هناك حكمة هندية قديمة تقول أن الرجال الشجعان يخافون المجهول الذي قد يضر أطفال ونساء وعجائز وأرامل القرية…ولهذا يستشيرون حكماء القرية في أي الحلول أقل خسارة. ليس المهم هنا شجاعة الرجال ما دامت قادت الكل الى الهزيمة ولكن الأهم هنا صمت الحكماء. ينطبق الأمر على كل وضعيات الهزيمة…سواء تعلق الأمر بالقبيلة أو العشيرة أو الدولة أو الحزب أو الزواج أو الحب أو الوطن…فللهزيمة عنوان واحد كما يصفها الكبير لوركا. لا يكذب تاريخ المغرب عندما يجعل من الاتحاد الاشتراكي وطنا…ويجعل من تاريخه بارومترا لقياس حرارة الوطن وبرودة جسمه.وليس خافيا أن من يقول لا للحكم الفردي أكثر من يكتوي بنار الوطن ولوعته. من المؤكد في الحزب وفي الدولة حكماء يعرفون تماما أن لا منفعة نهائيا من وجود وطن بدون اتحاد اشتراكي…مثلما أنه لا فائدة من اتحاد اشتراكي متحكم فيه…فالاتحاد عنوان لوطن من الرفض وخارطة من الألم والبؤس والاعتقال والاغتيال حتى…وقبس من الأمل والاشراق و الجمال… الاتحاد بدون شك رواية من الأمل وحكاية من الحياة عندما يكتب الاخرون أسفارا من اليأس ومرثية من زمن القتل… الاتحاد ليس على يمين الدولة…وليس على يمين الأوليغارشية…وليس جسدا متيما في حب اللاهوت…وليس متمرغا في بطانة السادة…وفي أنفاس وشهقات وزفرات وحركات وسكنات أفراده،رغم كل الارتخاء الذي يتخلل العزائم، نفس و كلام وقلق وتوتر من سفر المهدي وعمر وكرينة والفقيه البصري وسباطة والروداني وشيخ العرب… لا يمكن لكتبة تاريخ اللاتاريخ أن يمحوا من استباقاتهم مكر التاريخ…وتقضي حكمة التاريخ أن بلوغ الروح المطلق لا يكون الا بدولة عاقلة…دولة تتعالى عن التجزئ والحساسيات والقبلية…دولة لا ترسمل الأفق وتلغي أنفاس الشعوب. أيها الحكماء في عمق دولة المجتمع المدني كما يصفها هيجل، وفي حاشية الاستبداد كما بصفها الكواكبي، وفي أيالة القوس المغلق كما يصفها الزياني… لا تقلقوا ان تحدثنا في الارث ودخلنا الحقل المسيج… لا تقلقوا ان قلنا بضرورة الملكية البرلمانية… لا تقلقوا ان أوحينا الى جبهة اجتماعية وثقافية موحدة التأمت يوم 6 أبريل… لا تقلقوا ان رحلنا في عطلة شتوية الى بلاد الباسك ندخل حقولا بدون اذن ولا عذر… اسمحوا لنا ففينا شيء من كونية المهدي ومتيمين بالسفر في قاراته الثلاث بجواز سفر منظمة كونية أسسها وخط حروفها بدمه في 29 أكتوبر 1965… لا تقلقوا ان قلبنا منهج التاريخ واستبدلنا أسلوب الانقسام والتفتت بأسلوب التجميع والتوحيد… لا تقلقوا ان كتبنا ولادة جديدة للكتلة الوطنية… لا تقلقوا ان لوحنا بالكتلة التاريخية… لا تقلقوا ان أعدنا المشروع وصنعنا صورا مصغرة من الجابري وجسوس والعروي وبرادة وسبيلا والحيمر والاخرين… لا تقلقوا ان جرتنا مدافعة الاسلام السياسي الى القول بفصل الدين عن الدولة… لا تقلقوا ان قلنا بأن العلمانية والدولة المدنية هي مستقبل الدولة المغربية… لكل هذا نلتمس من حكماء دولة العمق أن ترحم الاتحاد الاشتراكي وأن ترحم الوطن… لقد أضعفنا زمن الرداءة هذا…وأضعفنا أن مصير وعينا بين أيديكم أنتم بالضبط… نقول لكم اننا خاطئون في كل أحلامنا الطفولية…فأنتم ناضجون بما يكفي لتغفروا لنا خطايانا وزلاتنا ومراهقتنا المبكرة والمتأخرة… لا تدعونا ننمحي من التاريخ…خوفا من أن نصبح جزءا من مخيال الناس…وهل أزال الرصاص بسمة الحب وباقة الياسمين وايات المصحف من مصاحف الحب ونشوة الايمان… وأنتم حكماء الحزب لا تذخروا جهودكم رغم حصيد المعاول وأطنان الألم الذي يعتصركم… من حكمتكم يشرق الأمل… باسمكم نقول لمن يمسك ممحاة… ومسدسا… و هدية… و تأشيرة… و جواز سفر… وأمرا لترحيل الاتحاد الاشتراكي خارج التاريخ و خارج الوطن وخارجنا…أنك تخطئ في حق الوطن…وفي حق أبنائه وبناته… ونقول لك على لسان الكبير عبد الرفيع الجواهري… ما طوينا الكتاب…طوبى لكم ألمنا… للاخرين *هي شدة وتزول* كالاخريات التي اختبرها جسد الحزب منذ 1959…