القوات الأفريقية والفرنسية غير كافية لوقف العنف
7مارس 2014
(بانغي) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم بعد زيارة عدة بلدات وقرى في الجزء الشمالي الغربي من البلاد إن السكان المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى قد فروا جماعات في مواجهة الهجمات المستمرة التي تشنها ميليشيا مكافحة بالاكا. وقد كان تواجد القوات الفرنسية والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في تلك المناطق غير كافٍ لحماية السكان المسلمين، الذين تم استهدافهم من قبل ميليشيا مكافحة بالاكا انتقاماً من انتهاكات مروعة ارتكبتها جماعة سيليكا الغالب عليها العنصر المسلم على مدار العام الماضي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الاتحاد الأوروبي والدول المعنية الأخرى فوراً أن يعاونوا القوات الفرنسية وقوات الاتحاد الأفريقي في محاولة بث الاستقرار في البلاد ووقف استهداف المسلمين بالعنف. على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يصرح على وجه السرعة ببعثة حفظ سلام أممية قوية، كما تصورها الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل حماية المدنيين وتوفير الأمن الضروري لإعادة بناء البلاد، التي دمرتها انتهاكات حقوق الإنسان الموسعة وما أسفرت عنه من كارثة إنسانية.
وقال بيتر بوكارت، مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: “إننا نرى تجمعات سكانية مسلمة كاملة كانت تعيش في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ أجيال وهي تفر من ديارها. المسلمون في جمهورية أفريقيا الوسطى يتعرضون لظروف لا تحتمل وأعمال عنف مروع، ولم تتمكن القوات الأفريقية والفرنسية من حماية هؤلاء السكان”.
كما أصدرت هيومن رايتس ووتش اليوم صور قمر صناعي توثق الدمار الموسع اللاحق بالمنازل على أيدي ميليشيا مكافحة بالاكا، وقبل ذلك من قبل تحالف سيليكا، الذي استولى على السلطة في انقلاب في شهر مارس/آذار 2013.
تتكون ميليشيا مكافحة بالاكا بالأساس من مسيحيين ووثنيين اجتمعوا في سبتمبر/أيلول على شن هجمات انتقامية في مواجهة هجمات تعرض لها مسيحيون على يد تحالف سيليكا. أما القوات الفرنسية والأفريقية التي انتشرت في جمهورية أفريقيا الوسطى في ديسمبر/كانون الأول لوقف عنف السيليكا، فقد وجدت موقفاً مختلفاً حيث ميليشيا مكافحة بالاكا تمارس سيطرة أوسع، وتجبر السيليكا على التراجع ومعاودة التجمع، مع تعرض السكان المسلمين أكثر من غيرهم لأعمال النهب والسلب.
خلال الأسبوع المنقضي وحده، شاهدت هيومن رايتس ووتش بعض أخر المسلمين في عشرة مواقع على الأقل في شمال غرب البلاد وهم يفرون إلى تشاد والكاميرون، من الحدود الشمالية والغربية لجمهورية أفريقيا الوسطى، على التوالي. في 1 مارس/آذار 2014 قامت قافلة من شاحنات تجارية متجهة إلى الكاميرون – تحت حماية قوات حفظ السلام الأفريقية – بإجلاء مسلمين من بوالي وبوسيمبتيلي وباورو.
في بوالي، أجلت القافلة 650 مسلماً كانوا يعيشون هناك تحت حماية الكنيسة الكاثوليكية طيلة ستة أسابيع، وكانت البلدة دون أي تواجد لمسلمين بها. ومن باورو، أجلت القافلة أخر 20 مسلماً من الكنيسة الكاثوليكية. ترك ذلك البلدة التي كانت عامرة بأربعة آلاف مسلم فيما سبق و12 مسجداً على الأقل، دون مسلم واحد يقطنها. في بوسيمبتيلي، أجلت القافلة نحو 190 مسلماً، لكن تركت 65 مسلماً في حالة من الضعف، بين نساء وأطفال ومعاقين لم يتمكنوا من صعود الشاحنات. وجدت هيومن رايتس ووتش تسعة أطفال مسلمين مصابين بشلل الأطفال، ورجل مسن يعاني من الجذام، بين من تركتهم القافلة.
حليمة البالغة من العمر 25 عاماً، وهي سيدة مسلمة تعاني من سوء التغذية الحاد، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن ميليشيا مكافحة بالاكا قتلت زوجها وحماها في يناير/كانون الثاني، وإن أطفالها الثلاثة اختفوا أثناء الفوضى. حاولت صعود الشاحنات المغادرة في 1 مارس/آذار، لكن لم تجد في نفسها القدرة على الصعود. قالت لـ هيومن رايتس ووتش وهي تبكي: “لم يكن هناك أحد يساعدني. رحت أنادي عليهم أن يأخذوني لكنهم غادروا من دوني”.
قال بيتر بوكارت: “إن عمق المعاناة التي تسبب فيها عنف ميليشيا مكافحة بالاكا لا يمكن تخيله”. وأضاف: “في محاولة مُضَللة للانتقام من الدمار الذي تسببت فيه قوات سيليكا، ترتكب ميليشيا مكافحة بالاكا انتهاكات مروعة ضد السكان لمجرد أنهم مسلمون”.
السكان المسلمين في يالوكي، الذين تجاوز عددهم فيما سبق 10 آلاف نسمة، رحلوا تماماً عن تلك المنطقة. وقد رحل آخر مسلم إلى تشاد قبل أسبوع. وفي بلدات وقرى أخرى كثيرة زارتها هيومن رايتس ووتش، منها بلدات سوق كبيرة، مثل زاوا وبيكاديلي وبوغانانغون وبلدات أصغر مثل بوغويرا، لم يبق مسلم واحد.
في 28 فبراير/شباط قتل مقاتلو مكافحة بالاكا أخر مسلم في مبايكي، المكان الذي كان من أكبر التجمعات السكانية للمسلمين في البلاد، وتعدى سكانه من المسلمين قبل النزاع 4 آلاف نسمة. كذلك أحرقت قوات مكافحة بالاكا المسجدين الرئيسيين في المدينة. وقاموا بالقبض على صالح ديو، الذي رفض مغادرة البلدة وكان يحاول التماس الأمان في مركز الشرطة، وقطعوا عنقه.
في 12 فبراير/شباط قام كل من وزير الدفاع الفرنسي، جين إيفيز لى دريان، ورئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى الانتقالية، كاثرين سامبا بانزا، بزيارة مبايكي وأعلنا أنها “رمز” للتعايش السلمي والمصالحة.
حتى في التجمعات السكانية التي مكث فيها المسلمون، فهم يتعرضون لأعمال عنف شديدة من مكافحة بالاكا. في بودا، وهي مركز لتجارة الألماس، مكث ما يُقدر بثلاثة إلى أربعة آلاف مسلم، لكنهم لا يمكنهم مغادرة الحي المسلم في البلدة، رغم تواجد القوات الفرنسية. ولقد منع مقاتلو مكافحة بالاكا الجميع من بيع الطعام للمسلمين، وفي 28 فبراير/شباط، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن العديد من المسلمين في بودا يتضورون جوعاً. تنتشر القوات الفرنسية بين التجمعات السكانية المسلمة والمسيحية، وتبعدهما عن أحدهما الآخر، لكن لم تتمكن من وقف حصار الغذاء، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
الحاج عبده كاديل، وهو رجل مسلم يعاني من الهزال الشديد، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه دفن اثنين من أبنائه، موسى، 3 سنوات، ومحمد، 4 أعوام، وقد ماتا من الجوع قبل يوم. كانت زوجته هزيلة وضعيفة من الجوع لدرجة أنها لم تتمكن من التكلم.
وفي بوهونغ، وهي بلدة كبيرة لرعي الماشية فيها العديد من جماعة البيول الإثنية، وجدت هيومن رايتس ووتش 120 مسلماً مازالوا هناك داخل المسجد. قالوا إن مكافحة بالاكا أعدموا اثنين من رعاة الماشية البيول بعد أن خرجا للبحث عن رؤوس ماشية تخصهما قبل 10 أيام. عندما واجهت هيومن رايتس ووتش قادة في مكافحة بالاكا بعملية الإعدام المذكورة، تبين أن القادة قد اعترفوا بالمسؤولية عن القتل، إذ قالوا: “طلبوا الخروج للبحث عن الأبقار، فقلنا، طبعاً، والمهم… لم يعودا”. ثم بدأ القادة في الضحك.
صور القمر الصناعي
حصلت هيومن رايتس ووتش على صور قمر صناعي وحللتها، وهي توثق حجم الدمار اللاحق بأكثر من 60 بلدة وقرية متضررة في شمال غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك على مدار الشهور الأخيرة، وحيث انتشرت قوات حفظ السلام.
في بوسانغوا على سبيل المثال، أظهرت صور القمر الصناعي الرحيل السريع لآلاف السكان المحليين في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2013، وكذلك التدمير الممنهج لأكثر من 1400 بناية أغلبها سكنية. رصدت هيومن رايتس ووتش وجمعت شهادات شهود تدعم رواية الخروج الجماعي لتجمع المسلمين بالكامل من بوسانغوا، وهم بين 7 و10 آلاف نسمة. التمس السكان الحماية في مدرسة قريبة، وهي مدرسة الحرية، بعد هجمات لمكافحة بالاكا على البلدة في 5 ديسمبر/كانون الأول. بدأت حملة إحراق لأغلب البنايات السكنية أواسط ديسمبر/كانون الأول ثم أواخر يناير/كانون الثاني 2014 فأدت إلى التدمير شبه الكامل للحي المسلم، بورو، في النصف الشمالي من البلدة.
وفي بوهونغ، قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات سيليكا هاجمت البلدة في أواخر سبتمبر/أيلول 2013، وتعمدت استهداف الأحياء المسيحية، ولم تترك سوى الحي المسلم في الجزء الجنوبي من البلدة، دون أن يتضرر بشكل جسيم. أكدت صور القمر الصناعي هذه النتائج وأظهرت أن أكثر من 1130 بناية – أغلبها سكنية – يُرجح أنها احترقت تماماً بحلول مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.
عندما قابل ممثلو هيومن رايتس ووتش قادة من مكافحة بالاكا في بوهونغ الأسبوع الماضي سألوهم إن كانوا على استعداد للسماح للمسلمين المتبقين بالمكوث، فكان رد القادة: “فقدنا بيوتنا بسبب السيليكا. رموا جثثنا في حفر الماء. وظل المسلمون يعيشون في بيوتهم لأنهم كانوا مع سيليكا، والآن تطلبون منا أن نتحمل وجودهم هنا؟” طلب القائد من القائمين على أمر المساعدات الإنسانية العاجلة أن تخصص لسكان القرية غير المسلمين لإعادة بناء بيوتهم وحياتهم.
وجدت هيومن رايتس ووتش موقفاً مماثلاً في بودا، حيث تم إحراق 892 بيتاً لغير المسلمين أثناء العنف المجتمعي الذي نشب هناك في مطلع فبراير/شباط. كذلك قال قائد مكافحة بالاكا لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا يمكنه تحمل بقاء المسلمين في بيوتهم السليمة في بودا في حين يضطر غير المسلمين للنوم في العراء بسبب تدمير سيليكا لمساكنهم.
وقال بيتر بوكارت: “الاحتياجات الإنسانية في جمهورية أفريقيا الوسطى كبيرة وماسة للغاية، وإذا لم يتم الوفاء بها، فسوف يسهم ذلك في مزيد من النزاع”. وتابع: “على المانحين أن يوفروا مساعدات لإعادة الإعمار لمن فقدوا بيوتهم، وهو ما قد يقلل من حدة التوترات المجتمعية التي تؤجج نيران العنف”.
عن هيومن رايس ووتش