حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا … النقذ الذاتي …
مصطفى المتوكل / تارودانت
26 ابريل 2014
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر]
….وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )….
عند الحديث عن الانسان نستحضره كافكار وممارسات وتنظيم ومنهجيات للتدبير والتعامل مع ظروف العيش والشؤون الخاصة والمشتركة والعامة …وهذا يجعلنا نقف على الايجابي والسلبي في حياتنا بفعل تدخلاتنا ومبادراتنا .. وبناء على القيم والمعتقدات التي نؤمن بها وتنوع المرجعيات التي تجعلنا نتباين في تقييمنا لواقعنا وممارساتنا …مع العلم ان الجميع يدرك بالتجربة والملاحظة والمقارنة بين الصالح والطالح من الاعمال كما يميز بين السيئ والحسن من الاقوال والقرارات … وان ما يفسد الفطري في الانسان هو طغيان الذاثية والانانية والتعصب للراي وعدم القدرة على الاقرار والاعتراف بالخطا باعتقاد ان ذلك يضعف ويحط من قيمة الشخص او الجماعة ..والحال ان الاعتراف بالخطا كما يقال فضيلة لان التمادي في تجاهله هو عين التهور …
واذا سال كل واحد منا نفسه وقام بجرد ما بدر منه في يومه قبل غده وفي اسبوعه قبل شهره واستعمل ميزانا سليما وموضوعيا لتبث لديه انه اخطا مرارا دون ان يعير لفعله وانعكاساته اي اهتمام وكانه على حق طوال نهاره وليله ؟؟ولقد نبه النبي صلى الله عليه وحذر من الذنوب والاخطاء الصغيرة التي لايتم الانتباه لها … والتي ان تكررت ستصبح قاعدة تتحول الى ظلم وفساد عظيمين. .. وفي مثل هذا روي عن الإمام علي عليه السلام: ((شرُّ الأشرار من يتبجَّحُ بالشرّ))…معتبرا اياه رجولة وميزة وشطارة…ويعتبر الهمز واللمز والاساءات التحقيرية والتهكمية واحيانا انتهاك خصوصيات الناس بانها مجرد كلام ومنهجية للضغط على خصم او منافس او مجرد رد فعل انفعالي انتقامي ….
وتصنف بعض الذنوب من الصغائر اي أنها ما دون حدُ في الدنيا ولا حدُ في الآخرة،اي ليس فيها نص بوجود عقاب في الدنيا ولا نص بوجود وعيد في الاخرة …ولقد عرفها بعض الفقهاء بانها المحرمات التي ليست فيها عقوبة …وننقل هنا لطيفة لابن القيم رحمه الله وهي “.. أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر.. وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر..”
وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم ومُحَقّرَاتِ الذنوبِ أي صغائر الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن مُحَقّرَاتِ الذنوبِ متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه…”
ان المواقف التي نبنيها على انطباعات وتخيلات وافتراضات عن بعضنا البعض بترجيح شكوك او تصريف ردود افعال او تخيل وتوهم حتى المقربين منك بانهم مشاريع خصوم واعداء بناء على سوء الظن او تاثر بالقيل والقال وترويج الاشاعات الكاذبة التي تنقل عن عديمي الضمير والاخلاق ومحترفي اثارة الفتن .. او تصدر بشكل متعمد للانتقام باية وسيلة ولو كانت غيبة ونميمة …لاتؤدي الا الى الهدم والميوعة وخراب الامم والحضارات وتشتيت الجماعات والاسر …فالاعتقاد غرورا ان ايا كان فوق المحاسبة و المساءلة وانه لايخضع الا لارادته ورغباته معناه انه اضاع بوصلته اي ضميره وسلطة الرقابة الذاثية …ان محاسبة النفس وممارسة النقد الذاتي
يفترض ان تكون قبل الفعل والقول و بعده بالتاكد من رجحان صلاح ما سيقدم عليه والا بادر بتركه وتجنبه وعدم الاقدام على فعله .. قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.
ومن اوجه محاسبة نفسك سوء الظن بها وافتراض انك يمكن ان تخطئ في خياراتك .. او ان خيارات غيرك قد تكون انجع وافضل .. وان تتجاوز اخطاء غيرك وتبالغ في محاسبة نفسك على اخطائك..
…إن الخلاف والاختلاف الموضوعي و البناء لا يؤدي إلى اغلاق منافذ وابواب الحوار والتواصل ومقارعة الحجة بالحجة بشكل شفاف وواضح وصاف من ترهات الكيد والتحقير والاستهزاء ..انه يفضي الى استدامة تواصل انساني راق وحضاري يطلق عنان المبادرات التكاملية بدل التاسيس للقطيعة والهدم …فالكثير من الممارسات وردود الافعال تلوث البيئة الاجتماعية والسياسية وتقوي ثقافة العدمية والميوعة التي تمتد اثارها الى كل المجتمع واحيانا الى الامم المتنوعة ..فالحقد و الغضب والتكبر و الاستعلاء والرغبة في تحطيم الاخر و حُبُ الذات وغيرها مظاهر متعددة لاختلال واحد يهم النفس والذاث في علاقتها بنفسها وعلاقتها بالاخرين ….
…ان النقد مهم لارتقاء الأفراد و الجماعات وكذا تطوير المناهج والبرامج واليات العمل ،وتغييبه يضيع التصحيح والتقويم ويتسبب في ولوج متاهات الضلال والتضليل دون ايـــلاء اي اهتمام لعواقب الافعال على النفس والجماعة …
..إن تغييب النقد الصحيح يفسح المجال ليحل محله النقد الهدام او الاطراء النفاقي الذي يعتمد على الخداع من اجل الالهاء واغراق الناس في اخطائهم ومن ثم القضاء عليهم ..
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في المديح،، فقال “احثوا في وجوه المداحين التراب”
اننا ان اقدمنا على تسجيل اقوالنا وافعالنا في علاقتها بنوايانا كل يوم سنجد انفسنا امام رزمة من التجاوزات والاخطاء التي تصنف في باب الاساءات او المظالم او الحماقات …والتي لانولي لاثارها وانعكاساتها على الاخرين او المجتمع اي اهتمام .. والتي قد تكون وخيمة ومخيبة للامال ومسيئة ..
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ, فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ, وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً, كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ, فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ, فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ, فَيَجِيءُ بِالْعُودِ, وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ, حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا, فَأَجَّجُوا نَارًا, وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا))
و كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة)….
من هنا يمكن الجزم ان النقد الذاتي ومحاسبة النفس من اجل تقويمها واصلاحها مسالة ايمانية واخلاقية بامتياز .. وضرورة عقلانية اكذت عليها كل الديانات السماوية واعتمدتها كل المذاهب المتنورة عبر تطور الحضارة البشرية …ومن هنا كانت فضيلة الاعتذار والتسامح وجبر الضرر والدفع باللتي هي احسن واحترام الاخر من اوجه محاسبة النفس لتاذيبها وتقويمها ..
قال احد الرهبان – بتصرف في الصياغة دون اخلال بالمضمون – …((…انت محتاج ان تجلس الى ذاتك لتعرف اخطاء اللسان والفكر والحواس ومشاعر القلب واخطاء الجسد.. اخطاؤك ضد وصايا الله وضد الناس وضد نفسك ..لتصلح كل ذلك و لتدرس طباعك التي يحتاج بعضها ان يتغير …وايضا لتعرف الخطايا التي تتسمى باسماء الفضائل …))
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”