العمل الجماعي باب البناء الديموقراطي ….
=========================
مصطفى المتوكل / تارودانت
الاربعاء 30 ابريل 2014
يقول (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].
يقول – عز وجل -: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].
ويقول تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
وجاء في الحديث: “عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”
…من بين تعاريف العمل الجماعي : “كل تجمع منظَّم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة، وفِرَق عمل، وإدارات متخصصة …”
وعرف فريق العمل بانه ” مجموعة من الأفراد يتميزون بوجود مهارات متكاملة فيما بينهم ، وأفراد الفريق تجمعهم أهداف مشتركة وغرض واحد ، بالإضافة الى وجود مدخل مشترك للعمل فيما بينهم “.
… ان الإنسان كائن اجتماعي ومدني بطبعه، وهو لا يستطيع إلا أن يعيش في جماعة تتكامل مع جماعات اخرى في اتجاه وطني وانساني عالميين وفق الفهم للعوالم التي تدرك … ..، فالمجتمع بقيمه وعاداته وتقاليده وثراته وارائه ومنظوماته الفكرية وعلاقاته إلانسانية هو المجسد للحضارات والمعارف والمنجز والمتسبب في كل التطورات الايجابية والانكسارات … ومسيراته ارخت لكل ما نعلم ونقلت للمعاصرين الديانات والفلسفات والعلوم و….واصبحنا بعلم التاريخ نعرف الاسباب المباشرة وغير المباشرة للحروب والمعارك والصراعات وفق منهجيات ومقاربات نقدية علمية تغربل وتدقق بها العطيات والحقائق .. كما اصبحت لدينا في مشارق الارض ومغاربها قناعات مشتركة مستخلصة من تاريخ تعاون الانسان مع الاخرين وما نجم عنها من تقدم وتطور مطردين .. وما حدث من تمزق وتخلف واضرابات وازمات امتدت اثارها لاجيال واحيانا قرون بسبب غموض في الرؤى والفهم والتعصب وعدم الانضباط للجماعة/ الامة ولنا في صراع اصحاب الديانات منذ القدم اقوى الامثلة التي قسمت المسيحيين الى مجموعات كما قسمت غيرهم الى طوائف وشيع …
واذا اعتقدنا انفسنا محظوظين لاننا من المفترض ان نكون اكثر نضجا وخبرة لما بين ابيدينا من تقدم تكنولوجي وعلمي وتقني وفكري مقارنة مع من سبقنا من الامم .. فاننا بطرق تصريفنا لمعارفنا وخبراتنا في واقعنا العام المشترك فيما بيننا او مع غيرنا نبين اننا نتناقض احيانا مع الافكار التي نحمل او التي ندعي الدفاع عنها ونكون احيانا اخرى اكثر تخلفا وتحجرا وجهالة من اهل القرون الغابرة …
والمعلوم بالضرورة من الفطرة أن يكون الانسان كائنا اجتماعيا بطبعه يتفاعل مع المجتمع صلاحا و فسادا فيتاثر بهما ويساهم في ترجيح كفة احدهما على الاخر .. كما نقف في كل الحقب عى من ينبري كافراد او جماعات للقيام بالاصلاحات التي تقترح بدائل للواقع المراد تغييره سواء دينيا او فكريا او اقتصاديا او اجتماعيا …ومن المسلم به ان التغيير الاقوى او الافضل لايتحقق الا اذا انخرطت فيه الاغلبية وعملت من اجل انجاح كل المبادرات والخطط في اطار من التعاون والتكامل والتناصح وتبادل الخبرات … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى ))؛ رواه البخاري.
…لهذا عندما نقرا ونسمع ونتحدث ونمارس العمل الجماعي المؤسسي فاننا نبلور ونجسد شكلا من أشكال التعاون المبني على العمل التشاركي والعمل كفرق متخصصة متكاملة تحقق مشروعا موحدا وتبني مجدا مشتركا وتحمي مستقبلا بديلا…فالفرقة عندما تتفرد بنفسها بمعزل عن الفرق الاخرى التي تشكل معها جماعة ما تضع نفسها في تعارض واختلاف مع جوهر المشترك فتختل بعض الموازين فيتطلب الامر بسبب ذلك توفرجراة وشجاعة في مراجعة النفس وتقويم الاقوال والافعال وتصحيح المسارات واختيار العمل ضمن المجموعة الام لان في ذلك ضمانا لنجاح الجميع لان القصد والهدف مشترك ولو اختلفت السبل وذلك يتطلب التواضع وحسن الاصغاء وعقلنة التنازلات والتوافقات .. ولنا في تجارب المذاهب والامم امثلة لاتعد ولا تحصى ..
… ان المؤسسات الجماعية تُتَّخذ فيها القرارات بشكل جماعي في اطار ديموقرا طي وليس بشكل انفرادي سواء همت مجموع جماعات المجموعة او افرادها وفْق ضوابط وآليات متوافق عليها تحدد سلطة الرقابة والانضباط الفردي والجماعي والتزام القيادات….
…ان أهمية العمل الجماعي ترتبط جدليا بالقدرة على التفكير الملموس انطلاقا من الواقع الملموس ..كما ينبني على الإيمان بالمبادئ والأهداف المشتركة بين افراد الجماعة ..والاقتناع باهمية التعاون مع الجماعات التي تشترك معها في بعض الاهداف او الافكار بل وحتى التي تمتلك بدائل مغايرة لها بشرط ايمان تلك الفرق بقواعد الديموقراطية و بالحق في الاختلاف والتنوع …والعمل بالجماعة يتطلب انتاج واختيار قيادات وطنية ومحلية وقطاعية تسهر على انجاح الادارة الجماعية للمشترك افقيا وعموديا بتقدير لثقل المسؤولية والامانة الملقاة على الجميع في احترام لروح العمل والمبادرة وحماية للنظم والضوابط المجسدة لتشكل الجماعة وتماسكها …ونجاح قادتها يكون بدينامية الافراد المشكلين لفرق الجماعة التي تنتج القادة ...ان ممارسة العمل الجماعي لا بد أن تنبثق عن ايمان واقتناع ذاتي نظري وتطبيقي وإلا يصدق على مدعيها قوله تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).
… ان العمل الجماعي يفترض علميا ومنطقيا ان يعلم الأعضاء جوهر التفاوض وحسن الاستماع والفهم وليس الإصرار على الاختلاف والتعصب للراي والاعتقاد …
ان المغزى من اجتماع الناس هو أنجاز الاعمال بروح الفريق الواحد المتكامل – رغم الاختلاف – والذي تكون فيه مصلحة المجموعة / المؤسسة فوق مصالح الافراد ، مع الاعتراف لهم بحقوقهم الادبية والعملية ….
ان اختلال العمل داخل الاسر يفسدها ويفسد المجتمع ..كما ان تفكك التكامل بالاسر الدينية والسياسية – الاحزاب والمؤسسات العامة – والاجتماعية – النقابات – يضعف الثقة ويمزق اللحمة الانسانية ويزرع بذور الانهيار حتى بالدول العظمى …
لهذا ارتكز ديننا الحنيف على منهجية تركيبة ثلاثية المرتكزات لضمان الصلاح والنجاح…اصلاح النفس وتقويمها ومحاسبتها وتهذيبها .. واصلاح الاسرة وتخليقها وتقوية تماسكها واصلاح المجتمع ومؤسساته تبعا لذلك باعتماد التعاون والتكامل والتناصح و…..ونستدل في هذا الباب في ختام هذه المقالة بالنصوص التالية ..
“مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [أخرجه مسلم].
…وقال عليه الصلاة والسلام: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”.
..وقال: “يد الله مع الجماعة”.
..و خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية، فقال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين ابعد، ومن اراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة…..