العقل “الإسلامي” الانقسامي
الاثنين, 07 أبريل 2014
كتبنا، في مناسبات مختلفة، ما يفيد بأن “الإسلام الحزبي” مذهبي، وأنه يحمل رؤية مذهب بعينه إلى الاجتماع السياسي لا رؤية الإسلام عموماً كما يدعي . ولاحظنا كيف أنه ينتهي، بهذه النظرة المذهبية الانقسامية والبعيدة
عن الجامع التوحيدي الإسلامي، إلى التأسيس مجدداً لمنازعات، لا حصر لها، بين المسلمين على السلطة والثروة والمعنى (الحقيقة)، على النحو الذي عاينا فصوله الدراماتيكية، في السنوات الأربعين الأخيرة، في المجتمعات العربية متعددة التكوين الطائفي والمذهبي، مثل مجتمعات المشرق العربي .
لم تفصح مذهبية “الإسلام الحزبي” عن نفسها منذ البدايات، ضوت في كلية دينية (إسلامية) أخفاها التقابل الصراعي الذي اشتد، لفترة طويلة، بين “الإسلاميين” والعلمانيين، ثم بينهم وجماعات دينية عربية أخرى كالمسيحيين . هكذا أخفت النزاعات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين (في لبنان والسودان ومصر) مذهبية “الإسلاميين” فقدمتهم في صورة جماعات يحركها وازع ديني إسلامي عام، مثلما نظر إلى الصراع “الإسلامي” – العلماني بوصفه صراع قوة تلتزم الإسلام مرجعية في نظام الحكم مع قوة تنازعها في شرعية إخضاع الدولة للدين . وفي الحالين، ساد اعتقاد أننا إزاء فريق في المجتمع تحركه إرادة إنفاذ سلطان الإسلام في المجتمع والدولة، ولم نكد ننتبه – إلا متأخرين – إلى أن الوازع المذهبي، لدى ذلك الفريق، بتنويعاته المختلفة، أظهر من أي وازع آخر .
لسنا نتحامل على “الإسلام الحزبي” حين نقول إنه قدم المساهمة الأخطر – إلى جانب التدخل الكولونيالي – في تفجير تناقضات البنى الاجتماعية للمجتمعات العربية، وتوليد انقساماتها الطائفية والمذهبية، بإدخاله العامل الديني، كعامل ممايزة ومفاصلة، في السياسة والعلاقات العامة، بدلاً من العامل الوطني – المواطنين كعامل جامع بين أبناء الوطن جميعاً على اختلاف انتماءاتهم الدينية .
وإذا كان الثمن المدفوع، في بعض تلك المجتمعات، لقاء تحكيم روابط الدين أساساً بديلاً من روابط الانتماء الوطني، ثمناً باهظاً ودموياً أحياناً (في البلدان التي شهدت حروباً أهلية طائفية)، فهو لم يكن أقل كلفة في بلدان أخرى أصرت فيها قوى “الإسلام الحزبي” على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، في النظام السياسي والاجتماعي، غير آبهة بوجود جماعات اجتماعية أخرى في الوطن تدين بعقيدة أخرى غير الإسلام . وهي، وإن لم تكن قد ذهبت بمطالباتها إلى حدود حمل السلاح في وجه خصومها، أسست للشعور بالغبن والمظلومية لدى غير المسلمين من المواطنين، ورفعت من معدل المخافة لديهم، وأطلقت في الحياة العامة حالاً من الاحتقان غير عادية (على مثال ما حصل في مصر ويحصل) .
ولم تكن هذه النظرة الانقسامية إلى الاجتماع الوطني، من قبل قوى “الإسلام الحزبي”، بقسمة ذلك الاجتماع على أساس طائفي (ثنائية مسلمين/مسيحيين)، وإطلاق صراعات سياسية على ذلك المقتضى، إلا المقدمة الطبيعية والموضوعية للانتقال إلى أطوار جديدة من الصراعات الأهلية والانقسامية، التي تمثل الصراعات المذهبية، اليوم، أظهر ظواهرها وأخطرها، فالبنية الطائفية الموحدة شكلاً وإيديولوجيا، تحت عنوان الإسلام، سرعان ما يدب الانقسام إليها فتتجزأ إلى مذاهب متقابلة . . ومتقاتلة! وهو عين ما حصل منذ عقدين فاستفحل أمره في السنوات الأخيرة: في لبنان والعراق وسوريا واليمن مثلما حاله كانت في باكستان وأفغانستان ونيجيريا .
تتوحد الطائفة الواحدة لا لأنها موحدة، ولكن لأنها في مواجهة آخر (طائفة أخرى) يبعث في جسمها عناصر التماسك . ولكن ما إن ينتهي الاستقطاب الطائفي (بين طائفتين أو أكثر)، حتى تلتفت الطائفة الواحدة إلى داخلها المأهول بالقوى المذهبية، فيتفرغ فيها بعضه لبعضه في جولات من الاقتتال أشد . وقد يكون هذا، أيضاً، مجرد مقدمة لانقسام جديد: داخل المذهب الواحد عينه، حيث يقع التنازع فيه على من يمثل المذهب، بعد أن خيض التنازع – قبلاً – عمن يمثل الطائفة . هذا ليس من قبيل الافتراض، إنه من صميم الواقع المعيشي، كم من مذهب تشظى، اليوم، إلى أحزاب ومليشيات تتقاتل على من يحتكر القرار فيه . هذا واحد من معطيات الحصاد المر ل “الإسلام الحزبي” ومشروعه الانقسامي .
عن موقع التجديد العربي