عائلة بلقاسم الوزان.. حكم بالبراءة وتنقل طويل بين معتقلات البلاد!

«الاتحاد الاشتراكي»

 

بلقاسم الوزان، واحد من المناضلين الشرسين الذين ابتلعتهم «سنوات الرصاص». تنقل بين أكثر من معتقل سري، وكان اسمه بارزا على قائمة وصية الراحل عبد الرحيم بوعبيد؛ فحين طلب الملك الراحل الحسن الثاني من قيادة الاتحاد الاشتراكي ما هي وصية السي عبد الرحيم، قالت له: «اطلاق سراح أحمد خيار، والكشف عن مصير الحسين مانوزي.. ووزان بلقاسم».
قال الحسن الثاني: «اعرف خيار وقصته والمانوزي وقصته، ماذا عن هو بلقاسم وزان؟»
فكان الجواب: «لقد كان جنديا في القوات المساعدة بفكيك».
فرد قائلا: «آآآه، أيام التسلل المسلح!».
ولد بلقاسم الوزان في مدينة فكيك سنة 1924، وكان من أفراد أسرة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي. وقد انخرط بعد الاستقلال، في صفوف «المخازنية» بدائرة فكيك، واعتقل بتاريخ 17 أبريل 1973، وهو يزاول عمله كحارس للحدود المغربية -الجزائرية في منطقة «الحلوف»، قرب مدينة فكيك مباشرة بعد أحداث مارس.
وقد ظل يتنقل بين العديد من مراكز الإعتقال السري منها: المعتقل المعروف بالكوربيس بمطار آنفا ومعتقل درب مولاي الشريف إلى حدود يونيو 1973 ثم السجن المركزي بالقنيطرة، تحت رقم 18353. لفقت له تهمة: «إيواء أشخاص إلى منزله ينتمون إلى منظمة ثورية مسلحة هدفها إثارة حرب أهلية بين السكان»، وهي التهمة التي برأه منها القضاء العسكري المغربي بتاريخ 30 غشت 1973، ملف 8754 / 1784، لكن أياد الظلم والقمع التي لم تستسغ هذا الحكم امتدت إلى داخل السجن المركزي بالقنيطرة لتقتاده إلى مكان مجهول. ولم يظهر له أثر إلا بعد أن بعث برسالة من السجن المركزي بالقنيطرة. ثم اقتيد إلى معتقل سري بتمارة حيث قضى به مدة سنة، ثم رحل إلى معتقل تاكونيت ومن بعد إلى معتقل أكدز، (هذا المعتقل كان في الأصل قصرا من قصورالباشا التهامي الكلاوي)، وهناك لقي حتفه وذلك حسب تفاصيل أحد أبنائه في إطار شهادته أمام هيئة الإنصاف والمصالحة.
وفي يوليوز 1979 أطلق سراح حمو وزان الذي كان معتقلا في نفس الملف ويحكي أنه شهد بلقاسم وزان ابن عمه وزميله في القوات المساعدة، حيث اقتيدا معا في صيف سنة 1974 من تمارة على متن سيارة جيب في اتجاه مجهول. وقد تبين فيما بعد أن مكان الإختطاف يوجد بسيدي بنور دائرة الجديدة دون أن يدري ماآل إليه مصير وزان.
ورغم الجهود المضنية التي بذلتها عائلته من أجل معرفة مصيره عبر مختلف الوسائل فإنها لم تتمكن من ذلك، إلى حدود سنة 1998، تاريخ إدراج اسمه من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ضمن مجموعة المتوفين. وبعد عفو 1980، الذي هَمَّ معتقلي أحداث 1973، تم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذين كان لهم ارتباط بتلك الأحداث، غير أن بلقاسم لم يعد إلى بيته، كباقي المعتقلين الذين حوكموا على خلفية الملف.
وأمام هذا الوضع لم يكن أمام العائلة إلا طريق واحد هو الدفاع عن حقها في معرفة مصير ابنها عبر اللجوء إلى الصحافة الوطنية والدولية والمنظمات الحقوقية، الوطنية والدولية، وبعض الأحزاب السياسية، بعد أن فقدت الأمل في معرفة مصيره.
وقد استمر الغموض يلفّ هذا الملف إلى حدود انعقاد الدورة ال12 للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في أكتوبر 1998، والذي أصدر ما أصبح يعرف ب«لائحة المختطفين»، أو لائحة 112، كما سميت آنذاك، والتي أكدت أن بلقاسم وزان توفيّ في معتقل أكدز، وهو الخبر الذي تزكيه شهادات بعض المعتقلين السابقين الذين تم الإفراج عنهم، كما أفادت أنه دفن بمقبرة أكدز التي تضم أكثر من 30 قبرا (أكدز منطقة صحراوية معروفة بتمورها تقع عند بداية واحة درعة قرب مدينة ورزازات ب 69 كلومتر).
لكن العائلة ستفاجأ بمراسلة لوزير العدل، مؤرخة في 31 دجنبر 2000، تقول إن بلقاسم وزان، الذي أدرِج اسمه في اللائحة 112 توفيّ وصدر حكم من المحكمة الابتدائية في بوعرفة يفيد تقييد وفاته في سجلات الحالة المدنية، وعللت أسباب الوفاة بشهادة طبية قيل فيها بأن بلقاسم وزان توفي بمستوصف قروي بزاكورة، وحسب التقرير أنه رجل عادي سائح وافته المنية بعد وعكة صحية.
إثر تلك الرسالة توجّهت العائلة إلى المحكمة الابتدائية لبوعرفة والتقت وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المذكورة وطلبت معرفة الجهة التي قدّمت الشكاية بتقيده في عداد الموتى، وتحديد مكان الوفاة، فأمدها الوكيل بشهادة طبية تحمل ختم طبيب تؤكد أن بلقاسم وزان توفيّ في مستوصف قروي في زاكورة..
لقد أقرت الدولة المغربية رسميا مسؤوليتها باختطافه وزعمت أنه توفي بأحد المعتقلات السرية بقرية أكدز إقليم ورزازات، ودفن بركن معزول بمقبرة مجاورة للمعتقل مع 20 مفقودا. وبعد تشكيل هيأة الإنصاف والمصالحة التي عملت على تحديد مكان قبره. وبعد ذلك استجاب المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان لرغبة العائلة في التأكد من هوية الرفات المدفونة في القبر المنسوب لبلقاسم وزان، باعتبار تحاليل الحمض النووي وذلك بتاريخ 27 ماي 2006. وبقي أفراد أسرة بلقاسم تنتظر الجواب عن هوية الرفات، وحسب تبريرات الجهات المسؤولة فإن العملية معقدة وتحتاج إلى مزيد من الوقت…
ورغم مرور سنوات طويلة على تجاوب العائلة مع مطلب المجلس الاستشاريّ لحقوق الإنسان بإجراء تحاليل جينية تأكيدية، فإن الجهات المسؤولة ما زالت ترفض الكشف عن النتائج المتوصَّل إليها، وهو الأمر الذي جعل عائلة وزان تعتبر أنّ جريمة الاختفاء القسري ستظل قائمة ما لم تتسلم رفات ابنها بعد التأكد من هوية الرفات المنسوبة إليه.
يقول عبد الرحيم الوزان ابن بلقاسم: «آمنت العائلة بأن تحركها ضروري من أجل استرجاع دفء الأب وهيبته إلا أن محاولاتها باءت بالفشل رغم مراسلتها لأعلى سلطة في البلاد… لم تيأس العائلة فواصلت البحث رغم الحصار المفروض عليها والتهديدات التي كانت تتلقاها الوالدة. استبشرنا خيرا بالعفو الذي شمل ضحايا الاعتقال سنة 1973 والذي أصدر سنة 1980، إذ تم إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، كان الصيف آنذاك وكنت أذهب أنا وإخوتي يوميا لمحطة الحافلات لعل ذلك الوجه الأبوي يطل علينا في أية لحظة، غير أن انتظارنا كان يجر أذيال الخيبة كلما تشبثنا بشعاع أمل عودة الأب. مرة أخرى راسلنا الجهات المسؤولة وبادلتنا السلطات القمعية بالترهيب إلى درجة أنها اقتحمت بيتنا في أحد الأيام وفتشته واعتقلت والدتنا لمدة 6 ساعات وحاولوا إرغامها على أن تشهد بأن يونس محمد وهو أب عمتها كتب لها رسالة ويونس محمد كان قد أفرج عنه في نفس السنة بعدما كان قد حكم عليه بالمؤبد. وفي الدورة 12 من دورات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في أكتوبر 1998 سيعلن على اللائحة 112 المتضمنة لأسماء المختطفين المتوفين، وكان اسم الوالد أدرج ضمنها تحت رقم 35 رغم أنه أدرج بإسمين وزان حمو بلقاسم فوزان حمو هو ابن عم الوالد اعتقل وحكم عليه بالبراءة واختطف لمدة 6 سنوات ليتم إطلاق سراحه والعثور عليه بإحدى دوائر الجديدة. وبعد البحث المدقق ومراسلة وزير العدل في 31 دجنبر 2000 أجابنا على أساس أن وزان بلقاسم اسم مدرج في اللائحة 112 وأنه توفي بأكدز وصدر حكم ببوعرفة بتقييد وفاته في سجل الحالة المدنية وعللت لنا المحكمة بعد بحثنا وفاته بشهادة طبية قيل فيها بأن بلقاسم توفي بمستوصف قروي بزاكورة وأطلعونا على تقرير يقول بأنه رجل عادي سائح وافته المنية بعد وعكة صحية. فمن ستصدق إذن تقارير الطبيب والقضاء أم شهادات العديدين الذين نجوا من جحيم أكدز وقالوا أنه مات به من جراء العذاب ووحشة المعتقل».

عن جريدة ..ا.ش

15مارس2014

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…