مَن يُشبه مَن في الجزائر؟
مَن يُشبه مَن؟ هل الجزائر تشبه عبدالعزيز بوتفليقة.. أم عبدالعزيز بوتفليقة يشبه الجزائر؟ هل عبدالعزيز بوتفليقة وحده المريض أم أن مرضه مرآة للحال الجزائرية التي يقدّم أفضل صورة عنها؟ من المريض؟ الجزائر كلّها مريضة. يبدو مرضها من مرض بوتفليقة ومرض بوتفليقة من المرض الجزائري.
بلغ الرئيس الجزائري، الذي بات أكيدا فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من عجزه عن الكلام أو الوقوف على رجليه، السابعة والسبعين من العمر في الثاني من آذار- مارس الجاري.
أدخل بوتفليقة عبارة جديدة في قاموس الحياة السياسية. هناك حكم غيابي تصدره المحاكم. وهناك مذكّرة توقيف غيابية تصدر عن السلطات المختصة بحقّ شخص ما خالف القانون. في حال بوتفليقة، صار هناك المرشّح الذي يخوض الانتخابات عبر آخرين يتحدثون باسمه ويشرحون سياساته ويقدّمون الوعود إلى الناخبين.. فيما هو غائب. إنّه الحاكم الحاضر- الغائب في الوقت ذاته!
ليس صحيحا أنّ الجزائر لا تمتلك رجال دولة وسياسيين قادرين على القيام بالنقلة النوعية المطلوبة التي تخرج البلد من حال الجمود التي تعاني منها. مثل هذا الجمود يهدّد بلدا على شعبه انتخاب رئيس للجمهورية ليس قادرا على قول جملة مفيدة منذ الجلطة الدماغية التي تعرّض لها الصيف الماضي والتي جعلته يبقى في فرنسا طوال ثمانين يوما..
لم يعد سرّا أنّ هناك مجموعة معيّنة مرتبطة ببوتفليقة تخشى خروجه من المرادية، أي قصر الرئاسة. ارتكبت هذه المجموعة مخالفات وهي تخشى بكلّ بساطة الملاحقة القانونية وربّما الانتقام السياسي. الأكيد أن ذلك لا يبرّر بأي شكل التمديد لبوتفليقة عبر استخدام أجهزة الدولة لانتخابه لولاية رابعة في بلد لم يستطع تطوير اقتصاده أو مؤسسات الدولة على الرغم من التجارب الدموية التي مرّ بها منذ تشرين الأوّل- أكتوبر العام 1988 تاريخ بداية الثورة الشعبية التي ما لبثت أن صارت تمرّدا مسلحا شارك فيه إسلاميون لجأوا إلى الإرهاب لضرب مؤسسات الدولة.
اندلعت الثورة الجزائرية في 1988 في عهد الشاذلي بن جديد بسبب هبوط أسعار النفط. خلت الخزينة الجزائرية من العملات الصعبة فكان الانفجار الشعبي الذي استهدف أوّل ما استهدف في وسط العاصمة ما يسمّى مكاتب “حركات التحرير”، من بينها مكتب جبهة “بوليساريو” التي كانت ولا تزال أداة تستخدمها الأجهزة الجزائرية في شنّ حرب بالوكالة على المغرب من أجل استنزاف اقتصاده. لم يمنع ذلك المغرب من أن يكون أول من مدّ يد العون للجزائر إثر أحداث 1988 من منطلق أن أي سوء يصيبها إنما يصيب المغرب أيضا. والعكس صحيح.
خرج الشاذلي بن جديد من السلطة في العام 1992 وتوفي في مسقط رأسه وهران خريف السنة 2012. كان الشاذلي بن جديد يعتقد أنّ مشكلة الجزائر تختزل بالإسكان وأنه يكفي بناء منازل جديدة كي يعود الشباب الجزائري إلى بيته. تبيّن مع الوقت أن ذلك ليس صحيحا. احتاج الجيش الجزائري الذي حافظ على الجمهورية إلى عشر سنوات للقضاء على الحركات الإرهابية التي عاثت فسادا في الجزائر وارتكبت كلّ أنواع المجازر. ساعده في ذلك الدعم الخارجي الذي توافر للجزائر والرغبة الدولية في عدم سقوطها في يد متطرّفين كان هدفهم تحويل الجزائر إلى أفغانستان أخرى. كذلك ساعده ارتفاع أسعار النفط والغاز، وهو ارتفاع ساعد السلطات الجزائرية في استرضاء المواطنين من جهة وتفادي الإقدام على الإصلاحات المطلوبة من جهة أخرى.
عندما سلّم الجيش السلطة في العام 1999 إلى بوتفليقة تبيّن أن الرجل الذي حلم دائما بأن يكون هواري بومدين آخر لا يؤمن إلا بسياسة الجمود. طوال خمسة عشر عاما أمضاها الرجل في السلطة لم يتغيّر شيء في الجزائر. ما فعله بوتفليقة يتمثّل في شراء رضا المواطن بفضل عائدات النفط والغاز. لم يتغيّر شيء في الجزائر التي كانت قادرة على تنويع اقتصادها وخلق فرص عمل للشباب في حال القيام بالإصلاحات المطلوبة بدل العودة باستمرار إلى الفكر المتحجّر لهواري بومدين.
نعم، الجزائر ضحية الجمود. لم يستطع عبدالعزيز بوتفليقة القيام بأية مبادرة من أي نوع كان في مجال إصلاح المؤسسات. لم يكن لديه أي همّ سوى أن يكون هواري بومدين آخر. لم تغب عن باله يوما الرغبة في الانتقام بعدما حالت المؤسسة العسكرية دون وصوله إلى الرئاسة أواخر العام 1978 ومطلع العام 1979 لدى طرح مسألة خلافة بومدين.
لا يزال عبدالعزيز بوتفليقة إلى اليوم أسير تلك الرغبة في الانتقام التي رافقته دائما، خصوصا خلال الفترة التي وجد نفسه ملاحقا قضائيا بتهمة التلاعب بمخصصات وزارة الخارجية التي شغلها في عهد هواري بومدين.
هل الجزائر ضحية عبدالعزيز بوتفليقة.. أم ضحية الجمود؟ يبدو أنها ضحية الاثنين معا. ليس في الجزائر من يفكّر في اليوم الذي تعود فيه أسعار النفط والغاز إلى الهبوط. ليس هناك في الجزائر من يفكّر في أنّ الجمود لا يقود سوى إلى الجمود.. ثمّ الانهيار. إلى أين قاد الجمود الاتحاد السوفياتي الذي أراد الاستثمار في “حركات التحرير” من أجل تكريس وضعه كقوة عظمى؟
كلّ ما في الأمر أن بوتفليقة سيحصل على ولاية رابعة بعد انتخابات السابع عشر من نيسان- أبريل المقبل. تبدو هذه الانتخابات شكلية أكثر من أي شيء آخر. لكنها تشير إلى أنّ الجزائر دخلت مرحلة انتقالية. الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سيكون الرئيس الغائب- الحاضر أو الحاضر- الغائب لا فارق. هذا ليس مهمّا. هل تستطيع الجزائر تجاوز عقدها والخطاب الرسمي الخشبي الذي يعود إلى أيام بومدين؟ باختصار، هل تستطيع الجزائر الاهتمام بالمواطن الجزائري ورفاهه.. أم أن العناد الذي في أساس الجمود سيظلّ مهيمنا على سياسات بلد كان يمكن أن يكون مزدهرا، من دون النفط والغاز، وأن يلعب دورا رائدا في شمال أفريقيا، بل على صعيد القارة السمراء كلها بدل المتاجرة بـ”حركات التحرير” والشعارات الفارغة من أي مضمون؟
======
عن الراي الكويتية