ليس الأستاذ بنكيران أطال الله عمره الذي مات ؛ فهو لا يزال-حماه الله- يرتع مبهوراً في الحدائق المطلة على قلاع الحكم؛ الذي مات هو رئيس الحكومة القابع داخل الدستور؛ يقولون إنه مات كأمير من أمراء بني عثمان اختناقاً بعد أن ضغطته وسادته المتورمة بالصلاحيات المعطلة ؛ أولعله قضى بعد أن هوى من صهوة إرادته ؛ أو انحسرت نبضاته غيرة على عِرض السياسة ؛ أو فارقت الروح جسده فوق مصقلة الكرامة في صراع عمومي؛ أثبتت الخبرة الشرعية أنه لم يضع حداً لحياته منتحراً وأنه كان إلى حدود أيام من تشكيل النسخة الثانية لحكومة الأستاذ بنكيران في مظهر مقاومة.
الغريب في ميتة رئيس السلطة التنفيذية ؛ أن جنازته زجاجية باردة وبنت سبيل ؛ لم تستوقف الكثيرين ؛ ولم تفجع الكثيرين ؛ لم يشق جيبه عليه إلا قلة من الدستورانيين البكائين على التعاقدات والإصلاحات ؛ ثلة من الحزانى الذين ينغصون صفو التنمية والإستقرار والتوافق الإيجابي ؛ ويحقدون على الإنجازات والاستثناء المغربي ؛ لم يتبعه أحد ؛ لم يؤبنه أحد ولم يتلقى عزاءه أحد ؛ مات المسكين متعب المحيا ؛داكن المقل ممتقع السحنة ؛ منضغط الملامح ؛ مُحبط الخطى؛ مستسلم القامة ؛ هكذا رأوه قبل أن ينزل خبر النعي ؛ يبدو أنه مات لأن أجله قد حل ؛ مات لأن ساعاته محدودة وعمره مُبرمج على حرارة الوعي الشعبي وإصراره على الإصلاح ؛ رحل الفقيد لأن عاصفة الحراك الشعبي هدأت ؛ ولأن المجهول الربيع رحل إلى غير رجعة ؛ ولم يعد مرابطاً على ناصية الحارة الإقليمية والعربية ؛ ولأن أسباب نزوله انتفت ؛ ولأن الهيئات السياسية معارضة وأغلبية اجتمعت وقررت أن تتخلى عنه للرحيل … فمات…!!!!
لم نكن على ما يبدو في حاجة إليه -غفر الله له -فقد كان غريباً عن استعدادنا ؛ خارج ممكناتنا بعيداً عن جيناتنا ؛ لم يشرب حليبنا ولم يتدرج في مسالكنا كما أنه لا يملك بطاقة إقامة في قبيلتنا السياسية؛ ما كان له أن يحتل علينا دستورنا ويبعثر إجماعنا ويشوش على نسقنا المتروي في التغيير ؛ لماذا قلب علينا أٌنسنا وعكر صفونا ؛ وزحزح ثباتنا ؛ فأصبح إسمه رئيساً ؛ رئيساً؟؟؟ يُعٓيّن بإرادة الشعب عبر الانتخابات يتمتع بشرعية التنصيب البرلماني ؛ يجر وراءه ولاء أغلبية مطيعة ؛ يعين في المناصب السامية يمارس السلطة التنفيذية ويملك الإدارات ويملؤها بداعميه حسب المعايير التي يكتبها في مراسيمه ……؛ ويصول ويجول في المقتضيات الدستورية ؛ يقترح هنا… يترأس مجالس وزارية بالتفويض هناك؛ يحل البرلمان ؛ يترأس ثلة من المجالس العليا بالنيابة ….. صدق الذين رجحوا أنه مات مختنقاً ؛ لم يستطع أن يغادر أوراق الدستور ومرافعات النواحين من الدستورانيين ؛لم يجد إرادات صادقة تخرجه إلى الأرض ؛ لم يلتقط أسباب مقاومته ؛لم يجد أغلبية تتمثله ولم يصادف معارضة تحميه …… فمات .
مات رئيس الحكومة ؛ فتهاوت على إثر ذلك الهندسة الإصلاحية للدستور وانقطع الخيط الرابط بين الوثيقة والإصلاح ؛ لتترنح السياسة بعده دون رأس ؛ إلا أنه نجى الأستاذ بنكيران وامتطى سفينة الخلاص رفقة الهيئات السياسية معارضة ٍوأغلبية ؛ وشُوهِد- أبقاه الله – يرتع مبهوراً في الحدائق المطلة على قلاع الحكم و ؛ وشوهدوا-حماهم الله- بعيداً يسترقون السمع من وراء أسوار الحدائق المطلة على قلاع الحكم ……!!!