الحاج عمر المتوكل الساحلي

مُساهمة من طرف محمد الورياكلي

 

ليس من السهل اختزال مسيرة رجل مثل الحاج عمر المتوكل الساحلي، في سطور معدودة، فالرجل جمع بين خصال المجاهد الوطني من أجل الاستقلال، والمربي، والعالم السلفي المتنور والمنفتح

خبر محن النضال ضد الاستعمار، ليواصل نضاله بعد الاستقلال من أجل البناء الديمقراطي، إلى جانب المهدي بنبركة، عبدالرحيم بوعبيد…، فمن يكون الحاج عمر المتوكل الساحلي؟

هو الحاج عمر بن ابراهيم بن احمد بن مبارك بن سعيد الملقب ب ” عدي”، ابن محمد بن احمد بن موسى بن باها بن محمد البوزيادي ( من بني ياسين). ومن المرجح أن الحاج عمر المتوكل الساحلي ينتمي لفخذة اداوبوزيا Iddaoubouzia من قبيلة آيت ايخلف إحدى قبائل آيت باعمران.

رأى النور الحاج عمر بن ابراهيم المتوكل الساحلي سنة 1912 ( سنة توقيع وثيقة الحماية ودخول الاستعمار للمغرب) بدوار ” إد عدي” قبيلة الساحل إقليم تيزنيت. عاش طفولته متنقلا بين مدارس قرآنية عديدة بقبائل الساحل وماسة وآيت ابراهيم، قبل أن ينتقل والده مشارطا ممارسا للتعليم والإمامة إلى منطقة أولوز ناحية تارودانت، بمدرسة سيدي سعيد احمد بقرية تيركيت. وهناك أتقن الشاب عمر، قراءات ورش وقالون والمكي، كما برع في النحو والفقه وغيرها من العلوم.

مارس مهنة التعليم، ملقنا طلبته مواد الفقه والنحو والأدب والمؤلفات، لكن لم تمر هذه التجربة بسلام، فتم اعتقال الساحلي بتامازط نواحي أولاد برحيل، لينقل إلى سجن تارودانت ومن ثمة إلى تيزنيت. عاش هذه المحنة ليس بفعل ظروف الاعتقال فحسب، بل لعلمه باعتقال والده وزوجة أخيه. مكث بالمعتقل (33 يوما) مابين دجنبر ويناير 1944، ليعلم بوثيقة 11 يناير 1944م وهو رهن الاعتقال. وظل معتقلا لمدة 68 يوما لتسوء حالته الصحية ويفرج عنه في 13 فبراير 1944 ليبلغه أحد الأصدقاء بوفاة والده في 20 يناير 1944.

بعد هذه المحنة الأولى، التحق بمقر عمله ليجد مكانه فقيها آخر تم تعيينه من لدن قاضي ايكودار، لأن عودته كانت غير مرغوب فيها من قبل السلطات الاستعمارية وأعوانها. فتعرض للعديد من المضايقات، وحرم من ممارسة مهنته بشتى الوسائل إلى أن التحق بالعمل بجماعة تيركت باولوز، ليدرس الطلبة بمدرسة “سيدي سعيد او احمد”.

في هذه المدرسة، سيلعب الحاج عمر الساحلي دورا نشيطا في نشر الوعي الوطني وللتعبئة ضد مخططات الاستعمار، من خلال اطلاع طلبته إضافة إلى تلقينهم الدروس في النحو والفقه والتاريخ والأدب، على مضامين الجرائد الوطنية آنذاك ك”العلم” و”الرأي العام” ومجلة “رسالة المغرب”. وخلال هذه المرحلة، تعرف على العديد من الوطنيين ومنهم: سعيد بن الحسن العلوي، ورشيد المسلوت، والحسن بن امحمد نايت موسى، والفقير احمد بن عبد الله ايت وليل ( صهره). وكان من مواقفه في هذه الفترة، اعتراضه على تحفيظ أراضي ايندوزال، وهنا تبين للاستعمار أن الفقيه عمر الساحلي أصبح يشكل خطرا على تواجدهم بهذه المنطقة. وفي نفس الآن، علم الفقيه عمر الساحلي أن القاضي رشيد المسلوت رشحه لمهنة العدالة، هذا الترشيح الذي رفضته السلطات المتواطئة مع الاستعمار، ليتم تقديمه للمحاكمة رفقة 20 فردا من ضمنهم صهره على خلفية معارضة عملية التحفيظ، ليحكم عليه بشهر حبسا نافذا، وينقل إلى سجن تارودانت مشيا على الإقدام (90 كلم)، وليطلق سراحه في نونبر 1948.

وفي 23 نونبر 1949، اتجه الساحلي نحو تاكركوست بتالوين، مرورا باكادير حيث التقى بالمرحوم الحبيب الفرقاني (الملقب بالغيغائي)، غير أن السلطات بتالوين لم ترغب في بقاءه، فاستدعته وأملت شروطها عليه. مما جعله يقرر الاتجاه نحو مراكش ليقيم بها 7 سنوات.حيث تابع هناك دروس العلامة المختار السوسي بمدرسة الرميلة، إلى أن رشحه هذا الأخير، لتعليم أولاد الخليفة السلطاني مولاي ادريس.

وفي أوائل يوليوز 1953، سيرحل الحاج عمر الساحلي(المرابط: وهولقبه الحركي) إلى مدينة الدار البيضاء، ليتعرف وليربط الاتصال برجال المقاومة هناك، كالمرحوم عبد العزيز الماسي، مولاي العربي الشتوكي، كما سيتعرف على سعيد بونعيلات، وعبد الرحمان الصنهاجي، وأحمد الخصاصي، والحسن بنهمو السكتاني، ومولاي البصري، ومولاي عبدالسلام الجبلي( الملقب بالموتشو).

وفي أواخر أكتوبر، عاد الساحلي مجددا إلى مراكش، ليلعب أدوار مهمة في تأجيج كفاح المقاومة صحبة محمد السوسي (التريسيان)، ومولاي امبارك الناجي، والحسين البزيوي، وهناك التقى بالعديد من رجالات المقاومة أمثال: حمان الفطواكي (الحاج)، وتعرف على عمر بن الحسن، وبوجمعة بن المعطي (ابو فراس). وبمراكش تم تكليف الساحلي بتجديد الاتصالات بالجماعات التي كان يسيرها كل من الحبيب الفرقاني ومحمد السوسي… بغية تمويل الحركة المسلحة. وقد تمكن الساحلي، من حشد الدعم المادي والمعنوي المطلوب وتأمينه، بمناطق عدة سواء داخل مراكش أو ضواحيها.

وفي 18 نونبر 1953، وعلى إثر توزيع منشور يحمل صورة الملك الراحل محمد الخامس، شنت السلطات الاستعمارية حملة شرسة ضد الوطنيين، حملة راح ضحيتها بفعل التعذيب الشاب احمد بن العربي الشياظمي، والذي استشهد دون الوشاية برفاقه

بعد الاستقلال، اعتذر الحاج عمر الساحلي، عن تعيينه في منصب قائد بتحناوت، كما رفض ترشيحه للقضاء بمدينة انزكان، وبحضور المختار السوسي والمهدي بنبركة تم تكليفه بإدارة المعهد الإسلامي بتارودانت، إضافة إلى تكليفه من لدن المهدي بنبركة بمهمة مفتش للحزب بورزازات.

محطة انتفاضة 25 ينايرر1959، كان الحاج عمر بن ابراهيم الساحلي، من بين المساهمين في التحضير لها والتعبئة لها، مما جعله من المؤسسين الفعليين لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث انتخب عضو بالمجلس الوطني للحزب في المؤتمر الوطني الثاني، كما كان من أبرز النشطاء في معارضة دستور 1962، حيث شكل الاستثناء بصفته رئيسا لجمعية علماء سوس، والتي كانت قد وافقت عليه باستثناء رئيسها.

في صيف 1963، ستجر الآلة القمعية الحاج عمر الساحلي، ليعتقل في إطار ما يعرف ب”مؤامرة 1963″، وهو نائب برلماني عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن دائرة تزنيت ومديرا للمعهد الإسلامي بتارودانت.

واصل نضاله بدون انقطاع خلال مرحلة الاستثناء التي عاشها المغرب، مما جعله دائم الحضور، فبصم على وثيقة 30 يوليوز 1972 لتجاوز مخطط التجميد، وساهم بقوة في مرحلة الوضوح والنضال من أجل البناء الديمقراطي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي قادها المرحوم عبد الرحيم بوعبد.

وخلال كل المحطات التنظيمية للإتحاد الاشتراكي، وتقديرا لما لعبه الرجل من أدوار، كان من بين من شكلوا رئاسة المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975، والذي انتخب فيه عضوا في اللجنة الإدارية. سنة 1978 نجده مجدد في رئاسةا المؤتمر الوطني الثالث للحزب ( مؤتمر الملكية البرلمانية )، لينتخب عضوا في اللجنة الإدارية للحزب. ويرأس كذلك على التوالي، أشغال المؤتمر الوطني الرابع 1984 والخامس 1989. غير أن تعب السنين، لعب دورا في عدم تمكنه من الحضور أشغال المؤتمر الوطني السادس للحزب 2001.

في 26 يوليوز 2003، انتقل إلى عفو الله الحاج عمر المتوكل الساحلي، مخلفا وراءه رصيد نضالي مشرق، فكان من العلماء المندمجين في الحياة اليومية وتطوراتها، وبذلك حاز لقب المقاوم والعلامة المنفتح على قضايا عصره. كما خلف العديد من المؤلفات منها:

– ” نفحة بدوية بسوس” مخطوط؛

– مخطوطات ادبية

وتاريخية وفقهية؛

– ” المعهد الإسلامي بتارودانت والمدارس العلمية العتيقة بسوس”؛


محمد الورياكلي

‫شاهد أيضًا‬

الإنسان المغربي الكامل؟ * الحسين بوخرطة

موازاة مع استحضاري في هذا المقام كل مقالاتي السابقة في شأن الخصوصية الثقافية والسياسية الم…