اجتماع لجنة الهجرات للأممية الاشتراكية…كلمة الاتحاد
الاشتركي القاها الكاتب الاول ادريس لشكر
حضرات السيدات والسادة
انه ليسعدني باسم كافة الاشتراكيين المغاربة أن أرحب بكم في المغرب،وأن أشكركم جزيل الشكر على تشريفنا بحضوركم في اجتماع لجنة الهجرات التي نعتبرها من أهم لجان الأممية الاشتراكية، خصوصا وأن القضايا المطروحة على هذه اللجنة أصبحت تتميز براهنية قصوى،وأصبحت تندرج في صلب التحديات التي تواجها الانسانية اليوم، و تتطلب منا تفعيل مقاربة انسانية مندمجة ومنسجمة مع مبادئنا التقدمية وقيمنا الديمقراطية الاشتراكية.
ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتز دائما باستضافة أنشطة الأممية الاشتراكية بالمغرب، في الرباط أو الدار البيضاء، وفي طبنجة أو مراكش ،حيث تكون المناسبة لاستنهاض طاقاته النضالية ولتقاسم تجربته السياسية، وكذلك لتقديم مساهمته في تعبئة الذكاء الجماعي للأممية الاشتراكية وفي صناعة منظورها الاستراتيجي الشامل بما يمكنها من تقديم الأجوبة المناسبة لأسئلة الراهن والمستقبل.
فقبل ثماني سنوات استضفنا اجتماعا للجنة الهجرات بمدينة الدار البيضاء وبالضبط في أواخر شهر مارس من سنة 2006، وقد تميز هذا الاجتماع بنقاش معمق حول الطابع المعقد لظاهرة الهجرة، سواء من حيث هي مساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان المعنية، وفي اثراء الانفتاح والتبادل الثقافي لمختلف المجموعات البشرية، أو باعتبارها ظاهرة ناتجة عن عوامل مرتبطة بالفقر، وباتساع الفوارق بين الدولة المصنعة والدول النامية ، وبالنزاعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
ولعلكم تذكرون أن اجتماع الدار البيضاء كان قد أكد في بيانه العام على مواصلة جهودنا المشتركة من أجل بلورة استراتيجية شاملة للحركة الاشتراكية الديمقراطية حول اشكالية الهجرة، وذلك انسجاما مع رؤيتنا التقدمية حول عالم عادل أكثر تضامنا ومجتمع مزدهر أكثر انسانية.
ولعلكم تذكرون أيضا أن اجتماع الدارالبيضاء كان قد اتخذ قرارات هامة تخص مشاركة الأممية الاشتراكية في الحوار رفيع المستوى داخل الأمم المتحدة حول الهجرة الدولية والتنمية، وتنظيم عدد من الأنشطة والاجتماعات في مولدافيا واليونان وتركيا والفلبين وغيرها من أجل تحليل الظاهر الهجروية عبر مختلف أنحاء العالم.
انني اذ أذكر بهذه المحطة من مسار عمل لجنتنا و أستحضر ما تمخض عنها من حصيلة مشرفة ، فلا بد أن أتوجه بمشاعر التقدير والاعتزاز لرفيقتنا أماليا غارسيا رئيسة اللجنة ، وأن أهنئها على جودة عملها القيادي وعلى النتائج الرفيعة التي حققتها في نطاق تحمل مسؤوليتها، وذلك بما يجعلنا اليوم نرتكز داخل هذه اللجنة على رصيد هام من الأفكار والتوجهات المؤطرة لرؤيتنا حول قضايا الهجرة الدولية.
أيتها الرفيقات والرفاق الأعزاء
لا شك أن السنوات الفاصلة بين اجتماع الدار البيضاء واجتماعنا اليوم في طنجة، شهدت عدة تحولات عميقة في مجال الهجرة سواء فيما يخص تطور السياسات العمومية ذات الصلة، أو فيما يخص مختلف التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المؤطرة لخرائط الهجرة ولمسارات المهاجرين.
لقد تغيرت أمور كثير في مجال تدبير شؤون الهجرة ، لكننا يمكن أن نقول اليوم أن حرية الانسان في التنقل وفي مغادرة بلده الأصلي وفي الاستقرار في أي بلد آخر، ظلت تشكل حقا أساسيا من حقوق الانسان يسمو على كل الالتباسات الفاصلة بين الهجرة الشرعية والهجرة غير الشرعية،وأن مختلف الاجراءات الأمنية الرادعة وحتى جميع الأسلاك الشائكة لم تكن قادرة على ثني البشر عن الهجرة نحو موطن آمن يستقر فيه ويضمن فيه قوت يومه وحدا أنى من كرامته.
لقد تغيرت أمور كثيرة خلال هذه السنوات ومع ذلك ظلت ثلاثة بؤر للهجرة في العالم تفجعنا باستمرار وتسائلنا الى اليوم هي:
المعابر البحرية في شرق آسيا؛ وخصوصاً ما بين أندونيسيا وأستراليا والحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة وبعض دول أميركا اللاتينية.
وحوض البحر المتوسط ما بين شمال أفريقيا ودول جنوب أوروبا ً.
نعم ان الإجراءات المشددة التي تضعها الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا سوى المزيد من الموت في صفوف المهاجرين المتدفقين عبر الحدود المكسيكية، حيث تؤكد الإحصائيات أنه خلال العقد الماضي عثر على أكثر من ألفي جثة،متعفنة تحت الحرارة القاتلة لصحراء أريزونا .
كما لم تنفع المعدات الالكترونية والحواجز القاتلة من استمرار اندفاع الأمواج البشرية نحو حافة البحرالمتوسط ، ونحن اليوم اذ نجتمع في مدينة طنجة المطلة على المضيق،لابد أن نذكر أن هذا المضيق الذي يفصل افريقيا عن أوروبا، منه مر الفاتحون المسلمون قبل 1200 عام، وعند وصولهم أمر قائدهم طارق بن زياد بإحراق مراكب العبور حتى لا يفكر أحد في العودة، وبعد إحراق المراكب كانت الأندلس.
لكن منذ أن بدأ أحفادهم يحرقون أوراق هويتهم ومنذ بدأوا يركبون قوارب “الحارقين”بدل الفاتحين، تحول هذا المضيق إلى مقبرة كبيرة ابتلعت أعماقها خلال عشرين سنة الماضية أزيد من 20 ألف روح قضت في هجرة مأساوية يائسة من الجنوب نحو الشمال.
لكن هذا المضيق نفسه هو الذي لازال يشهد في عطلة الصيف من كل سنة أضخم عملية عبور بشري من قارة الى قارة في التاريخ المعاصر ، حيث تجاوز عدد المهاجرين العابرين للمضيق في السنة الماضية مليوني شخص عادوا في رحلة ملحمية مفعمين بالشوقالى أحضان أهلهم و دفء أصولهم
حضرات السيدات والسادة
ان الهجرة قديمة في التاريخ، وتعود الى قدم الإنسان نفسه، والى انتقاله الدائم والدؤوب من مكان الى آخر بحثاً عن الرزق ووسائل العيش، أو بحثاً عن الأمان، أو هرباً من أهوال الطبيعة ، ودائماً يكون دافعه في ذلك هو حب البقاء والحفاظ على الحياة، أو الرغبة في استكشاف بيئة أكثر تلاؤماً ومواءمة مع حاجاته وطموحاته.
واذا كانت شعوب كثيرة عرفت الهجرة في تاريخها، فان دول عديدة قامت ونشأت من المهاجرين، منذ أقدم العصور وحتى اليوم، في آسيا وأوروبا وأميركا وحتى في أفريقيا، وكلنا يعرف أن دولاً مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وكثير من دول أميركا اللاتينية وأستراليا قامت وتطوّرت بفضل الأعداد الكبيرة من المهاجرين من مختلف مناطق العالم.
واليوم، وبعد أن اتخذت الدول أسماءها وحدودها، ورسمت هويتها الوطنية والسياسية أو الدينية، فقد وضعت من القوانين الداخلية ما يكفل لها المحافظة على كيانها وشعبها، فحددت اجراءات للدخول اليها، والإقامة أو العمل فيها، كما وضعت قواعد وأنظمة لمنح جنسيتها لمن يأتي الى مجال سيادتها أو يطلب إذناً بالبقاء فوق أرضها، سواء أكان ذلك مؤقتاً أم دائماً، ومن يدخل بلداً ما خارج إطار هذه القوانين يعتبر وجوده فيها غير شرعي، وغير قانوني، وقابلاً للتوقيف والترحيل في أي لحظة.
فكيف نوفق اذن بين حق الدول والحكومات في تقنين الهجرة وبين حق الفرد في أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده، وفي أن يتمتع بحق العودة اليها ؟
وكيف نوفق بين واجب السلطات الحكومية في مراقبة حدودها الترابية وبين حق كل فرد في أن يلجأ الى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء اليها هرباً من الإضطهاد كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الانسان ؟
هذا سؤال جوهري لابد للأممية الاشتراكية أن تفتح مسالك للتفكير في شأنه ، وأن تستلهم عناصر جوابها عنه من مختلف التجارب الناجعة في مجال أنسنة الهجرة ، ومن مختلف الممارسات الجيدة في مجال الملاءمة بين حقوق الدول وحقوق الأشخاص.
في هذا السياق أستسمحكم في الوقوف عند التجربة المغربية الواعدة التي لا زالت في بداية انطلاقها، فخلال المدة الفاصلة بين اجتماع الدار البيضاء واجتماع طنجة اليوم، تحول المغرب من بلد لعبور المهاجرين نحو القارة الأوروبية الى أرض لاستقبال المهاجرين، حيث تضاعف عدد المهاجرين من دول جنوب الصحراء أربع مرات.
كما أن المغرب بدأ يعرف مؤخرا نوعا جديدا من المهاجرين الآتين من الشرق و شمال المتوسط ، اما بسبب المآسي التي يخلفها ما سمي بالربيع العربي أو بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
فاعتبارا للأوضاع التي تعرفها بعض هذه الدول، فإن عددا من مواطنيها يهاجرون إلى المغرب، بصفة قانونية، أو بطريقة غير شرعية، مماجعله يتحول من محطة عبور إلى أوروبا، إلى وجهة للإقامة والاستقرار.
وأمام التزايد الملحوظ لعدد المهاجرين، سواء من إفريقيا أو من أوربا، بادر الملك محمد السادس في ضوء التقرير الذي رفعه اليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالدعوة لبلورة سياسة شاملة جديدة، لقضايا الهجرة واللجوء، وفق مقاربة إنسانية، تحترم الالتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين من خلال اجراءات تهدف الى تسوية وضعيتهم وتيسير اندماجهم وتمكينهم من فرص الشغل وشروط العيش الكريم.
وقد لقيت هذه المبادرة الملكية ترحيبا من لدن البلدان المعنية مباشرة بهذه الإشكالية، ولاسيما بلدان إفريقيا جنوب الصحراء والاتحاد الأوربي والمنظمة الدولية للهجرة، ومختلف المنظمات الأممية المعنية بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان.
وبالفعل فقد شملت عملية التسوية منح وثائق رسمية لنحو 25 ألف مهاجر غير شرعي من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما فيها تسوية وضعية نحو 850 لاجئا معترفا بهم من قبل ممثلية المفوضية العليا للاجئين ومنحهم حق الإقامة.
وتعزيزا لهذا التوجه، فقد قدم المغرب، على هامش الحوار رفيع المستوى حول الهجرة والتنمية المنعقد في أكتوبر الماضي بنيويورك في اطار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقديم مبادرة “التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية”. وهي مبادرة تقوم على منظور إفريقي مشترك، يروم النهوض بحماية الحقوق الأساسية للمهاجرين واللاجئين وتعزيز التلاقي بين الهجرة والتنمية على أساس الشراكة والمسؤولية المتقاسمة بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية.
ان المغرب يتوفر اليوم على أفضل اطار قانوني في المنطقة، ينظم إقامة الأجانب بالمغرب، ولاسيما منه دستور المملكة، الذي يضمن مبدأ عدم التمييز، وحق اللجوء، والمساواة في الحقوق بين المواطنين المغاربة والأجانب،و فضلا عن ذلك فانه يتوفر على الارادة السياسية اللازمة لتفعيل المقاربة الانسانية لأوضاع المهاجرين .
غير أن المغرب يظل في حاجة الى شراكة حقيقية مع الدول الأوروبية في كل ما يتعلق بتسوية أوضاع المهاجرين سواء تعلق الأمر بخبرة هذه الدول في هذا الميدان، أو بتمويل عملية التسوية وما سيترتب عنها من أعباء اقتصادية واجتماعية إضافية في بلد يُعاني من أزمة حادة فاقمت منها الإنعكاسات السلبية للأزمة المالية التي عصفت ببلدان الإتحاد الأوروبي منذ عام 2009 ودفعت المهاجرين الأفارقة إلى تفضيل الإقامة بالمغرب، بل أسفرت عن إعادة استيعاب المغرب لآلاف مُهاجريه الذين كانوا مُقيمين في دول الإتحاد.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
اننا اذ نضع رهن اشارتكم هذه التجربة المغربية الطموحة لتعزيز مكاسبها وتعميم فوائدها ، فإننا في نفس الآن نبقى متطلعين الى الاستفادة من تجارب دول أخرى وتقاسمها في اطار هذا الاجتماع.
واذا كانت إشكالية الهجرة تهم كل الدول والشعوب، فإننا في لجنة الهجرات سنكون مدعوين لانخراطأقوى في معالجة هذه الظاهرة، لتفادي ما تسببه من كوارث إنسانية مؤلمة تسائل الضمير الانساني كما تسائل الأممية الاشتراكية كأكبر منظمة سياسية في العالم
أتمنى لأشغال اجتماعكم كامل النجاح
وأرجو لكم مقاما طيبا بيننا
ولكم جزيل الشكر على انتباهكم