اهتمام غير عادي بظاهرة “التشرميل” الإجرامية في المغرب
رغم ما أثارته الظاهرة من اهتمام استثنائي، لا زال الغموض سائدا في المغرب حول “التشرميل”، وهي شكل من أشكال الجريمة الجنائية، أبطالها فتيان ينحدرون من أحياء فقيرة، يحاولون أن يكونوا أبطالا، من خلال نَـشر صورهم وأدوات جرائمهم وما يستولون عليه من المواطنين الذين يعتدون عليهم على صفحات التواصل الإجتماعي.
بدأت الظاهرة في مدينة الدار البيضاء، حيث لقيَت اهتماما واسعا من طرف مُختلف وسائل الإعلام المغربية، بما فيها الرسمية، إلا أنها أصبحت ظاهرة “فايسبوكية” مغربية، وانتشرت تاليا في عدد من المدن، تزامنا مع اتساع استخدام مصطلح “التشرميل”، ثم وصلت إلى قبة البرلمان، ولكن دون أن تتمكن السلطات من كشف لغزها والحدّ منها.
“التشرميل”، مصطلح مغربي جديد يُقصد به تعرُّض فتيان مسلّحين بالسيوف وأسلحة بيضاء متنوِّعة لمواطنين والإستيلاء على ما يملكونه ممّا خفّ وزنه وغلا ثمنه، ثم يقومون بعد ذلك بنشر صورِهم على موقع فيسبوك، وهم يُشهرون أسلحتهم البيضاء من سيوف بأحجام متنوِّعة وغنائمهم من مسروقات، هي عبارة عن أموال وهواتف محمولة وملابس وأحذية وساعات غالية الثمن ومخدرات ومشروبات كحولية.
سلوك إجرامي
الباحث المغربي سعيد بنيس، أستاذ العلوم الإجتماعية بكلية الآداب بالرباط، اعتبر أن “التشرميل” سلوك إجرامي يقوم به فتىً بشكل مُنفرِد، في إطار منطقة محدَّدة تختلِف طبيعتها من مكتظّة بالسكان أو شِبه مُـكتظّة أو مساحة خاوية، لتصيّد الغنيمة أو الضحية. وعادة ما تكون هذه المناطق موزّعة بالإتفاق بين “المشرملين”، لكن الظاهرة لم تصل إلى مرحلة تكوين العِصابات، على غرار ما هو موجود في الولايات المتحدة أو نيجيريا أو البرازيل.
وفي حديث مع swissinfo.ch، قال بنيس: “إن تعبير “تشرميل” مُستنبَط من المطبخ المغربي، وهي عملية إضافة الملح والبهارات والزيت بداخل وخارج السّمك أو الدجاج، حيث أن الفتى يقوم بتوقيف ضحيته وتفتيشه بدِقّة والإستيلاء على كل ما يملِكه، ويتركه دون أن يؤذيه”.
ومن خلال متابعته لكل ما يتعلّق بالظاهرة وما نشر عنها، كتابة أو صورا، بالصحف الورقية أو الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك ويوتوب بالخصوص)، لاحظ الباحث سعيد بنيس أن أعمار “المُشرملين” لا تتعدى الأربعة عشر ربيعا، وهو سِن الإحساس بالرجولة أو صناعة البطولة لدى الإنسان، ولفت إلى أنهم قادمون من أحياء تحت خطّ الفقر ويُـعبِّرون عن عدائية ورغبة الإيذاء تُجاه كلّ من يعتقدون أنهم يعيشون في وضع أفضل منهم
الرغبة في إثبات الذات
في السياق، يوضِّح بنيس لـ swissinfo.ch أن الفِتيان الذين يقومون بهذا السلوك، يحاولون التعبير عن رغبة إثبات الذات تُجاه آبائهم، الذين كانوا يقطنون في بيوت صفيح وطردتهم السلطات، ليلجؤوا في هوامش المدينة إلى الخِيام المُفتقدة لكل شروط الحياة، فينظرون إلى من يسكن العمارات بالأحياء الأكثر “رقيا”، عدوا أو خصما، يعيش أفضل منه على حسابه.
السيد بنيس أشار أيضا إلى ظاهرة كانت سائدة بعدد من المدن المغربية، وهي قيام فِتيان وبنفس السن تقريبا، بالتوجّه إلى شوارع المدن الرئيسية، مسلّحين بآلات حادّة لجرْح وتشويه السيارات الواقِفة، دون أن ينتبه إليهم احد.
وتعني كلمة “التشرميل”، تقديم الفتى لنفسه على مواقع التواصل الإجتماعي من خلال ارتداء الملابس غالية الثمن وامتلاك أحدث الهواتف المحمولة والتزين بأرقى العطور والساعات اليدوية، فضلا عن تسريح الشعر بطُرق لافِتة وغير اعتِيادية، واستعراض القوة والشراسة من خلال السيوف والسكاكين كبيرة الحجم وأحيانا الكلاب، وعرض مسروقاتهم وغنائِمهم التي تحصلوا عليها من عمليات النّشل والإعتداء.
الرغبة في البطولة
الباحث سعيد بنيس، يرى أيضا أن للظّاهرة علاقة برغبة “البطولة” لدى الفتيان، فيما يُحيل النسق المفاهيمي للعبارة ذاتها على الحِرفة “رئيس المطبخ” على الزعامة، ولتصبح السرقة مِهنة واحترافا تُظهِر الفتى في المواقع الإجتماعية بوصفه “بطلا” يحظى بموقع ومكانة اجتماعية، إن كان أمام أفراد عائلته أو بين أقرانه أو أمام الفتيات، وهي ظاهرة مُجتمعية شبيهة إلى حد ما بظاهرة الرابّ أو عَـبَـدة الشيطان.
ومساء يوم الخميس 3 أبريل 2014، قدمت الشرطة في أحد أحياء الدار للبيضاء سبعة فتيان مُشتبه فيهم بممارسة “التشرميل”، من بينهم طفل وقاصريْن، ليسوا من ذوي السوابق العدلية أو من النوع المعروف بممارسة العُنف أو بخلق مشاكل قد تصل حدّ ارتكاب فِعل جرمي، وقد تم إلقاء القبض عليهم بعد نشْر صور لهم وهُم يحملون سيوفا ويرتدون ألبِسة أضحت تميّز المحسوبين على أتباع هذه الظاهرة، وبحوزتهم حاسوبيْن محموليْن وساعتين، إلى جانب سلسلة وألبِسة وأحذية رياضية.
مسؤولية السلطات
الباحث سعيد بنيس لا يتردد في تحميل مسؤولية الظاهرة وانتشارها للسلطات، ليس فقط من مُنطلَق الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لهؤلاء الفتيان اليافعين، وإنما من موقع تساهلها بما يحدُث في ملاعب كرة القدم، ملاحظا أن جميع الصور التي نُشرت بيَّـنت أن جميع هؤلاء الفتيان يرتدون ملابِس رياضية.
وفي معرض الشرح، قال بنيس لـ swissinfo.ch إن “التشرميل” سلوك دخل التاريخ من ملاعِب كرة القدم، حيث حرية الهتاف والتشجيع الذي يصل إلى التلاسُن والإشتباك، خاصة بعد التهاون تُجاه إدخال السيوف والأسلحة البيضاء الأخرى إلى الملاعب، مما نمّى ثقافة العُنف، وليردد المتشرملون “الله الوحيد الذي يغلبنا”. ثم أوضح أن الملعب يتيح هامشا من الحرية، ومع الإستمرار في حالة الهيَجان الكُروي يخرج الفِتيان من الملعب بجُرعة شجاعة زائدة، يمارسون من خلالها كل أنواع “التخريب”، الذي يعتمر بداخلهم، إن كان انتقاما من الفريق الخصْم أو من المجتمع.
مثلما كان متوقعا، استهوت ظاهرة “التشرميل” وسائل الإعلام المغربية بشتى أصنافها، فتابعتها، مع المبالغة في تناسُل الحكايات التي يُؤلفها الخيال الشعبي، والرّغبة في تحويل شيء عادي إلى ظاهرة مجتمعية تغري بالمتابعة والتداوُل، ثم لتُصبح حكاية مقبولة بكل مُبالغاتها.
واستمرت صور “التشرميل” تظهر تِباعا في صفحات باتت متخصِّصة في عرض صور الفِتيان بتقليعات غيْر مألوفة، يعرضون “ممتلكاتهم” وسيوفهم الطويلة، بل تناسل بعضها لتنتشر الظاهرة جغرافيا، حيث برزت أيضا صفحة “تشرميل الخميسات” و”تشرميل مراكش”، ودون احتساب “تشرميل” باسم بعض أحياء وعَمَالات الدار البيضاء، التي بات يقطنها أكثر من 6 ملايين شخص.
ناقوس الخطر
وبالرغم من أن “التشرميل” صار الحديث الطاغي في الوقت الراهن في الصحف ووسائل الإعلام المغربية، كما انتقل إلى موضوع مساءلة لوزير الداخلية محمد حصاد تحت قبة البرلمان، بل أضحى محط مراقبة شديدة لرجال الأمن، خاصة في مدينة الدار البيضاء، فإن صفحات من قبيل “تشرميل بالبيشاميل” و”تشرميل بالكاراميل” و”ولد المشرمل”، لا زالت تنشر آخر أخبارها وصورها، غير عابئة بما يحدُث من حولها.
البعض من هذه الصفحات انتبه إلى الحملة الإعلامية التي واكبت تنامي الظاهرة، وبادر بعضها إلى نشر نُسخ من الصفحات الأولى لجرائد مغربية اهتمّت بالموضوع، ودقّت ناقوس الخطر من تكثفها وانتشارها، بينما توزّعت تعليقات مُرتادي هذه الصحُف بين التهكّم والسخرية والتنبيه إلى ضرورة أخذ الحِيطة والحذَر ممّا يُحاك ضدّهم.
الباحث الإجتماعي المغربي، أكد أن وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، لعبت دورا أساسيا في انتشار الظاهرة وتعميمها، ولفت إلى أنها كانت ستكون – بدون ذلك – كغيرها من الظواهر الإجتماعية محدودة المكان والزمان.
وبشكل عام، تعمد صفحات “التشرميل” إلى نقل واقع فتيان ينتمون إلى أحياء هامشية وبملامح وتقاسيم متشابهة أحيانا، وتسريحات للشعر تبدو غير مألوفة وبألبسة رياضية وساعات يدوية من أصناف مُعيَّنة، مركِّزين على مفاهيم من قبيل “الرجولة”، وشعارات مثل “الرجولة من الطفولة”، وصور استعراضية ترمي إلى التباهي بـ “الإنجازات” أمام الفتيات.
“المشرملات” من باب المبالغات
على صعيد آخر، أشارت بوابة هسبرس إلى أن اللافت في الصفحات التي تُتابع أخبار “التشرميل”، تضمنها لصور تختصّ بالفتيات الـ “المشرملات”، وهو ما لا يعتقد بصحته سعيد بنيس، حيث قال لـ swissinfo.ch، إن الصور المنشورة، ليست صورا لفتيات مغربيات أو مأخوذة من مدن مغربية، كما أن الإنتقال للحديث عن “المتشرملات”، لا يعدو أن يكون من باب المبالغات، وذهب إلى أنها لا زالت على الأرجح مجرد ظاهرة افتراضية، لكنه عبر عن الخشية من أن يؤدّي استمرارها وعدم الحدّ منها، إلى احتضانها من شرائح اجتماعية ميسُورة، لتصبح ظاهرة مجتمعية واسعة، وليست محدودة ومقتصرة على فِتيان الأحياء الفقيرة، بل قد تتحول إلى “فوبيا” اجتماعية.
ظاهرة “التشرميل” التي تعرفها المدن المغربية هذه الأيام، تزامنت مع ارتفاع نسبة الجريمة خلال الربع الأول من عام 2014، حيث أسفرت الحملات الأمنية عن توقيف 103714 مشتبها بهم، من بينهم 737 شخصا من أجل الحيازة والإتجار في المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية، ويقول الخبراء إن جميع هذه الظواهر الإجرامية على ارتباط وثيق بالوضع الإجتماعي والإقتصادي وأزمة التعليم في البلاد.