|
|||||
مفتي الديار المصرية: التكفير آفة تعصف بالمجتمعات |
القاهرة- كفّ شر الحروب وإحلال السلام في العالم بين الشعوب والثقافات والأديان، مهمة إنسانية نبيلة وجب على الجميع السعي إلى تحقيقها دون استثناء. ولن تكتمل هذه المهمة بنجاح إلا إذا تمت عقلنة الخطاب الديني وتقديمه بصورته الصادقة التي تعبر عن الرحمة والحرية واحترام الإنسان والتسامح، بعيدا عن كوابيس العنف والتكفير. وهو ما أكد عليه شوقي علام مفتي الديار المصرية في حواره الخاص مع ”العرب”.
أكد شوقي علام مفتي الديار المصرية في حديثه لـ“العرب”، أن الفكر السياسي في مصر يمكن أن يستقيم ويصبح متّبعا للفكر الوسطي للدين، وذلك شرط ابتعاده عن الانحياز لمصلحة شخصية أو حزبية أو جماعة أو فصيل، وأن يُقدّم على تلك المصالح مصلحة الوطن والأمة، وأن يطلق العنان لفكره ليتحرر من جميع قيود، وأن يفكر فيما يعود على الوطن والأمة بالخير والأمن.
وبدأ علام كلامه بوضع مسألة التسامح والتعايش بين مختلف التوجهات والأطياف الدينية والسياسية المصرية في الإطار الديني السليم. وأوضح المفتي أن الفكر الديني الوسطي هو الفكر الذي يقدم درء المفاسد على جلب المصالح، وإنزال أخف الضّررين على الواقع واختيار الأيسر ما لم يكن إثما. إذ لا يجب أن ينقسم المجتمع وتتشتت الجهود ويتعثر البناء، “فإذا تواصلنا بفكر وسطي متسامح، سوف نرى وطنا مستقرا متقدما متوحدا على رأي واحد”.
ورأى أن الجهود تبقى متواصلة في إطار مواجهة كل أسباب التعصب والانغلاق، لخلق أجواء التعايش والتسامح بين جميع مكونات المجتمع الواحد. ولعل أهم أسباب التعصب والتطرف هو “التكفير”، الآفة التي عصفت بالمجتمعات لتنشر الموت والخراب.
وعن كيفية مواجهة المجتمع للفتاوى المتطرفة المتعلقة بتكفير الأشخاص وإهدار دمهم، قال شوقى علام “لقد حذرنا ولازلنا نحذر من خطورة انتشار الفتاوى المتطرفة، خاصة ما يتعلق منها بتكفير الأشخاص، والتي يتبعها استحلال دمائهم وإزهاق أرواحهم، الأمر الذي حرمته الشريعة الإسلامية أشد تحريم”.
واستطرد قائلا : “من أجل التعامل مع هذه الظاهرة أنشأنا في دار الإفتاء مؤخرًا “مرصد فتاوى التكفير”، لمواجهة تلك الظاهرة الخطيرة، لأن التكفير من القضايا التي تحكمها ضوابط وشروط وأحكام لا يجوز تجاوزها، كما أنه لا يجوز لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة أمام القضاء، لأن الحكم بالردة والخروج من دائرة الإسلام لا يكون إلا بعد حكم قضائي، فتكفير الناس يعد من افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
وشدد المفتى على أنه من أجل علاج مثل هذه الظاهرة والتصدي لها، لابد من تضافر الجهود وتكاتف الجميع لتوضيح المفاهيم التكفيرية وموقف الإسلام من التكفير، وخطورة إطلاق الأحكام التكفيرية على العامة من الناس والخاصة من أولي الأمر، و“التمسك بالمنهج الأزهري الوسطي القويم ونشر الفكر القويم وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي نشرتها الفرق المختلفة، ومواجهة الفكر المتطرف بالقوة الفكرية”.
كما لفت مفتى الديار المصرية الانتباه إلى أن مشكلة التطرف والغلو في الدين “من بين المشكلات المزمنة التي تواجه الأمة، والتي استشرت في معظم البلاد الإسلامية وظهرت آثارها الوخيمة على الأمة في الفترة الماضية، والتي كانت نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها في رصد أسباب الظاهرة ومحاولة علاجها”. كما أنه لن يكون لخطاب التسامح والتعايش أي أثر على الواقع، إلاّإذا توجه إلى القوى الفاعلة والنشيطة في المجتمع المصري وباقي المجتمعات في العالم. و يقول شوقي علام، في إطار توجيهه لرسالة إلى الشباب الذي “اكتوى بنار هذه الفتاوى الشاذة”، على حدّ وصفه : “سوف نعمل طيلة الفترة القادمة على التوعية الشديدة للشباب، وذلك من خلال خطاب ديني جديد يركز على الجوانب المضيئة للدين كعامل استقرار بين الشعوب لا كعامل احتراب وصراع، وببيان جوهر الدين المبني على الرحمة والعدل والحرية واحترام الإنسانية والإنسان، وأن الإسلام في طبيعته تفاؤل ورحمة، وهو بعيدٌ عن التكفير والتشدد، من خلال منهج وسطي قويم. ويضيف: أقول للشباب ولكل أبناء مصر جميعا، يجب علينا أن نتكاتف لحل كل المشكلات التي تواجه الوطن، ولا بد أن يترجم الانتماء الحقيقي لهذا الوطن إلى أفعال للصالح العام وليس لمصالح أخرى”.