التصريح الحكومي
المقدم من لدن
الوزير الأول الأستاذ عبد الرحمن يوسفي
أمام مجلس النواب
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
إرادة التغيير
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن العالم يعيش اليوم على عتبة عهد يعنون لميلاد مجتمع جديد يرتكز على حقائق اجتماعية وسياسية واقتصادية
وتكنولوجية وثقافية تعرف تحولات مستمرة وسريعة. وإننا ونحن نتوجه إليكم في هذه اللحظة، نقدر حق التقدير أهمية
الجهود التي بذلتها بلادنا، والتقدم الذي أحرزت عليه منذ استرجاع استقلالها، تحت قيادتي جلالة المغفور له محمد
الخامس طيب الله ثراه، ووارث سره صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله وأمد في عمره. ولقد استطاع
المغرب بفضل تبصر وبعد نظر صاحب الجلالة، وبفضل شجاعة وتضحيات الشعب المغربي أن يواجه متطلبات الدفاع
عن وحدته الترابية وإرساء توازناته الأساسية دون الإخلال بتنميته الاقتصادية وتماسكه الوطني.
وإننا نقدر كذلك، وبنفس المستوى، أهمية العمل الذي يتعين على بلادنا أن تقوم به لتتمكن من ولوج عالم القرن
الحادي والعشرين بأقدام ثابتة، سلاحها في ذلك تراثها الروحي والثقافي والمؤسساتي، وعدتها ثرواتها الطبيعية وطاقتها
البشرية.
وتشكيل حكومة التناوب بالمغرب في هذه الظرفية يعتبر محطة تاريخية في مسار تجديد حياتنا السياسية الوطنية،
تأتي بعد مسلسل طويل ومتزن يجسد الإدارة الوطنية في التغيير والتقدم.
وهنا يجب التأكد على أن هذه الإدارة هي أولا وقبل كل شيء، إرادة صاحب الجلالة أيده الله، بتجاوب عميق مع
تطلعات الشعب المغربي والقوات السياسية التي ناضلت من أجل بلوغ هذه الغاية. وهذا ما يشكل أحد العوامل الإيجابية
الأساسية التي تتوفر عليها الحكومة لإنجاز ” الميثاق من أجل التغيير”، الذي يعتبر صلب البرنامج الحكومي الذي أتشرف
بتقديم خطوطه العريضة أمامكم، موجها من خلال مجلسكم الموقر، نداء حارا لكل القوات الحية بالبلاد من أجل التعبئة،
حتى نجعل جميعا من مشاريعه حقيقة ملموسة على أرض واقع الغد القريب.
التكيف دون التنكر
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إذا كان عالم اليوم يتسم بالنزعة المتصاعدة نحو الانفتاح الشامل للاقتصاديات والمجتمعات، وتماثل
نماذخ السلوكات، فإن على المغرب، أكثر من أي وقت مضى، أن يتكيف مع مقومات المجتمع الجديد، مجتمع الإعلام
والمعرفة، حتى يأخذ المكانة اللائقة به من حيث التحكم في التكنولوجيات الجديدة والمجالات الاقتصادية المتقدمة،
ويستوعب قيم الحداثة مع الحفاظ على مقوماته الثقافية والحضارية وهويته التي صيغت عبر القرون، من خلال
تراكمات ساهمت فيها الحضارات الأمازيغية والعربية والإفريقية، وتشبعت بتعاليم الذين الإسلامي الحنيف، مما أفرز
إنسية قوامها التسامح واحترام الغير، والتضامن، والاعتداد بالاجتهاد، والطموح إلى التقدم والرقي.
وهكذا فإن أول التحديات التي علينا جميعا أن نواجهها مع مطلع القرن الجديد، هي تأسيس عصرنة بلادنا، سياسيا
واقتصاديا واجتماعيا، على القيم التاريخية التي تشكل هويتنا الحضارية، والتي لا تتنافى بكل تأكيد، مع القيم الإنسانية
المتعارف عليها دوليا في العالم اليوم.
أولوية الأولويات : وحدتنا الترابية
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن أولوية الأولويات بالنسبة للحكومة، تتجسد في قضية وحدتنا الترابية. وهي كما تعلمون، موضوع إجماع وطني
شامل. وأود هنا أن أتقدم أمام مجلسكم الموقر باسم الحكومة، بتحية إكبار وإجلال لصاحب الجلالة الملك، أمير
المؤمنين، الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، على ما فتئ جلالته يقوم به من أعمال
لصالح عزة بلادنا والمحافظة على حدودها وأصالتها.
كما أود أن أعبر عن تقديرنا العميق للقوات المسلحة الملكية، تحت القيادة السامية لقائدها الأعلى جلالة الملك
نصره الله، وكذا لقوات الدرك الملكي ورجال الأمن الوطني والقوات المساعدة، على التفاني والشجاعة وروح التضحية
التي ما فتئت تبرهن عليها في سبيل الدفاع عن وحدتنا الترابية كما أتوجه إلى الله العي القدير كي يتغمد برحمته كل
الشهداء، مدنيين وعسكريين، ممن وهبوا حياتهم دفاعا عن الوحدة الترابية لبلادنا.
وإن ما ستحرص الحكومة على بلوغه في هذا الميدان، هو الإغلاق النهائي لملف الصحراء المغربية، وذلك
بالاعتراف الذي لا لبس فيه، بالسيادة الوطنية على هذا الجزء من أرضنا من لدن المجموعة الدولية.
إن هذا الملف، كما لا يخفى عليكم، يمر اليوم بمرحلة دقيقة نتيجة الإجراءات التطبيقية لمخطط التسوية الأممي
الرامي إلى تنظيم استفتاء بأقاليمنا الصحراوية.
وإننا لعلى يقين بأن الاستفتاء لا يمكن إلا أن يؤكد مغربية هذه الأقاليم، لأن هذه هي حقيقة الجغرافية والتاريخ
وإرادة السكان المعنيين، الذين تربطهم بالوطن الأم أواصر الانتماء والبيعة للعرش العلوي المجيد ومع ذلك فإن الحكومة
ستسهر، بتوجيه من صاحب الجلالة، على تطبيق مسلسل التسوية المتفق عليه تحت سلطة الأمم المتحدة، دون تحريف
أو تماطل، وعلى ضمان الحق الشرعي في المشاركة في الاستفتاء لكل مواطنينا الصحراويين بدون استثناء.
حضرات السيدات والسادة،
لقد دأبت بلادنا في نفس سياق استكمال وحدتنا الترابية، على مطالبة إسبانيا بمراجعة موقفها المتعلق بحق المغرب
في الأراضي المحتلة بكل من سبتة ومليلية والجز المجاورة. وسنواصل العمل لكي ترجح إسبانيا في تعاملها معنا، الحق
والعدل، والحفاظ على علاقات الصداقة وحسن الجوار التقليديين بين شعبينا، وذلك بالاستجابة لنداء صاحب الجلالة،
وفتح باب الحوار والتشاور في إطار اقتراح جلالته بتشكيل خلية للتأمل.
منهجية جديدة للتدبير الحكومي
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن على الحكومة اليوم، أن تواجه تحديات ذات بعد تاريخي، وفي ظرفية تتسم بتطلعات اجتماعية متعددة وملحة.
فإصلاح الإدارة والعدل، والنمو وإحداث مناصب الشغل، وتأهيل تنافسية النسيج الاقتصادي، والتحكم في التوازنات
والانفتاح، وإصلاح النظام التربوي والاندماج في مجتمع الإعلام، والتضامن والعدالة الاجتماعية، تشكل جميعها ركائز
لمواجهة تلك التحديات وهذا ما يتطلب مقاربة جديدة للتدبير الحكومي.
على أن الاستجابة لهذه التطلعات المتعددة تتطلب عملا ذا نفس طويل يرتكز على منظور استراتيجي ومنهجية
شمولية، أو تتطلب بعبارة أخرى، رد الاعتبار للتخطيط، وذلك على أسس جديدة لا تستهدف الإلزامية والتأطير، بل
تستهدف توفير أسباب الإحاطة بالسمات المميزة العميقة للظرفية العامة والتوجهات المتحكمة فيها، مما يمكن الدولة
وجميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من تقييم رهانات المستقبل والإحاطة بتطورات المحيط.
وهكذا فإن منهجية الحكومة ستكون شمولية تبدأ من التعرف الدقيق على المجال، في نطاق سياسة إرادية لإعداد
التراب، قائمة على اللاتمركز واللامركزية والجهوية. وستقترب الإدارة في نطاق هذا المنظور، من الأرض ومن
المواطنين أكثر من أي وقت مضى، مما يفرض إعطاء المسؤولية للجماعات اللاممركزة، وترجيح مبدأ التشارك مع كل
الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، ضمانا للوضوح والمسؤولية اللذين يشكلان أساس الثقة الدائمة.
وستسعى الحكومة بصفة عامة، إلى تعزيز الآليات والمؤسسات الكفيلة بتعميق وتوسيع مجال دمقرطة الحياة
الاجتماعية والسياسية لبلادنا. وستضع حيز التنفيذ، تطبيقا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة، وبتشاور مع جميع
المكونات السياسية، كل المبادرات التي تمكن البلاد من تحسين طريقة التعبير في الاقتراعات على المستوى الوطني
والمحلي، وإبعاد كل مصدر للاعتراض السياسي على نتائجها بصفة نهائية.
تخليق الحياة العامة
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن إصلاح الإدارة وعصرنتها يشكلان هدفا أساسيا لعمل الحكومة. وإن طموحنا في هذا الميدان هو أن نساعد على
أن تصبح إدارتنا إدارة فعالة منكبة على مهامها الحيوية، متوفرة على موارد في مستوى حاجيتها الحقيقية، مهتمة بتقديم
خدمات عمومية جيدة وبأقل تكلفة، منصتة باستمرار لمحيطها.
ولهذا الغرض فإن إعادة تنظيم الهياكل الإدارية، والانخراط الكامل في تطبيق اللامركزية، ومحاربة التعقيد والبطء،
وإقامة علاقات جديدة بين الإدارة والمواطن، تشكل الركائز الأساسية للبرنامج الحكومي.
وستنكب الحكومة على إعادة النظر في نمط تدبير الموارد البشرية في الوظيفة العمومية على أسس عقلانية، وذلك
تحسنا لأداء الإدارة، وضمانا للتحكم في حجمها، وتوفيرا لشروط تدبير عمومي حديث.
وسيعتمد هذا المجهود على الكفاءات الحقيقية التي تزخر بها إدارتنا. كما سيتبلور في التزام كل أعضاء الحكومة
بتجسيد إرادة التغيير هذه في العمل اليومي للمصالح. وهذا هو أساس ميثاق حسن التدبير الذي سيجمع بين أعضاء
الحكومة ويلزم الإدارة ويحدد مسؤولية كل واحد.
وطبقا لهذا الميثاق ، سيتمحور عمل الوزراء حول ثلاثة منطلقات :
– منطلق أخلاقي، بالدعوة إلى محاربة كل أشكال الانحراف واستغلال النفوذ والتسيب.
– منطلق الترشيد، بالدعوة على تدبير الأموال العامة وفق مبادئ الدقة والشفافية والاقتصادية.
– منطلق التواصل، القائم على الإنصات للمواطن والمقاولة، وعلى تقديم أفضل الخدمات المطلوبة.
وفي نطاق هذا البرنامج، ستتخذ الحكومة التدابير الرامية إلى إلغاء الامتيازات، وتجميد الأجور العليا، في انتظار
مراجعة وترشيد نظام المرتبات بالوظيفة العمومية وفق معايير منسجمة تعتمد على قيم العدالة والاستحقاق والمردودية.
وسنقوم بهذه الإصلاحات باعتماد الحوار والتشاور، وبالذات، في إطار المجلس الأعلى للوظيفة العمومية.
حضرات السيدات والسادة،
إن كل ديمقراطية حريصة على احترام قواعد القانون، لا يمكنها أن تقبل أن يحوم الشك حول قدرة العدالة على
الشفافية والإنصاف وسرعة القضاء، مما يقتضي من بلادنا أن يصبح المتقاضي فيها موقنا بأن الجميع سواء أمام القانون.
ولهذه الغاية فإن ورش إصلاح العدل سيشغل مكانة متميزة في العمل الحكومي. وسنعمل بالحزم الضروري على
تكريس الأخلاق المهنية وتحديد قواعد التعامل والمسؤوليات، تطبيقا للتوجيهات السامية التي تضمنتها الرسالة الملكية التي
وجهها صاحب الجلالة أيده الله إلى المناظرة التي عقدها المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الأربعين لميلاده، حيث يقول
جلالته :
إذا كان بذل العدل لرعايانا الأوفياء يتبوأ مكان الصدارة ضمن أولوياتنا، ويظل حاضرا باستمرار في غمار
انشغالاتنا، فما ذلك إلا ليقيننا بأنه من مقومات التماسك الاجتماعي، وأن عامل حاسم لتعميق الديمقراطية في المجتمع،
ودعامة أساسية لترسيخ دولة القانون. وعلاوة على ذلك فإن التحولات التي يعرفها عالمنا المعاصر، ومن ضمنه
المغرب، تدعونا إلى توسيع منظورنا للعدالة، لا من الناحية الخلقية والسياسية والاجتماعية وحسب، ولكن كذلك من حيث
تنامي دورها الاقتصادي، ومن حيث الوعي بإسهامها في التنمية انتهى كلام صاحب الجلالة.
لقد قامت الحكومة السابقة ، بتوجيه من صاحب الجلالة أيده الله، بعمل قيم لتجديد القانون المغربي في ميدان
القضاء وستتابع الحكومة خطة التجديد هذه بتخصيص عناية كبرى لتناسق القوانين وملاءمتها مع المحيط الاجتماعي
والثقافي، والعمل على استيعابها من طرف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، والسهر على أن تجد ترجمتها الملموسة
في الممارسة القضائية.
وستعمل الحكومة يدا في يد، مع كل مهن ومكونات قطاع العدل على خلق تعبئة وطنية حول برنامج لإصلاح
وتخليق نظامنا القضائي.
وفي هذا الاتجاه، فإن العزم مستقر على رفع كفاءات إدارة العدل وتحسين تنظيم العلاقات بين الإدارة المركزية
ومؤسسات العدل، وتقوية المفتشية القضائية، وتعزيز التغطية القضائية للمتقاضين، وإيلاء أهمية كبرى لتكوين القضاة
والمساعدين القضائيين، وتيسير اللجوء إلى القضاء، وإحداث نظام لقضاة التنفيذ في الميادين المدنية والجنائية، ووضع
مدونة جديدة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، وتعزيز تجربة المحاكم الإدارية والتجارية، وتحسين الظروف الإنسانية
والمعيشية داخل السجون.
حضرات السيدات والسادة،
إن الدفاع عن حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، يشكل إحدى التوجهات الرئيسية للحكومة. وفي هذا
الإطار، فإنها ستجعل من تحرير مواطنينا المحتجزين في معتقلات الحمادة وتندوف، أولوية كبرى كما ستولي اهتماما
خاصا لاحترام حقوق مواطنينا القاطنين بالخارج.
هذا وستعمل الحكومة على تعزيز تعاونها مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والهيئات غير الحكومية المعنية،
وبالذات، في اتجاه التسوية النهائية للحالات المعروضة على المجلس المذكور، والتي ما زالت عالقة على مستوى التنفيذ.
وستسهر الحكومة كذلك على ملاءمة القوانين المغربية مع المواثيق الدولية. كما ستعمل في اتجاه إنعاش ثقافة حقوق
الإنسان، وإحداث مراكز متخصصة للبحث، وبالأساس، في ميدان المساعدة القضائية والإرشادات لصالح النساء
والأطفال.
وستساعد الحكومة على إحداث مركز دولي لحقوق الإنسان بالمغرب ، بشركة مع منظمة الأمم المتحدة.
تنشيط الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن نموا اقتصاديا مرتفعا ومستديما ومنتجا لمناصب الشغل سيكون أحد أولويات أهداف الحكومة. ويكتسي هذا الهدف
حيوية متزايدة مع التزامات المغرب الدولية والجهوية التي تضع بلادنا ضمن ديناميكية تتطلب منه التحكم في انعكاساتها
الاجتماعية واستثمار نتائجها الاقتصادية.
وتبعا لذلك فالتنافسية أصبحت اليوم مطلبا حيويا. ولذا فإن تأهيل مختلف مكونات نسيجنا الإنتاجي سيكون أحد
الأوراش المستقطبة لاهتمامات جميع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين المطالبين اليوم بتجاوز كل أشكال التردد
والانتظارية، وبالمساهمة في تنشيط الاقتصاد الوطني.
إن النمو القوي رهين قبل كل شيء، بمستوى الاستثمار. وإذا كانت المقاولة مكانا لإنتاج الثروات، فإنها في نفس
الوقت، فضاء للحياة والعلاقات الاجتماعية. ولذا ستعمل الحكومة على تنمية آليات للتشاور المؤسساتي بين الشركاء
الاقتصاديين والاجتماعيين، لفائدة النمو والمنافسة والتشغيل وامتصاص العجز الاجتماعي، بقصد خلق جو من الثقة
والشفافية والرؤية الاقتصادية الكفيلة برفع مستوى الاستثمار.
ولهذه الغاية، سنضع استراتيجية للنمو تعتمد على اختيارات قطاعية تستهدف تحسين فعالية النسيج الإنتاجي وجعله
أقل خضوعا للتقلمات المناخية . وترتكز هذه الاستراتيجية على سياسة لإنعاش الصادرات وتنمية السوق الداخلي، وذلك
على أساس توسيع وتنويع العرض، وإعادة تحديد الإجراءات التحفيزية، وترشيد نظام المبادلات الخارجية.
وسيرتكز نظام تحفيز الاستثمار الوطني والأجنبي على تبسيط المساطر، وتوضيح طرق تنفيذ ميثاق الاستثمار،
وإنشاء جهاز وطني كمخاطب وحيد للمستثمرين.
وستتابع الحكومة من جهة أخرى، بتشاور مع الفاعلين المعنيين، تجديد النصوص القانونية بهدف تحسين المناخ
المؤسساتي والتنظيمي للمقاولة، وملاءمته مع المعايير الدولية، خاصة في ميدان المنافسة وحماية المستهلك، واحترام
الملكية الصناعية، وملاءمة مدونات الجمارك والشغل والتأمينات.
وستعمل الحكومة على تعزيز الجهود المبذولة لتأهيل المقاولة مع الحرص على وضع وسائل الدعم الملائمة لها في
مجالات التمويل وتوفير الضمانات، والتكوين والتأهيل، وخدمات الاستشارة والهندسة، ونظام توحيد المعايير والجودة.
كما ستعمل على تحسين وتقوية التجهيزات الأساسية، وعلى الخصوص، في ميدان المجمعات الصناعية والمناطق الحرة
والمراكز التقنية القطاعية، وكذا التحكم في كلفة العوامل المادية للإنتاج.
والحكومة عازمة من جهة أخرى، على إتمام برنامج الخوصصة في إطار الشفافية والسرعة. وستسهر على أن يتم
توجيه الموارد المحصلة عن طريق الخوصصة إلى الاستثمار وإلى تحديث الهياكل.
وستقوم الحكومة بسياسة لتطهير وتجديد القطاع العمومي بالاعتماد على التعاقد مع المؤسسات والشركات العمومية
حول برامج تمكن من إدماج نشاطها في إطار الاستراتيجية الحكومية، وتقييم أدائها وتحديد مسؤوليات التسيير والمراقبة
بها.
والحكومة عازمة كذلك على إصلاح النظام البنكي والمالي بغية تعبئة أفضل للادخار، وتسهيل حصول المقاولات،
وعلى الخصوص، الصغرى والمتوسطة منها، على موارد تمويل متنوعة بشروط مشجعة.
توسيع هامش التصرف في الميزانية
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن الحكومة عازمة على تأسيس برامجها على أرضية مالية متينة تحترم مقتضيات التوازنات الاقتصادية والمالية
والإجمالية.
1998 ، فرصة لتدارس الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بكيفية دقيقة وشاملة. – وسيتيح لنا القانون المالي لسنة 99
وسيكتسي القانون المالي هذا بالضرورة صبغة انتقالية، ستعمل الحكومة من خلاله، رغم هشاشة المالية العمومية،
على توسيع الهامش المالي الممكن استثماره بقصد تعديل المسار في اتجاه الأهداف المسطرة في البرنامج الحكومي.
وسيتم بلوغ هذا الهدف عن طريق العمل على تبسيط النظام الجبائي وملاءمته مع مقتضيات انقراض الحمائية الجمركية،
والعمل على استقراره على المدى البعيد. كما سيتم بلوغه عن طريق توسيع الوعاء الضريبي والمحاربة المنهجية للتملص
والغش، في أفق التخفيف من العبء الجبائي وإقرار عدل ضريبي أفضل.
ولنفس الغرض، سيتم إنعاش ثقافة جديدة مرتكزة على اقتصاد في النفقات العمومية في اتجاه تخفيض وتيرة إنفاق
الدولة، بمحاربة التبذير، في ميدان نفقات التسيير، وتحديد معايير وضع النفقات العمومية وتحسين فعالية هذه النفقات
وأدائها الاجتماعي، ومحاربة الرشوة والإمتيازات.
وموازاة لذلك، ستعمل الحكومة على توضيح وتخليق مساطر إبرام الصفقات العمومية، وعلى إشراك أكبر للفاعلين
المغاربة. وهي عازمة كذلك على تجميع حسابات ميزانية الدولة، وكذا تقوية المراقبة البرلمانية في مجال تنفيذ النفقات
العمومية.
وستدبر الحكومة الدين الخارجي بغية تخفيف عبئه على ميزانية الدولة، عبر استراتيجية تعتمد كل التقنيات المتاحة
لمعالجة الديون. ستعمل على تعبئة أكثر فاعلية للدعم المالي من مختلف المصادر الخارجية.
نظام تربوي وثقافي، عصري،
مندمج، عادل ومؤهل
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن ربح رهان الحداثة يقتضي ثقافة جديدة يحتل فيها العنصر البشري موقعا مركزيا.
ولقد أكد صاحب الجلالة أيده الله في خطاب العرش ليوم 3 مارس 1998 على “انشغال جلالته الكبير” بضرورة
إصلاح نظام التعليم الذي لم يعد يساير متطلبات العصر، كما قال جلالته قبل أن يضيف لقد أصبح من الضروري القيام
بمجهود جماعي في إطار المجلس الأعلى للتعليم ، هذه المؤسسة الدستورية التي سنعمل على تفعيلها بعد أن نتوصل
باستنتاجات اللجنة المختصة التي سنكونها عما قريب (انتهى كلام جلالة الملك).
وتبعا لذلك، فإن عمل الحكومة سيجعل كأولوية أساسية وضع إصلاح شامل لنظام التربية والتكوين يوفر فرصا
متكافئة لجميع المواطنين في ميدان المعرفة والحداثة والثقافة والتشغيل.
وهذا الإصلاح الذي سيرتكز على القيم الأخلاقية والروحية التي تكون هويتنا، سيرفع من قيمة الرأسمال البشري، ويعبئ
الموارد البشرية المتوفرة في النظام التربوي، ويعتمد مبادئ التضامن الوطني والخدمة العمومية.
ويستهدف هذا الإصلاح أولا، حل المشكل الأساسي للأمية بالاعتماد على تعبئة وطنية وعلى مساهمة كل الطاقات في
المجتمع المدني.
وستعمل الحكومة على تأمين تعميم التمدرس ليشمل في الأفق القريب، كل الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين ست
وخمس عشرة سنة، بما فيهم أطفال القرى ذكورا وإناثا، وكذا إعادة هيكلة التعليم الثانوي والتقني.
وسنحرص على تغيير برامج التكوين والمناهج التربوية بهدف تمكين ناشئتنا من اللغة الوطنية العربية، وإنعاش
الثقافة الأمازيغية، والانفتاح الفعلي على اللغات الأجنبية، وإذكاء القدرة على التواصل، وتنمية روح التفكير والمبادرة،
والإلمام الجيد بالمواد العلمية والتكنولوجية، وتعميم تدريجي لاستعمال التكنولوجيات الجديدة.
هذا وستشجع الحكومة التعليم الخاص وتوفر له التأطير الملائم . كما ستعمل على تأمين الارتباط بين التربية
والتكوين والتشغيل.
ومن جهة أخرى، سنعمل على متابعة الإصلاح الجامعي وتعميقه، ودمقرطة تسيير الجامعة وضمان استقلاليتها ،
وتشجيع شراكتها مع المؤسسات العمومية والخاصة، وتسهيل إدماجها في المحيط الجهوي، وتوحيد هياكل التعليم العالي
مع خلق جسور بين مكوناته.
وستنهج الحكومة سياسة علمية وتكنولوجية إرادية تعتمد على وضع وتنفيذ استراتيجية وطنية عبر تحديد المحاور
ذات الأسبقية في ميدان البحث العلمي، وإنشاء صندوق وطني للبحث العلمي وإنعاش الهندسة الوطنية.
وفي المجال الثقافي، ستعطي الحكومة أولوية لإدماج تراثنا الثقافي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين،
وتحقيق تنمية واسعة للإنتاج الثقافي، واستثمار التعددية الثقافية في مختلف تعابيرها، وإنشاء مؤسسات ثقافية فعالة على
أسس التشارك والرعاية والتعاون، وتوفير شروط تنمية تتيح لبلادنا الانخراط في عالم المعرفة والتواصل.
الاندماج في مجتمع الإعلام
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن الحكومة ستنهج سياسة ترمي إلى إعداد المغرب وتمكينه من ولوج مجتمع الإعلام والمعرفة .
ولهذا الغرض، ستحدد الحكومة استراتيجية وطنية في ميدان الإعلام والاتصال عبر مقاربة شمولية ومندمجة للبريد
والمواصلات، والإعلاميات، والوسائل السمعية البصرية، والاتصال. وستحرص الحكومة في نطاق هذه الاستراتيجية،
على تعميم استعمال تكنولوجيا الإعلام في مختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تحرير القطاع مع
التحكم في مساره، بتشجيع منافسة ديناميكية في هذا المجال، وضمان الحق في الإعلام والمعرفة، ووضع مخطط لتنمية
الطرق السيارة للإعلام ضمن برنامج تجهيز البلاد في هذا المجال.
وفي ميدان الاتصال بالذات، ستعمل الحكومة على وضع إطار عام يمكن من تقوية وتوسيع حرية التعبير والإعلام
على أساس احترام التعددية والاستقلالية، والارتباط بالمجتمع، واعتماد الانفتاح والمهنية في وسائل الإعلام، كما ستعمل
الحكومة على تحيين توصيات المناظرة الوطنية الأولى حول الإعلام والاتصال وتطبيق توصياتها، وتجسيد الإرادة
الملكية السامية في إحداث الهيأة العليا للإعلام والاتصال، وتنمية الإنتاج الوطني السمعي البصري والقطاع السينمائي،
ودعم الصحافة ووسائل الإعلام وإنعاشها.
تقوية مكانة المرأة
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن نجاح كل مشروع للتنمية يمر عبر الاعتراف بدور المرأة ومواطنتها الكاملة. ولذلك فإننا نعتبر وضع استراتيجية
لإدماج المرأة عنصرا أساسيا لعملنا، يهدف إلى محاربة جميع أشكال التمييز الذي تتعرض له النساء وتحرير طاقتهن
الإبداعية.
ولهذا الغرض ستعمل الحكومة :
– على الصعيد القانوني، على إنعاش الوضعية النسوية على أساس مبدأ تكافؤ الفرص، بتطابق مع المواثيق
والتصريحات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وتحسين الممارسات القضائية وتسريعها من أجل
إعمال الفصول الإيجابية التي تضمنتها مدونة الأحوال الشخصية ببلادنا، والقيام بإصلاح تدريجي لهذه المدونة
في نطاق احترام قيم ديننا الإسلامي الحنيف.
– وعلى الصعيد الاقتصادي، ستعمل على بلورة وتطبيق استراتيجية مبنية على برامج تأخذ بعين الاعتبار، البعد
النسائي من حيث النوعية والقطاعات.
– وعلى الصعيد الاجتماعي، ستعمل على تنمية برامج موجهة بالخصوص إلى النساء، خاصة في ميادين محاربة
الأمية، وتمدرس الفتيات، ومساعدة النساء المعوزات، خاصة في البوادي.
– وعلى الصعيد الثقافي، ستعمل على فرض الاعتبار لصورة المرأة في المجتمع من خلال التربية والتعليم
وتطوير العقليات .
– وعلى المستوى السياسي، ستعمل على وضع استراتيجية تمكن النساء من ولوج مناصب المسؤولية والقرار،
طبقا للحقوق التي يضمنها الدستور.
الاهتمام بقضايا الشباب
وتعزيزا لتعبئة الشباب ، كقوة ديناميكية لتطور بلادنا ومجتمعنا في أفق القرن المقبل، فإن محاربة البطالة وإنعاش
تشغيل هذه الفئة، خاصة من بينها حاملي الشهادات، تشكل هدفا أولويا للحكومة.
وموازاة مع ذلك، ستحرص الحكومة على تحسين ظروف الحياة اليومية للشباب، ومحاربة أسباب تهميشهم، كما
ستسهر على وضع سياسة وطنية نشيطة للتأطير الاجتماعي والثقافي للشباب، من شأنها تأمين تنمية ثقافة جديدة وتطوير
الطاقات الإبداعية لهذه الفئة.
وفي هذا الإطار، ستعمل الحكومة على تنمية استراتيجية وطنية لإنعاش الرياضة وتنمية التجهيزات الأساسية
الرياضية. كما ستسهر على تشجيع المبادرات العمومية والخاصة والتنسيق بينها، سواء على الصعيد الوطني ، أو على
صعيد الجماعات المحلية والإقليمية والجهوية.
العقد التضامني
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
إن الحكومة تضع التنمية الاجتماعية على رأس أولوياتها، وذلك وفقا للرؤية التي عبر عنها صاحب الجلالة أيده الله
ونصره في خطاب العرش، حين تحدث جلالته عن : “إقامة نموذج للتنمية يكون عاملا من عوامل التناسق الاجتماعي
وحافزا من حوافز التضامن ووازعا للتوزيع العادل لثمار النمو ووسيلة للحد من الفوارق” (انتهى كلام صاحب الجلالة).
وستسعى الحكومة إلى أن تستقطب هذه الأولوية اهتمام مجموع القوات الحية للأمة وتشكل أرضية لعقد جديد
للتضامن بين مختلف الفئات الاجتماعية ومختلف الجهات والأجيال.
وذلك على أساس أن يعتمد هذا العقد على الارتباط بالمواطنين، ضمن رؤية شمولية تستهدف التعاون والتنسيق بين
مختلف الفاعلين في هذا الميدان لتجنب التبذير وضمان الاستجابة الملائمة للحاجيات الحقيقية للفئات المعنية.
وعلى هذا الأساس، فإن الأوراش الاجتماعية التي سنوليها الأولوية ستنكب على محاربة البطالة والفقر والفوارق
الاجتماعية والأمية وإنعاش التربية الأساسية، وتحسين العلاجات الطبية، وإصلاح نظام الحماية الاجتماعية، وتشجيع
السكن الاجتماعي.
وإن وضع هذه الأوراش حيز التطبيق يفترض إعادة النظر في التوزيع المجالي والقطاعي للنفقات الاجتماعية من أجل
إعطاء الأولوية للمناطق والأقاليم الأكثر فقرا، وللفئات الاجتماعية الأكثر حاجة.
حضرات السيدات والسادة ،
إن العمل على تقليص دائرة الفقر الذي تعاني منه على الخصوص، المناطق القروية والضواحي الحضرية، يأتي في
طليعة أولويات الحكومة. وهو ما يتطلب وضع استراتيجية للتنمية تساعد على نمو اقتصادي سريع ، وتضاعف من
فرص العمل والتشغيل لفائدة السكان الفقراء وتوسيع مجالات استفادتهم من المرافق الاجتماعية الأساسية. كما يتطلب
في نفس الوقت، إصلاحا عميقا لآليات التحويلات الاجتماعية قصد توظيفها لفائدة السكان الأكثر فقرا. ومن أجل ذلك،
فإن الحكومة تعتزم وضع نظام لتشخيص الفئات ذات الحاجة للمساعدة والتي يجب أن تحظى بالأسبقية في الاستفادة من
الخدمات الاجتماعية المجانية للدولة في مجال الصحة والسكن والتغذية والمساعدة الاجتماعية على الخصوص.
غير أن هذا المطمح لا يمكن أن يتحقق عن طريق مجهودات الحكومة وحدها، بل ينبغي أن يتعبأ من أجله المجتمع
بكامله ضمن استراتيجية للشراكة مع المنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية والمجتمع المدني. وفي هذا الإطار،
ستولى الحكومة أهمية خاصة لإعادة هيكلة وتنشيط مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي، وخاصة منها التعاونيات، وتحفيزها
على القيام بدور فعال ضمن هذه الاستراتيجية. وإن تعبئة الجميع لكفيلة بإعادة إدماج السكان الفقراء، خاصة عن طريق
التشغيل الذاتي، والقروض الصغيرة . وسيتم دعم هذه الاستراتيجية بإحداث صندوق للتنمية الاجتماعية، وبوضع آليات
شفافة لتجنيد موارد الزكاة في نطاق اللجنة التي أعلن عن تكوينها صاحب الجلالة أيده الله ونصره في خطابه السامي
بمناسبة ليلة القدر المباركة.
وبهذه الروح، ستحرص الحكومة على وضع استراتيجية للتنمية الاجتماعية المندمجة على المستوى المحلي، بهدف
إنعاش وتعزيز الفعاليات المحلية، وذلك بالقيام بمبادرات تشرك مجموع الفاعلين على هذا الصعيد. وسيكون الهدف من
هذه الأعمال فك عزلة المناطق النائية وإنعاش الشغل بها، عن طريق فتح أوراش محلية وتقوية التجهيزات الاجتماعية
ومحاربة التهميش والعزلة.
هذا وستقوم الحكومة بتعزيز التماسك الاجتماعي عن طريق عمل إرادي يرمي إلى حماية الأسرة والطفولة
والأشخاص المعاقين. كما ستسهر على بلورة قانون للطفولة، وعلى صياغة مجموعة من البرامج بهدف حماية الأطفال
والمراهقين والنساء وحمايتهم ضد كل أشكال العنف والانتهاكات. وستعمل على تقوية وتحسين بنيات الاستقبال والتكوين
ومساعدة مواطنينا المعاقين.
هذا وإن الحكومة لعازمة طبقا للتوجيهات الملكية السامية على وضع تدابير من شأنها أن تعالج بشكل نهائي مشاكل
أسرة قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وذلك في إطار مبادئ الكرامة والإنصاف.
حضرات السيدات والسادة ،
تعتبر البطالة إحدى المظاهر الرئيسية للإقصاء الاجتماعي، فبطالة الشباب حاملي الشهادات والبطالة الطويلة الأمد
تشكلان على الخصوص، مصدر قلق بالنسبة للمجموعة الوطنية. لذا فإن التشغيل سيكون في صميم انشغالات الحكومة،
وسيشكل حجر الزاوية في سياستها الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، يجب التأكيد على أن هذا المعضلة تكتسي بعدا خطيرا يستدعي التزاما جماعيا ومسؤولا من طرف
كافة الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين المعنيين، في إطار لقاء وطني للتشغيل، وذلك من أجل توافق
الجميع حول ميثاق وطني للتشغيل.
وستسهر الحكومة فورا، على إحداث جهاز وطني للوساطة بين العرض والطلب في سوق الشغل، ووضع برامج
للأشغال ذات النفع العام. كما ستعمل على إيلاء أهمية قصوى للتكوين المهني من خلال العمل على بلورة رؤية وأهداف
واضحة لدوره في إدماج الشباب في الحياة المهنية، وذلك بملاءمة التكوين لمتطلبات الحرف الجديدة، وتحديث مناهج
وأدوات التكوين، وتشجيع الشراكة بين مؤسسات التكوين والمنظمات المهنية.
وستحرص الحكومة على إخراج إصلاح مدونة الشغل إلى حيز الوجود، وإنعاش الحوار الاجتماعي، وكذا إصلاح
نظام الوقاية وعلاج الأضرار المتولدة عن حوادث الشغل والأخطار المهنية.
حضرات السيدات والسادة ،
وفي مجال الصحة، ستعزز الحكومة الجهود المبذولة لتحسين الاستفادة من العلاجات الطبية اعتمادا على تقوية
التجهيزات الأساسية الموجودة ووضع نظام لتمويل علاج الفئات المعوزة، وتنمية التأمين عن المرض، وتطبيق سياسة
اجتماعية ناجعة في مجال الأدوية.
وسيكون تسيير المستشفيات أحد عناصر مجالات ترشيد الموارد، والتحكم في الكلفة، وتحفيز العاملين في القطاع.
وتعمل الحكومة على إنعاش التضامن الاجتماعي بتوسيع وتقوية جهاز الحماية الاجتماعية وتأمين استمراريتها، وتحسين
التنسيق بين مختلف الأنظمة، وترشيد تدبير منظمات الاحتياط الاجتماعي، وتحسين جودة الخدمات.
حضرات السيدات والسادة ،
وعلى صعيد آخر ، ورغبة في الاستجابة لحاجيات الفئات المحرومة، فإن الحكومة عازمة على تقليص العجز في
قطاع السكنى، وخاصة في مجال السكن الاجتماعي، الشيء الذي سيعطي دفعة جديدة للقطاع الوطني للهندسة والبناء
والأشغال العمومية.
وستتمحور هذه الاستراتيجية على تعبئة الأراضي الصالحة للبناء ومحاربة المضاربة العقارية وتنمية آليات جديدة
للتمويل، وترشيد الدعم الرامي إلى تسهيل اقتناء السكنى، وتشجيع بناء مساكن للمأجورين، ومحاربة السكن غير اللائق،
وإنعاش السكن المخصص للكراء، وتطهير وضعية المؤسسات العمومية للقطاع، وإعادة النظر في دورها ومسؤولياتها،
وتشجيع القطاع الخاص في ميدان السكن الاقتصادي.
وتعتزم الحكومة من جهة أخرى، إعطاء اهتمام خاص لحماية البيئة لما لها من مكانة أساسية في كل مشروع للتنمية
البشرية المستديمة. وهكذا ستعمل على وضع مخطط للتنمية البيئية يستهدف تقييما دقيقا للأوضاع البيئية وإنعاش ثقافة
بيئية في مجتمعنا.
وسيتضمن هذا البرنامج وضع تشريعات ومواصفات ملائمة في هذا القطاع، وكذا حوافز تهدف إلى تشجيع
استعمال تكنولوجيات نظيفة وطاقات متجددة.
وإن من شأن التضامن من بين مختلف جهات المملكة أن يساعد على تقليص الفوارق في مجال التنمية الجهوية.
وستعتمد الحكومة أساسا لبلورة ميثاق وطني لإعداد التراب، بموازاة مع وضع الآليات الإدارية والمالية الكفيلة بتنظيم
العلاقات بين الدولة والجهة. كما ستحدث صندوقا للتكافل والتنمية الجهوية.
وسيتم تعزيز هذه التدابير بمراجعة مقتضيات الظهير الشريف المنظم للجماعات، وبوضع أنظمة للتقويم والمراقبة
البعدية والتدقيق، وتكوين المستشارين. وستعطى عناية خاصة لعقلنة تدبير المالية المحلية والمراقبة العمومية الحضرية.
أيتها السيدات، وأيها السادة،
إن واجب التضامن يحتم علينا إيلاء عناية خاصة لتنمية أقاليم الشمال والأقاليم الشرقية. وفي هذا الإطار، ستعمل
الحكومة على تعزيز برنامج العمل المندمج الذي تسهر عليه وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعمالات
وأقاليم الشمال بالمملكة، بغية فك العزلة عن المنطقة، وتحسين شروط العيش للمواطنين.
سياسة قطاعية مندمجة
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
ستقوم الحكومة في إطار سياسة قطاعية مندمجة بتطبيق سياسة فلاحية إرادية ومتجانسة لتمكين بلادنا من توفير
شروط تحقيق الأمن الغذائي مع التحكم في الانفتاح التدريجي لهذا القطاع.
وفي هذا الإطار، ستعمل الحكومة على إنشاء لجنة وزارية دائمة وإطار للتشاور مع المنظمات المهنية الفلاحية.
كما ستعطي الأولية لتحسين البنيات العقارية، خاصة عن طريق إعادة النظر في وضعية أراضي الجموع، وترشيد
استغلال ثرواتنا الطبيعية، والرفع من قيمة الموارد البشرية، وإنعاش الأنشطة غير الفلاحية، وإتمام إعادة هيكلة
الصندوق الوطني للقرض الفلاحي، وتوسيع وتنويع عملياته وتحسين خدماته.
وستولي الحكومة أهمية خاصة لبلورة استراتيجية للتنمية القروية المندمجة، تأخذ بعين الاعتبار، الخصوصيات
الجهوية بهدف التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية وتحسين مستوى عيش السكان القرويين.
إن عوامل تهدد اليوم الثروة الغابوية، وتعرقل مجهودات المحافظة عليها وتنميتها. وستقوم الحكومة في هذا الميدان
بوضع خطة جديدة.
وللمحافظة على القطاع الغابوي وتنميته، ستسهر الحكومة على ملاءمة الإطار التشريعي والتنظيمي الخاص
بالقطاع، وإنهاء عملية تحديد الملك الغابوي، وحماية التنوع الحياتي للحيوانات والنباتات، ووضع قواعد جديدة لتدبير
الموارد بالتشاور مع المستعملين والجماعات المحلية، والمستثمرين الخواص.
وفي نطاق حماية الثروات البحرية، ستعمل الحكومة على ضبط مجهود الصيد، ومراقبة مناطق الصيد الموجودة في
المياه الإقليمية. كما ستعمل على إعادة هيكلة أساطيل الصيد، وضمان توازن المصائد، وتطوير مختلف مكونات قطاع
الصيد البحري وتحسين ظروف رجال البحر.
وفي مجال الطاقة، ستطبق الحكومة سياسة تستهدف على الخصوص، تأمين التزود بالطاقة في أحسن الظروف،
وتعميم توزيع الكهرباء، خاصة في الوسط القروي.
وتعتزم الحكومة نهج سياسة نشيطة للاستكشاف والتنقيب، وإعادة هيكلة القطاع وإنعاشه، وإيجاد الحلول للمشاكل
الناتجة عن تحويل الأحواض المنجمية، وتعزيز مكتسباتنا في السوق العالمي للفوسفاط.
وتستهدف السياسة الصناعية للحكومة إنعاش مجهود إعادة هيكلة وعصرنة المقاولات الوطنية، ودعم القطاعات ذات
القيمة المضافة العالية، وتنويع الصناعات، وتنظيم فروعها وشعبها، وتنمية القطاعات الصاعدة.
ولتطوير قطاع الصناعة التقليدية، ستعمل الحكومة على إنجاز إحصاء شامل للصناع التقليديين ومقاولات الصناعة
التقليدية، والبحث عن أسواق جديدة، وتحسين الأوضاع الاجتماعية للصناع التقليديين.
وفي قطاع السياحة، تعتزم الحكومة تطبيق مخطط يهدف إلى إنعاش الاستثمار، وتطوير التكوين، وإنعاش السياحة
المحلية، وتحسين الاستقبال والتنشيط، وتنويع المنتوج السياحي وتطوير تنافسيته.
وللإسراع بوتيرة تجهيز بلادنا ببنيات تحتية حديثة، ستعبئ الحكومة الاستثمار العام. كما ستشجع الاستثمار الخاص
في هذا الميدان.
وفي هذا المجال ترمي سياسة الحكومة خاصة، إلى فك العزلة عن العالم القروي، وتسهيل إنجاز برنامج الطرق
السيارة، وتحسين تعبئة الموارد المائية، وتقوية رصيد المملكة من الموانئ.
وفيما يتعلق بالنقل ، فإن سياسة الحكومة تستهدف تحسين تنافسية القطاع عن طريق التحرير التدريجي، وتأهيل
مختلف المتدخلين، والمساهمة النشيطة في إنعاش سياسة منسجمة في مجال سلامة التنقل.
حضور نشيط على الساحة الدولية
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
في ظرفية انفتاح الاقتصاديات والعولمة، فإن الحكومة عازمة على وضع سياسة خارجية نشيطة وبناءة من شأنها،
علاوة على توطيد علاقتنا مع الدول الشقيقة والصديقة، الإسهام في الإنعاش الاقتصادي الخارجي لبلادنا وفي استقطاب
الاستثمارات المباشرة الخارجية. وستعمل في كل الحالات وفق المبادئ والاختيارات التي وجهت دائما مواقف بلادنا في
القضايا الكبرى الجهوية والإفريقية والدولية، وذلك على أساس التعليمات الملكية السامية التي ارتكزت دوما على احترام
الشرعية والقانون الدوليين، وحل النزاعات بالطرق السلمية والحوار.
وإن تقوية العلاقات بين المغرب وبلدان المغرب العربي تأتي في طليعة أولويات سياستنا الخارجية. ذلك أن اتحاد
المغرب العربي يشكل بالنسبة لنا اختيارا استراتيجيا لارجعة فيه، وهو أيضا ضرورة تاريخية وإنسانية وثقافية
واقتصادية وسياسية، خصوصا في الظروف التاريخية التي يشهد فيها العالم انبثاق التكتلات الاقتصادية الجهوية.
وعلى صعيد آخر، فإن الحكومة عازمة على بذل كل الجهود الضرورية من أجل توطيد التعاون العربي والإسلامي
استجابة للطموحات المشروعة لشعوبنا. وفي هذا الإطار، فإن الوضعية بالشرق الأوسط تشكل إحدى الانشغالات الكبرى
للمغرب الذي يعتبر أن سياسة الحكومة الاسرائلية الحالية، وعدم احترامها لاتفاقيات مدريد وأسلو، وكذا تنكرها لمجموع
التزاماتها إزاء الشعب الفلسطيني، هي السبب المباشر للمأزق الذي يوجد عليه مسلسل السلام حاليا. ولن نفتأ نؤكد أن
تحقيق السلام والاستقرار والتعاون الاقتصادي في المنطقة رهين بنجاح مسلسل السلام، عبر تطبيق قرارات مجلس
الأمن على أساس مبدأ “الأرض مقابل السلام”، والحق الثابت للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة
تكون القدس الشريف عاصمة لها.
وستعمل الحكومة على إيجاد حل للحصار المفروض على ليبيا، وعلى الإسهام في وضع حد نهائي لمأساة الشعب
العراقي.
وعلى الصعيد الإفريقي، ستعمل الحكومة في اتجاه تحسين العلاقات الثنائية مع مختلف البلدان الإفريقية وتقوية
التعاون الاقتصادي معها، باعتبارهما الكفيلان بمواجهة المشاكل الكبرى التي تعترض قارتنا، والتي تهدد استقرارها
وفرص التنمية والتقدم لشعوبها.
حضرات السيدات والسادة ،
إن علاقتنا مع الاتحاد الأروبي الذي يجمعنا به اتفاق للشراكة، تأتي في مقدمة اهتمامنا. فالمغرب يتابع باهتمام كبير
مسلسل الشراكة الأوروبية المتوسطية الذي انطلق من برشلونة، والذي يرمي إلى إحداث منطقة للسلم والأمن والازدهار
المشترك في البحر الأبيض المتوسط . غير أن مثل هذا المجال الجهوي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تظافرت كل الجهود
لتقليص فوارق النمو ومستوى العيش بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وتمشيا مع التقاليد السياسية لبلادنا، ستعمل الحكومة على تقوية علاقات الصداقة والتعاون التي تربطها مع بلدان أوروبا
الوسطى والشرقية والقارتين الأمريكية والأسيوية. وستعمل كذلك على تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة المتحدة
الأمريكية التي تجمعنا بها علاقات صداقة عريقة، والتي سنسهر على تمتينها وتنميتها لصالح شعبينا.
علاقة وطيدة للتعاون
بين الحكومة والبرلمان
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
استنادا إلى مبادئ الحوار والشفافية، تعتزم الحكومة إقرار علاقاتها مع الجهاز التشريعي على أساس تعاون وثيق
في إطار احترام مبدأ فصل السلط. وسيحرص هذا التعاون على البحث عن الفعالية وتعزيز تقاليد الحوار وتحقيق
الصالح العام.
وفي هذا الصدد، ستحترم الحكومة بدقة واجباتها الدستورية إزاء البرلمان بإعطاء كل الأهمية للأسئلة الكتابية
والشفوية التي تشكل أحد طرق مراقبة عمل الحكومة. وستشارك بحيوية في جلسات البرلمان وأشغال اللجن البرلمانية.
كما أنها ستسهر على الإسراع بمساطر وضع مشاريع القوانين ودراسة مقترحات القوانين. وستتقدم، سواء بمبادرة منها
أو بطلب من البرلمان، بتصريحات حول الملفات الكبرى للأمة بهدف تمكين أعضاء الغرفتين من تتبع النشاط الحكومي
عن كثب.
حضرات السيدات والسادة ،
إن الحكومة تستمد شرعيتها وقوتها وطاقتها من ثقة صاحب الجلالة ومساندة البرلمان. وفي هذا الإطار، ستشكل
الأغلبية البرلمانية التي ساهمت في وضع البرنامج الحكومي شريكا أساسيا وقوة دعم ضرورية لتطبيق هذا البرنامج.
ولهذه الغاية،فقد تم تشكيل لجنة للتنسيق برئاسة الوزير الأول، وعضوية رؤساء فرق الأغلبية وعدد من الوزراء .
وستعقد هذه اللجنة اجتماعات منتظمة بهدف تنسيق وتوحيد الآراء، وتحديد المواقف المشتركة في حضيرة البرلمان،
والدفاع بحزم عن السياسة الحكومية وفقا للمصالح العليا للأمة.
وموازاة لذلك، فإن الحكومة عازمة على إقامة علاقات احترام وحوار مع المعارضة البرلمانية وفتح المجال أمامها
للإطلاع على الملفات المتعلقة بالقضايا والقرارات الأساسية. وستقوم الحكومة بذلك بشفافية ووضوح وبتحديد دقيق
لمسؤوليات كل طرف. إن تطبيقا جيدا للقواعد الديموقراطية يقتضي وجود أغلبية تساند الحكومة ومعارضة يتحمل كل
منهما مسؤولياته ويقوم بدوره بإخلاص وفي منأى عن أي لبس. وهذا هو أساس قواعد العمل البرلماني والعربون على
حسن سير المؤسسات. وستسهر الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، لحساب الحكومة، على حسن تنظيم علاقات هذه
الأخيرة مع البرلمان طبقا للمبادئ والقواعد الواردة في الدستور.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين،
هذا هو البرنامج الذي تعتزم الحكومة تطبيقه والدفاع عنه، وإننا ندرك جميعا
بيـــان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش): يرفض الزيادة الهزيلة في الأجور التي اقترحتها الحكومة على المركزيات النقابية، ويشجب بأقصى عبارات الاستنكار الإجهاز الممنهج على مجانية التعليم العمومي من خلال القانون الإطار
تدارس المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل في اجت…