجالات حياة شعبنا. عملية توضيحية شاملة تضع حدا لكثير من التساؤلات و تحبط كثيرا من مناورات التزييف و التضليل في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه شعبنا المهدد بالمجاعة في الشهور القليلة المقبلة، و الذي لم يبق لديه إلا الدعاء من أجل المطر.

و في إطار هذه العملية التوضيحية، حررت اللجنة التحضيرية للمؤتمر، مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة و الذي سوف تناقشه اللجنة الإيديولوجية للمؤتمر على أساس الملاحظات و الاقتراحات الواردة من الخلايا، و الفروع و الأقاليم. لذلك فلا حاجة في قراءته أمامكم، خصوصا و أن اللجنة التحضيرية حضرت وثيقة توضيحية مطولة أخرى في شكل دروس مفصلة سوف يتوصل بها كل إقليم لإقامة مدرسة تكوينية بمساعدة الإطارات الحزبية.

إلا أن اللجنة التحضيرية ارتأت أن تكلف مقررها بأن يعرض أمام كافة المؤتمرين الاعتبارات التي وضعتها نصب أعينها عندما حررت مشروع التقرير المذهبي.

– فالاعتبار الأول : يتعلق بالأسباب و التساؤلات التي نحن ملزمون بالجواب الواضح عليها، كحركة اشتراكية تعمل من اجل تعبئة طاقات المستقبل في ظروف و في قطر يسود فيه انعدام المقاييس و تطغى عليه أساليب الخلط و التضليل.

– و الاعتبار الثاني : يهم منهجية و كيفية طرح المشاكل و الحلول، أي قضية المفاهيم و الأسلوب العلمي في التحليل، و نعني بذلك أسلوب التحليل التاريخي و الجدلي، الشيء الذي يلزمنا بتوضيح ما نسميه بالاشتراكية العلمية و التأكيد على أننا لا نرى تناقضا، بل نرى تكاملا مثمرا بينها و بين المبادئ و التقاليد التقدمية لحضارتنا العربية الإسلامية.

– و الاعتبار الثالث : المستخلص من الاعتبارين السابقين، يتعلق بضرورة رفع كل لبس و إبهام حول نوعية المجتمع الاشتراكي الذي نطمح إلى بنائه، و خصوصية هذا المجتمع، و الارتباط الوثيق بين التحرير، و النمو، و الديمقراطية، و البناء الاشتراكي كجوانب من استراتيجية واحدة شاملة، و كذلك الارتباط بين الأهداف و بين طرق و وسائل تحقيقها.

هذه هي الاعتبارات التي يجب توضيحها بإيجاز لأنها لا تفسر شكل و مضمون و مشروع التقرير المذهبي فقط، و إنما تشكل منطلق جميع التقارير و المقترحات المعروضة على المؤتمر.

 الاعتبار الأول :

                         ضرورة نظرة واضحة

  شاملة كمنطلق و إطار

           لجميع مخططاتنا الاستراتيجية 

 و تصرفاتناالتكتيكية

 

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

إن الاتحاد لا يزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة، أو باشتراكية خاصة قد يطلق عليها نعت من النعوت. إن الاشتراكية واحدة، كمنهجية و كهدف، قوامها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و التبادل، يتصرف فيها المنتجون بواسطة تنظيماتهم و جهاز الدولة الذي يكون في خدمتهم و تحت مراقبة تنظيماتهم الحزبية و المهنية.

و كل ما عدا ذلك، ما هو إلا تضليل و خلط، باعتبار أن التضليل و الخلط يشكلان نوع أساسيا من أنواع القمع الذي تمارسه الرجعية و الطبقات المستغلة. إن التضليل لسلاح فعال لديها في مواجهة حركات التحرير الشعبية، سلاح يمكنها أولا و قبل كل شيء من إخفاء هويتها الحقيقية و دورها الحقيقي و من إخفاء الأسباب العميقة و القارة في قمع و مطاردة المناضلين.

إن الاعتبار الأول هو، إذن، ضرورة التوضيح الشامل لطبيعة و خصوصية الصراع الاجتماعي و السياسي في ظروف ما يسمى بالتخلف، و محاربة التخلف، و النمو و غير ذلك من الشعارات التي فرضت نفسها على بلدنا مع الثقافة و المفاهيم التي غرسها، و مازال يغرسها، مفكرو الإمبريالية، فنيوها.

إن هؤلاء المستشارين هم الذين يزودون الرجعيات المحلية بالشعارات و الوسائل التضليلية المختلفة، و يملون عليها الحلول المناسبة لكل ظرف، ليضمنوا استمرار المصالح الاستعمارية و الأساسية، و إبقاء أقطارنا مندمجة في نظام الاستغلال العالمي.

و الآن، و قد دخل هذا النظام في طور الانهيار، بتفاقم أزمة الطاقة و التضخم المالي، و بفضل الضربات التي تلقاها من حركة التحرير الشعبية في القارات الثلاث، نرى المسؤولين في المغرب يدقون ناقوس الخطر، و ينبهون إلى عدم حرية التصرف الخارجي التي نسميها باسمها الحقيقي منذ 15 سنة، نسميها التبعية.

و لكن الحلول التي يلجؤون إليها، ما هي إلا تدابير تابعة لتقلبات السوق العالمية كما هو الشأن منذ 1960، منذ أن أجهضوا محاولة التحرير الاقتصادي و أوقفوا تغيير الهياكل الاقتصادية، و أجهزة الدولة. هناك إذن إصرار على الاستمرار في خطة ما يسمى بالليبرالية و بالمغربة، أي تركيز الهياكل الاقتصادية الاستعمارية بتركيز أو خلق طبقة مغربية تحل محل الرأسماليين و المعمرين الأجانب.

و في هذا الاتجاه، فإن التأميمات، و اتساع القطاع العمومي و الشبه العمومي، لا تعني رجوع قطاعات من الإنتاج و التبادل إلى الأمة. لأن جهاز الدولة ليس في خدمة الأمة، و إنما في خدمة الذين يركزون هياكل منافية لمصلحة و تحرير الأمة من الاستعمار الجديد. إن تولي الدولة قطاعات واسعة في الإنتاج، و التصرف، و المبادلات، يدل في الحقيقة عن عجز البورجوازية على تحمل مخاطرات الإنشاء و التصنيع و استعمالها الدولة و القطاع العمومي كأداة تسير تجارتها و منشآتها المتأخرة، و كوسيلة تضع رهن إشارتها أموال و ممتلكات الأمة.

لذلك، فإن مشروع التقرير المذهبي ركز الانتباه على كل المفاهيم المتعلقة بما يسمى بالتخلف، و حلل طبيعته و مصادره الحقيقية بكيفية تزيل اللبس و الإبهام حول الحلول التي يقترحها الآن فنيو الإمبريالية أنفسهم مثل الإصلاح الزراعي، و التأميمات و العدالة الاجتماعية، مادامت طبيعة الإنتاج لا تتغير، و مادامت دواليب الإدماج في النظام الاستغلالي العالمي تتعزز، لأن التبعية لا يمكن إلا أن تتعزز.

إن مشروع التقرير يهدف من خلال هذا التحليل إلى إبراز الوحدة الحتمية بين تعزيز دواليب التبعية، و بين تصاعد سرعة التدهور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للجماهير الشعبية.

و أمام هذه الحقيقة التي يعرفها و يعيشها الجميع، نرى المواقف منذ 15 سنة لا تعبر إلا عن الحسابات السياسية و التكتيكية.

– هناك من يسطر البرامج المتمثلة في قائمة الطلبات دون الربط بين الأهداف ببعضها و دون التعريف بالوسائل و الطرق التي يراها ناجعة لتحقيق هذه الأهداف.

– و هناك من لا يميز ببين الوطنية، و بين مغربة الاقتصاد، في حين أنه يطالب بالعدالة الاجتماعية.

– و هناك من يرفع منذ 10 سنوات شعار “التغيير الجذري للهياكل الاقتصادية و الاجتماعية لصالح الجماهير” دون أن يوضح المضمون العلمي هذا التغيير، لاسيما و أنه يرفض مسبقا أن تشارك الجماهير في انتخاب المؤسسات التي قد تحدد مضمون هذا التغيير و طبيعة الهياكل و الإصلاحات الجذرية المزعومة.

– و هناك من يكتفي بترديد نفس الشعار، و الإشادة بالدور الطلائعي التاريخي للطبقة العاملة، دون الكلام عن الكيفية العملية، و النضالات الفعلية التي قد تعطي مدلولا ملموسا لهذه الشعارات.

– و هناك من يدعو إلى الواقعية باسم الاشتراكية العلمية، واقعية تنتهي إلى تكرار نفس الشعارات و الخطط رغم تغيير الواقع و معه ظروف و معطيات الصراع الاجتماعي و السياسي.

هكذا استمرت المواقف و البرامج و الشعارات المبنية على التحليل المجرد، على تفكير و استراتيجيات سياسية تحاول التكيف مع تغيرات الأوضاع السياسية العابرة. و الحقيقة أن هذا الخلط راجع في الأصل إلى انعدام المقاييس، و تعود القيادات السياسية منذ بداية الاستقلال على ممارسة الصراع السياسي في شكل البلاغات و التجمعات الإخبارية، و الاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري. و هكذا بقيت التوعية أسلوبا منعزلا عن النضال الفعلي بحيث ينتهي الأمر عمليا إلى تركيز أساليب برلمانية بدون برلمان، و إلى الكلام عن التمثيلية بدون مقاييس و مؤسسات تمثيلية.

لكن مخزنة أجهزة الدولة استمرت في نفس الوقت بجميع نتائجها، مع جدلية الصراع الطبقي، و جدلية الأحداث و الواقع المادي الملموس الذي تعيشه الجماهير الشعبية و الذي لا يقبل التحليلات المجردة كانت نزيهة أو مغرضة. و من جملة الجماهير الشعبية، هناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما.

و الشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا، يرفض التعقيد و الغموض و الالتواء، و يطمح إلى الوضوح و إلى فكرة شاملة و منسجمة، فكرة لا تبرر الواقع و الإخفاق، و إنما تعبر عن الواقع، و عن الحلول الضرورية من اجل تغييره. انه متعطش إلى الانسجام الفكري، و يبحث عنه، بحيث نرى طاقاته تتجه :

– إما نحو نماذج اشتراكية مجردة و تقليد تجارب الشباب الأوربي الثائر، و ذلك باسم الماركسية اللينينية.

– و إما نحو البحث عن نموذج المدينة الفاضلة في عهد عمر بن الخطاب و الانغماس في الطرقية و الصوفية التي يصرف فيها يأسه و طاقته.

– و إما نحو اللامبالاة و موقف المتفرج اليائس من جميع المنظمات الوطنية التقدمية التي لا يهمه ماضيها و مبرراتها، و إنما النتائج الملموسة التي ينتظرها من عملها.

 إن موقف هذه الفئات من شبابنا، ما هو إلا التعبير الظاهر عن وضعية و رغبة عميقة تسود جماهير شعبنا، من عمال نسف الجهاز البيروقراطي تنظيماتهم النقابية، و مازال يشل و يجهض نضالاتهم، و من فلاحين تقمعهم أجهزة السلطة لتحقيق إصلاحها الزراعي لفائدة المعمرين المغاربة، و من موظفين صغار و تجار صغار ينتظرون إيجاد شغل فعلي بأجرة قارة.

هؤلاء جميعا متعطشون للوضوح، و للنظرة المنسجمة حول الأسباب و الحلول و الوسائل، إنهم جميعا يطمحون بشكل تلقائي إلى الاشتراكية كنظام اجتماعي، و لا يتخذون من الاشتراكية كفكر إلا جانبا النقدي، أما جانبها الإيجابي و العلمي فإنه يختلط بالتجارب الاشتراكية، و بالتجارب التي يطلق عليها نعت الاشتراكية، مع العلم أن الرجعية تركز دعايتها الدائمة على تشويه هذه التجارب و إبراز اخفاقاتها و جوانبها السلبية و طمس انتصاراتها و جوانبها الإيجابية.

هذه الحقائق ككلها هي التي تجعل التوضيح الشامل ضرورة ملحة، لذلك كان الاعتبار الأول في وضع مشروع التقرير المذهبي هو تحديد هويتننا الإيديولوجية بدقة و وضوح، و على أساس تحليل شامل للواقع الحي منذ شهر في القاعدة و الذي سوف يحدد المؤتمر من خلاله الإطار المذهبي لجميع خططنا الاستراتيجية و تصرفاتنا التكتيكية.

إن وضوح الإطار الإيديولوجي و معه مسيرة النضال و التحرير و البناء يعني تحديد المقاييس للحكم على المواقف التكتيكية، و التمييز بين الانتصارات و الاخفاقات. إنه يجعلنا نطرح القضايا بعمق و هدوء، و نولي الأسبقية للمضمون على الشكل و الحماس.

إن طرح نظرتنا الشمولية للواقع و المستقبل، و تحديد هويتنا الإيديولوجية بدقة و وضوح، لا يعنيان رفض الحلول المرحلية و الأحلاف الاستراتيجية أو التكتيكية حول نقط و نضالات محددة، بل بالعكس، فإن وضوح الرؤيا و الأفق هو الذي يعطي مدلوله و مغزاه لكل موقف و إجراء، و يمكننا من معرفة التنازلات التي قد تعزز حركة التحرير أو قد تحطمها في المدى البعيد.

هذه بديهية من بديهيات الفكر الاشتراكي، الشيء الذي جعلنا، منذ البداية، نؤكد بأن الاشتراكية واحدة كمنهجية و كهدف. و بأننا لا نزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة و لا باشتراكية خاصة و منفردة. و مع ذلك فإن الاكتفاء بالإعلان عن انتماء حزبنا للاشتراكية العلمية كمنهجية قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى الزيادة في الخلط و إلى المساعدة على ترويج الشعارات المجردة و المفروغة من مدلولها.

لذلك يجب أن نعرض الاعتبار الثاني الذي انطلقنا منه في تحرير مشروع التقرير المذهبي، و هو رفع كل لبس حول معنى و مدلول الاشتراكية العلمية بالنسبة إلينا.

 

الاعتبار الثاني :

 

اقتناء الاشتراكية العلمية

كمنهجية للتحليل و النضال

دون مركب، و مع رفض

النماذج المجردة و تقليد

التجارب الأجنبية

 

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

إن طرح النظرة الشمولية و المنسجمة من أجل التحرير و التغيير لصالح الكادحين، يبقى شعارا ديماغوجيا إذا ما انطلقت من نبذ المفاهيم المجردة التي ينبني عليها الفكر البورجوازي الرجعي، و ذلك يقتضي التفكير بأيديولوجية الكادحين و الانتباه إلى طبيعة الأساليب الجديدة التي تستعملها الرجعية في التضليل، و خاصة استعمالها الشعارات التقدمية و المصطلحات الاشتراكية المفروغة من محتواها العملي و الجدلي.

إن خدمة الجماهير الشعبية، و خدمة الحقيقة، و الحقيقة وحدها، مهما كانت الظروف و الاعتبارات الوقتية، كل ذلك يقتضي الاعتماد على الفكر الشمولي و العلمي، يقتضي الانطلاق من مبادئ الاشتراكية العلمية، علينا أن نأخذ بكل اعتبار و بكل وضوح، ودون مركب و دون التواء، نفوذ الفكر الرجعي، لا نرضخ له بل لنواجهه و نفضح أساليب النفاق و التضليل و التهديد، تلك الأساليب التي تعودت الطبقات المستغلة على استعمالها و فرضها.

و لا طريقة لذلك إلا تحديد هوية أصحاب هذه الأساليب، هويتهم من حيث المصالح الملموسة و موقعهم في نظام الاستغلال محليا و عالميا، انهم يمنحون لأنفسهم دور المدافع عن التراث و التقاليد المزعومة و الناطق باسم عقيدة جماهير شعبنا المؤمن المسلم – إلا أنهم في ذات الوقت لا يرون أشكالا في طموحهم و طموح البورجوازية إلى “مغربة الاقتصاد” أي إلى الحلول محل المعمرين الأجانب في استغلال الأرض و الجماهير التي يدعون حمايتها ضد الأفكار المستوردة من الخارج.

إن الرجعية ببلادنا تستورد و تتبنى دون حرج و أشكال مفاهيم و مقولات الفكر البورجوازي الأوربي، و تقلد مظاهر الحضارة الغربية باسم التقدم و المعاصرة. و لا تنظم هجوماتها ضد الأفكار و المفاهيم المستوردة من العالم الغربي نفسه، و الحضارة الغربية نفسها، إلا عندما تكون أفكار و مفاهيم إيديولوجية الكادحين، و تنظم هجوماتها هذه باسم الأصالة و القيم الدينية.

إن شعبنا يعيش نتائج و ملابسات هذا النفاق و هذه الخطة المزدوجة منذ 30 سنة، و لقد جاء وقت إبراز الحقائق الملموسة، لأن المعرفة لم تبق احتكارا لخدام البورجوازية، فالقضية ليست قضية أصالة أو معاصرة، و لا قضية أفكار مستوردة أو مصدرة، و إنما هي قضية الصراع بين إيديولوجية المستغلين و بين إيديولوجية الكادحين في الداخل و الخارج.

و إيديولوجية الكادحين، هي الاشتراكية العلمية بوصفها منهجية التحليل و الدرس المنطلق من الواقع الحي و الملموس، إنها علم الحركة و التغيير الذي يرفض إخضاع الواقع الحي للنماذج الفكرية المسبقة و الجامدة. هذا ما نعنيه بالاشتراكية العلمية كمنهجية لتحليل المجتمع و تناقضاته و تغييراته لا كفسلفة و محاولة لتفسير الكون، و لا كمجموعة من النصوص التي تسرد حسب الظروف و تفسر كأنها نصوص من الفقه و القانون. فالاعتماد على الاشتراكية في التحليل و النضال يعني بالنسبة إلينا أن تجارب الدول الاشتراكية المختلفة تبقى مجرد تجارب ندرسها و نستفيد منها باعتبارها تجارب تمت في ظروف محلية و تاريخية معينة.

ذلك أننا نرفض النماذج المسبقة و تقليد التجارب التي لا صلة لها بظروفنا و واقعنا، كما نرفض كل تحديد لهويتنا الإيديولوجية و السياسية بالمقارنة أو الإشارة إلى تجربة معينة أو قطر اشتراكي معين. نرفض تلك المجادلات التي انتهت إلى تجزئة الحركات التقدمية.

و لا نكتفي بالرفض، و إنما اعتمدنا على المنهجية الاشتراكية للقيام بتحليل تاريخ التغييرات الخاصة ببلادنا و بمجتمعنا منذ بداية التوغل الاستعماري، و بذلك تمكنا من إبراز حقيقة و مصادر ما يسمى بالتخلف بكيفية تجعل من أعمال مؤتمرنا مساهمة في إغناء الفكر التحرري و الاشتراكي.

نعم، لقد أبرزنا :

– من جهة، حقيقة عدة مفاهيم رجعية مازالت مقبولة كبديهيات و مقولات علمية.

– و من جهة أخرى، عدم جدية بعض النماذج الثورية المزعومة، التي تردد باسم الاشتراكية العلمية، مثل شعار الثورة الديمقراطية و الوطنية.

إن الجماهير تريد الاشتراكية، لأن شعار الليبرالية الكاذب ظهرت حقيقته و نتائجه من خلال التجربة، كما اتضحت هوية أصحابه كخدام لنظام التبعية، و كمستفيدين من التبعية و كأعداء للتحرير الحقيقي الذي يعني عمليا تصفية مصالحهم. فاختيارنا الاشتراكي هو تعبير عن إرادة الجماهير المتبلورة من خلال جدلية النضال، و من خلال التغييرات التي طرأت على حركة التحرير الشعبية نفسها.

إن المناضلين الذين ضمنوا و يضمنون استمرار حركة التحرير الشعبية هم الممثلون الحقيقيون لأصالة شعبنا. و تقاليده الحقيقية، تقاليد اليقظة و المبادرة و التضحية ضد كل محاولات الاحتلال منذ قرون، تقاليد الدفاع عن كياننا كأمة و حضارة عربية إسلامية، ربطت دوما مواجهة الاحتلال الأجنبي بمواجهة أنواع الاستبداد. فبالنسبة للشعب ليس هناك أي تناقض بين الأصالة و المعاصرة، لأن الفكر الاشتراكي ينطلق من الوطنية التقدمية المتجهة نحو المستقبل، و ينبذ الوطنية الرجعية المتجهة نحو الماضي. إن التراث ليس مجموعة من المحفوظات المرتبة المتراكمة، و إنما هو الواقع الحالي، الواقع الحي الذي يجسد خلاصة حركة التاريخ. إن التراث هو ما تحمله جماهير شعبنا من طاقات متفجرة، و مطامح نحو العدل و الإنصاف و قيم سامية ترفض العبودية و الانحطاط. إن التراث هو طاقة التغيير و إرادة التحرير، هو تقاليد متمثلة في ردود الفعل الجماعية و اليقضة و المبادرة التي مازالت حية في صفوف شعبنا.

هذه هي الخلاصة الأولى التي ينتهي إليها الاعتماد على منهجية الاشتراكية العلمية دون مركب و دون التواء و خدمة الحقيقة و الحقيقة وحدها.

إلا أن هناك خلاصة أخرى نعتبرها أساسية و حاسمة، هي أن جميع التعقيدات و أسباب الخلط، راجعة إلى ازدواج الاستلاب الذي يعاني منه الإنسان المغربي، بل و الإنسان في جميع الأقطار المسماة بالمتخلفة. فزيادة على استلاب الفرد من جراء علاقات الإنتاج الرأسمالية، هناك الاستلاب الجماعي أمتنا ككيان و حضارة و ثقافة، استلاب المجتمع ككل منذ أن تم إخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إرساء و نمو الاقتصاد الاستعماري.

و بالتالي فإن التحرير لا معنى له عمليا إلا بالحلول الرامية إلى إنهاء هذين الاستلابين معا في استراتيجية واحدة و في مسلسل شامل واحد. هذا هو الاعتبار الثالث الذي وجه إعمال اللجنة التحضيرية لمشروع التقرير المذهبي، اعتبار الارتباط الجدلي بين النمو و التحرر و الديمقراطية و البناء الاشتراكي. إن النظرة إلى حلول المستقبل ما هي في الحقيقة إلا مجموعة النتائج المنطقية للتحليل التاريخي.

 الاعتبار الثالث :

 

استراتيجية شاملة

معتمدة على الارتباط

و التساوي بين التحرير

و النمو و الديمقراطية

و البناء الاشتراكي من أجل

تشييد مجتمع و حضارة

اشتراكية مطابقة

لخصوصية شعبنا

 

 

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

إن إبراز حقيقة التخلف انتهى بنا إلى التأكيد على حقيقة أساسية تهم طبيعة و دور جهاز الدولة. و باختصار فإن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، وليدة المجتمع المغربي و تطوراته، و إنما هو بالعكس جهاز التسيير و القمع الذي غرسته الدولة المستعمرة من الخارج لإخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إقامة الاقتصاد الاستعماري المسمى الآن بالقطاع العصري. بل و إن الدولة الوهمية التي احتفظت بها الحماية كواجهة انتهت في يوم واحد عند الإعلان عن الاستقلال. و رأينا جهاز الإدارة و القمع يتمغرب و يتضخم و يبحث عن قوانين 1935 و 1939 لمواجهة الحركة الوطنية و التقدمية، لأنه رجع إلى مهمته الأصيلة بأساليبه الأصلية.

و حدث ذلك منذ إجهاض التصميم الخماسي الأول، الذي كان محاولة في التحرير الاقتصادي الفعلي، و الذي ينص على ضرورة تغيير هياكل الدولة كشرط إلزامي لتغيير هياكل الاقتصاد.

ذلك لأن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، و إنما هو جزء لا يتجزأ من الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الاستعمارية. هذا ما تؤكده التجارب الملموسة بحيث رأينا :

إن إقبار سياسة التحرير الاقتصادي اقترن بإقبار مشروع إقامة المؤسسات الديمقراطية.

و إن سير الجهاز و مهمته لا يقبلان وجود مؤسسات تمثيلية، لا يقبلان النقاش و المراقبة، لأنه جهاز أقيم في الأصل لمراقبة المخزن و لإخضاع المجتمع المغربي لا لتمثيله و لخدمته.

إن مبادئ و مفاهيم الديمقراطية الأوربية تفقد معناها، لأنها ديمقراطية وليدة النظام الرأسمالي ككل، بقاعدته المادية و تكنولوجيته و قيمه الأخلاقية، و مؤسساته السياسية و الثقافية. إن النظام الرأسمالي، انطلق منذ البداية الصناعة الآلية و من صناعة وسائل الإنتاج.

فانعدام الصناعة السياسية في بلادنا، هو الذي يجب أن يكون منطلق التبعية الاقتصادية و التقنية بجميع نتائجها الاجتماعية و السياسية و الثقافية. فانعدام الصناعة الأساسية هو الذي يجعل كل قطاع من حياتنا مرتبطا مباشرة بالسوق الخارجية مع النتائج المعترف بها الآن رسميا.

إن هذه الحقيقة لا تنفصل عن طبيعة و دور جهاز الدولة و اتجاهه في كل قطر متخلف تسيره البورجوازية و الإقطاعية مهما كان شكل نظامه السياسي. لذلك فإن التحليل الشمولي، ينتهي حتما إلى الاستراتيجية الشمولية في التحرير و البناء المعروضة في مشروع التقرير المذهبي بجميع التفاصيل و التعليلات.

و لنكتف بالتنبيه إلى أن الوطنية الصادقة، يجب أن تقبل و تدعو على الأقل إلى الحلين اللذين لا مناص منهما في سياسة تحرير اقتصادي حقيقي : بناء الصناعة الأساسية التي سوف تكون محور الاقتصاد الوطني، و تحكم الدولة في جميع أصناف و دواليب التجارة الخارجية. و معنى ذلك أن التحرير الاقتصادي و النمو الاقتصادي هما شيء واحد.

لكن هذا النمو و التحرير يقتضيان اعتماد الشعب المغربي على نفسه أولا و قبل كل شيء، و قبول التضحيات التي يستلزمها بناء صناعة ثقيلة، و لا يمكن أن يقبل الشعب تضحيات إضافية إلا إذا علم مسبقا أنها لصالحه، الشيء الذي يقتضي إصلاحات جذرية من حيث توزيع الأرض و الخيرات، و علاقة جهاز الدولة بالسكان.

أضف إلى ذلك أن عدم الاعتماد على القروض الأجنبية يقتضي استعمل الطاقة المتوفرة محليا، و هي الطاقة البشرية، طاقة الجماهير الواجب تجنيدها في مهام البناء و التشييد و التغيير. و لا يمكن أن تتعبأ إلا إذا علمت مسبقا أنها تنجز تلك المهام لصالحها، الشيء الذي يقتضي إشراكها في اتخاذ القرارات و تنفيذها.

و هذا يعني استحالة الفصل بين التحرير و النمو و بين ضرورة الديمقراطية بشرط أن لا تقتصر عليا إقامة سلم من المؤسسات التمثيلية مواز لسلم جهاز الدولة كما هو الآن. إنها ديمقراطية المساهمة المباشرة للجماهير في مهام ملموسة ديمقراطية تقتضي تغيير هياكل الجهاز الإداري و علاقته بالمواطنين. و معنى ذلك تغيير طبيعة و مهمة جهاز التسيير و القمع و جعله أداة خاضعة للشعب على جميع المستويات، عوضا عن كونه جهازا يخضع المجتمع لحاجيات السوق الأجنبية.

و يبقى أن بناء الصناعة الأساسية، و تحك الدولة في التجارة الخارجية، و تغيير هياكل و طبيعة جهاز الدولة و علاقته بالمواطنين، و نهج ديمقراطية التعبئة مع الإجراءات و الإصلاحات التي تقتضيها، كل ذلك لا يمكن أن يتم تلقائيا. إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصميم الاشتراكي الذي يوضع بالطرق الديمقراطية انطلاقا من اختيارات تساهم الجماهير في تحديدها كما تساهم عمليا في تنفيذها.

إن التقرير يوضح بدقة نظرتنا إلى أهداف و أساليب البناء الاشتراكي انطلاقا من المعادلة الثلاثية التي تشكل نظرة شاملة تجعل من التحرير و النمو و الديمقراطية و البناء الاشتراكي جوانب مرتبطة و متساوية من استراتيجية واحدة تنفذ ككل و بصفة تدريجية.

فالديمقراطية بالنسبة إلينا وسيلة و غاية بوصفها ديمقراطية التعبئة من أجل البناء الاشتراكي، إن شعار ديكتاتورية البرروليتاريا أكل عليه الدهر و شرب في أوربا نفسها، بالإضافة إلى أن مشكل التصنيع و خلق بروليتاريا.

و يبقى الهدف من البناء الاشتراكي نفسه هدف إنهاء استلاب الفرد، و استلاب كياننا كحضارة و ثقافة. فالنمو الاقتصادي على الشكل الذي نراه في الدول النامية الرأسمالية و الاشتراكية لا يضع حدا لهذا الاستلاب المزدوج. لذلك يجب منذ البداية، منذ انطلاق مسلسل التحرير و البناء أن نعتبر خصوصيات مجتمعنا، و عناصر التغيير التي يتضمنها، و تقاليد العمل الجماعي، كما يجب أن تعتبر ضرورة إغناء التراث الحقيقي الذي تحمله الجماهير.

هذا هو معنى رفضنا للنماذج المسبقة، و تقليد التجارب. إن الغاية النهائية من البناء الاشتراكي هي تشييد مجتمع اشتراكي و حضارة لهما خصوصيتهما، تشييد هذا المجتمع المغربي مع تحرير و تغيير الإنسان المغربي.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوان،

إننا نعبر عن آمالنا، و تفاؤلنا و ثقتنا بمستقبل القوات الثورية، و بحتمية البناء الاشتراكي. إن الفكر التقدمي منطلقه و منتهاه التفاؤل، و إلا فلن يبقى مبرر للنضال. و لن يبقى كذلك مبرر للنضال اذا ادعينا احتكار الحقيقة. لذلك فلزوما أن نعتبر مجهودنا هذا بداية في التوضيح، و أن تبقى عقيدتنا متفتحة و قابلة للتغيير و الاستفادة من الدروس و التجارب.

أما حكاية المثالية و الواقعية، فإنها جزء من أساليب التضليل، هناك واقعية الاستسلام أمام الواقعية التي يريد المستغلون غرسها في ذهن الشعوب. و هناك الواقعية الثورية التي تعتمد على تحليل الواقع الحي و الملموس من أجل تغييره لصالح الشعوب.

هذه هي واقعيتنا – هذه نظرتنا للواقع- و منطلق نظرتنا إلى طريقة و وسائل تغييره في أفق التحرير و البناء الاشتراكي هذا هو الإطار المذهبي لاستراتيجيتنا الواضحة. و في الأخير يبقى علينا أن نؤكد على أن التحليل العلمي و المقاييس الموضوعية ليست وحدها الحافز للنضال و لقبول تضحيات النضال هناك الجانب الذاتي، الجانب الإنساني، جانب الوفاء و التشبع بالأخلاق الثورية، جانب الاخوة و عدم التخلي عن الإخوان مهما كانت الظروف. إنه الجانب الذاتي. و لكنه الظاهرة التي يعتز بها و يختص بها الاتحاديون الأوفياء الأحياء منهم و الشهداء، الحاضرون منهم و الغائبون، الاتحاديون الحاملون للتراث الحقيقي، تراث حركة التحرير الشعبية ببلادنا.

من خلال ممثليهم، من خلالكم أيها الاخوة المؤتمرون.

سلام عليهم جميعا.

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…