ظاهرة جديدة في المجتمع المغربي: لماذا تتزايد مظاهر التديّن الشّعبيّ ليحلّ محل الدين؟
مصطفى النحال أمام تزايد موجات التكفير وإصدار الفتاوى المتحرّشة بتديّن الناس، التي تصل إلى محاكمة النوايا، عاد الحديث، في الأوساط الأكاديمية والعلمية والثقافيّة، إلى مناقشة مسألة الدّين والتديّن وحدود العلاقة بينهما. وبقدر ما انصبّ جهد عدد من الباحثين على مناقشة هذه العلاقة، في مستوياتها الدينيّة والتاريخيّة والثقافية والأنثروبولوجية، بقدر ما تنعقد بين الفيْنة والأخرى، ندوات هنا وهناك. ومن ثمّ، فإن هناك شريحة من المثقفين والمفكّرين المتنوّرين الذين يسمّون الأشياء بأسمائها، وبالتالي يعودون إلى جذور الإشكال، وإلى امتداداته المفاهيمية والحياتيّة. إنّ الملاحظة التي يبديها الجميع هي أنّ مظاهر التدين باتتْ تطغى على مظاهر الدين في مجتمعنا المغربيّ. في هذا السياق، يندرج الكتاب الذي صَدَرَ مؤخّرا بعنوان »الدين والتديّن: التشريع والنص والاجتماع«، للباحث عبد الجواد ياسين، عن دار التنوير اللبنانية. ففي هذا الكتاب يُناقش الكاتبُ كيفية أن »الدين« يُعتبر حقيقة مطلقة قادمة من خارج الاجتماع، غير قابلة للتغيّر، في حين أنّ تاريخ الأديان التوحيدية يشير إلى ارتباط وثيق بين الاجتماع والدين، وبخاصّة في مجال التشريع. ومن ثمّ، فإنّه من المشروع التساؤل عن: »هل يمكن للاجتماع الذي يعالج معطيات نسبية متغيرة أن يكون جزءًا من الدين كحقيقة مطلقة؟«، مشيرا إلى أن التشريع المرتبط بالتاريخ، يختلف عن الأخلاق الكلية. وقدْ أشار إلى أنه على امتداد التاريخ العامّ تراكمت حول النّص المؤسس أنساق من الرؤى والمفاهيم والأحكام، مكونة ثقافة دينية أوسع من منطوق البنية الدينية، التي يقدمها النص، وصارت مفردات هذه الثقافة التي أفرزها »التديُّن« جزءًا من الدين في ذاته، ومن خلالها تسربت إلى الدين عقائد وتكاليف ذات دوافع إيديولوجيّة وسياسية واجتماعيّة واقتصادية، فضْلاً عن نزوعات الغرائز البدائية التي تدفع إلى حدّ الكراهية والقتل. من هنا يشير الكاتبُ إلى أنه على مستوى الديانات الثلاث، وفي كثير من الحالات كان هذا التسرب يتخذ شكل النص أي الوحي المتحول على الله، عمدًا أو على سبيل الخلط الناجم عن تداخل المفاهيم، وهكذا أدى التديُّن إلى تضخيم الدين، بحيث صار ما هو اجتماعي أكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية، التي تعمّم على مكوناتها تلقائيًا صفة القداسة المؤبدة. في سياق آخر، يمكن الرّجوع إلى العرض الهامّ الذي ألقاه الأستاذ إدريس بنسعيد الأسبوع المنصرم، حيْث الذي فضّل ملاحظات حول الدين والتدين في المجتمع المغربي، مشيرًا إلى أنّ الدّين والتديُّن يحتلان مكانة مركزية في الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر. لكن الأهمّ هي إشارة بنسعيد إلى أنّ هذه المساحة يمكن أنْ نجدَها بكيفية شبْه مُتوازنة في مجالات مختلفة، في السياسة والاقتصاد والفكر والمجتمع. إن السؤال المطروح، في هذا الصدد، هو: هلْ هذا الموضوع جديد من الناحية السوسيولوجيّة في المغرب؟ أيْ ما يتعلّق بالكتابات الاجتماعيّة حوله؟ هنا نجد أن الأستاذ بنسعيد يقوم بتقْسيم كلّ ما كُتب حول الموضوع إلى ثلاث مجْموعات كبرى، أوّلها السوسيولوجيا الكولونيالية، المرحلة الاستعمارية، من نهاية القرن التاسع عشر إلى ستينات القرن الماضي»، مشيرًا إلى أنّ المسْألة الأساسية التي كانت حاضرة بالنسبة للأدبيات الكولونيالية هي مسألة العلاقة بين الدين والسلطة. إنّ الاهتمام الاستعماريّ بالزاوية كان كبنيات سياسية، على اعتبار أن الفكرة التي كانت سائدة هي أن النظام المخزني هو عبارة عن زاوية تتحول إلى دولة، بمعنى أن الزوايا يمكن أن تكون مشاريع بديلة للدولة القائمة، ليخلُص إلى أنه بالإضافة إلى قوتها السياسية، فإن الزوايا لها دور اقتصاديّ كبير جدًا في المجتمع المغربي، خصوصًا في المجتمع القروي. ومما يعمّق هذا الجانب الشعبيّ للتديّن هي المواقف العدائيّة تُجاه الخطاب العلمي والظواهر العلمية والتقنيّة. هذه المواقف والمعطيات المتمثلة في الشكل تجاه العلم وتجاه مكتبات التقنية الحديثة، وتجاه المنجزات والمكتسبات التنظيمية في المجال السياسي، واستساغة الاعتقاد في الخوارق والمعجزات والأَسَاطير، هي، في نظر الأستاذ محمد سبيلا، جزْء من بنية ثقافية عامة شائعة وإنْ لم تكن سائدة، تطال قطاعات شعبية واسعة وتتبناها العديد من النخب التقليدية، بل يطال أثرها قطاعات واسعة من النخب العصرية ذاتها. ومن هنا يستخلص سبيلا أنّ أهمّ معالم هذه البنية الثقافية هي: ـ التقسيم الثنائي للعالم (دار الإيمان ـ دار الفكر) الولاء والبراء؛ ـ أمثلة (Idealisation) الماضي والتماهي المتخيل معه؛ ـ التصور المقلوب للتاريخ والزّمن؛ ـ أدْرمة التجربة الدينية بالتهوييل والتخويف وتغليب الاعتبارات الأُخروية على الاعتبارات الدنيوية، والتشدد في الأحكام والتصورات والممارسات؛ ـ تغليبُ التديّن الشكليّ والتمسّك بظاهر النّصّ مع رفْض التجديد وانغلاق باب التأويل والاجتهاد وتغليب المنطق الدّعوى التكفيري على منطق التفكير والحوار. |
||
عن جريدة .ا.ش.3/18/2014 |
||
باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي
يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…