عن صفحة الكاتب الاول ادريس لشكر
Iنه لشرف كبير و فخر أن يتناول الإنسان الكلمة أمام نساء و رجال علمونا ما معنى المواطنة ، علمونا و نحن صغارا ما معنى الحرية ، علمونا و نحن فتيان ما معنى محاربة الاستبداد و الظلم و المطالبة بالديمقراطية . فقد كان لمؤسسة التعليم و المدرسة العمومية شرف خلق هذا الجيل من الوطنيين و التقدميين و الديمقراطيين ، وفي فضائها تعلمنا المنطق و العقلنة، و تعلمنا أن نقتنع و نؤمن بقضايا شعبنا .
الإخوة الذين تحدثوا قبلي ، أثاروا السياقات الدولية و الإقليمية و المحلية التي ينعقد فيها هذا العرس النضالي . و لاشك أنها تبدو سياقات معقدة جدا ؛ فهناك أزمة اقتصادية عالمية تلقي بظلالها على دول كانت بالأمس داعمة لنا في شمال البحر الأبيض المتوسط ، و في جنوب هذا البحر وقع الالتفاف على حركة ديمقراطية ناشئة ومناضلة في كافة هذه الدول من طرف قوى رجعية و ظلامية، ومشروع دولي يتهيب الإنسان من آفاقه، بدأ بمشروع الشرق الأوسط الكبير ولا نعرف مآله، ونتخوف أن يحول ربيعنا إلى خريف ، إنه حقا وضع معقد يتطلب منا جميعا أن نتجاوز آنانياتنا ، يتطلب منا جميعا أن نقتنع بأن تشرذمنا و تفرقتنا هو من سمح لهؤلاء بأن يختل ميزان القوى لصالحهم .
و حتى المكتسبات التي تحققت في عهد حكومة التناوب و الأدوار التي لعبتها في الانتقال الديمقراطي في بلادنا بإلغاء ظهير كل ما من شأنه و توسيع الحريات العامة و ضمان الحق في الاحتجاج و التظاهر، كل هذه المكاسب، و منها تلك المكتسبات المطلبية الاجتماعية و الاقتصادية، نرى اليوم أنها ـ و مع كامل الأسف ـ تطالها تراجعات خطيرة .
ونحن بصدد منظمة اجتماعية مناضلة وهي النقابة الوطنية للتعليم في إطاريها، لأننا في نهاية المطاف وحدة متماسكة سواء كنا في الفيدرالية أو الكونفدرالية ، نستحضر أن هناك مكاسب معينة جرى بالأمس حولها ، في إطار حراك معين ، حوار مؤسساتي أفضى إلى اتفاق 26 أبريل ، و اليوم لا نطالب بسقف فوق سقف اتفاق 26 أبريل ، بل نطالب فقط بتنفيذ هذا الاتفاق. ففيما يتعلق بالحريات النقابية نجد مثلا أن الفصل 288 من القانون الجنائي الذي لم يطبق منذ زمن لأنه يذكرنا بعهد ظهير كل ما من شأنه ، يستعمل اليوم في المحاكم ضد كل من اعتقل من النقابيين.
و دائما فيما يتعلق بالحريات النقابية ، نجد أن بلادنا لم تصادق بعد على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية ، و التي نص اتفاق 26 أبريل على المصادقة عليها، و ها قد مر على هذا الاتفاق ما يقارب سنتين دون تتم المصادقة .
و كذالك الأمر فيما يخص إحداث سلم جديد للترقي في الوظيفة العمومية ، و هو أمر حسم في اتفاق 26 أبريل ،و مازلنا ننتظر أجرأته إلى اليوم . و نفس الشيء بالنسبة للظاهرة الجديدة والتي تحتاج إلى وحدة متماسكة سياسية ونقابية لمواجهتها . فاليوم و بمنطق أصولي يقتطع وزير العدل بدعوى الإضراب من الأجور، ويواجه الموظفة و هي في عملها و يقول لها «واش حلال عليك أجرك و اللا حرام ؟ » .. التعامل في دولة الحق و القانون لا يتم بهذا المنطق الأصولي. نحن في دولة القانون و دولة المؤسسات ، و لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص . فكيف يلجأ إلى الاقتطاع من أجور المضربين من دون وجود نص في القانون التنظيمي للإضراب الذي لم يخرج بعد إلى حيز الوجود .
لذلك فنحن لا نجتمع اليوم في سياقات عادية لنتفق على دفاتر مطلبية ، نحن اليوم مجتمعون لنتوحد جميعا دفاعا أولا عن المكتسبات . فملفا التقاعد و صندوق المقاصة، يشكلان محورين أساسيين لكل وحدة نقابية و لكل وحدة سياسية ، و لكل وحدة للقوات الشعبية . فالقدرة الشرائية للمواطن مهددة اليوم بمنهجية أحادية، حيث أن الحكومة تتصرف و تعتقد و تتخيل أنها يمكن أن ترفع عن الطبقة الوسطى ـ التي ليست هي وسطى إلا بالاسم ـ الدعم عن المواد الأساسية، فيصير رجال التعليم مثلا ملزمين باقتناء قنينة الغاز ب140 درهما . فأي إصلاح هذا الذي يرفع ثمن الطاقة بهذا الشكل ثلاث مرات ؟
و فيما يتعلق بالتقاعد، كانت اللجنة التقنية قد اشتغلت و حددت لذلك أجلا في ستة أشهر، وانتهت إلى ما انتهت إليه . و كان من المفروض أن يفتح حوار لإيجاد الحلول في شموليتها ، حلول ينبغي أن تعتمدها الحكومة كما فعلت حكومة التناوب عندما ضخت أكثر من 11 مليار درهم من أجل حل مشكلة التقاعد بعد أن وجدت الصناديق فارغة بسبب أداء الحكومات السابقة .
وهنا ، لا نعتقد أن لقضايانا و لمشاكلنا عشرات التصورات للحلول حتى نخلق من أجل ذلك عشرات الإطارات النقابية . اليوم لن نستطيع المواجهة إلا إذا عملنا من أجل الوحدة .
أيتها الأخوات أيها الإخوة :
ذكرتمونا اليوم بالشهيد شكري بلعيد ، فكما أخذ المغاربة و الشعوب المغاربية الدرس يوم اغتيال الشهيد فرحات حشاد ، فخرجت الدار البيضاء و الشعب المغربي عن بكرة أبيه فوصلنا من 1952 إلى 1956 بتطور الحركة الوطنية و الحصول على الاستقلال ، نعتقد أن استشهاد شكري بلعيد خلق تحولا في المجتمع التونسي ؛ حيث سقطت هيمنة التيار الإسلاموي و الأصولي و المحافظ الذي اختل التوازن لصالحه ، و كان الدور في هذا السقوط للطبقة العمالية، حيث خرج الاتحاد العام في جنازة مليونية جعلت الحكام في تونس ترتعد فرائسهم ، في الوقت الذي لم يخرج في المسيرة المضادة سوى بضعة آلاف . لأن الطبقة العمالية في تونس موحدة، والظاهرة التي جعلت الشعب بهذا البلد يؤثر في إرجاع التوازن، تتضمن عنصرين حاسمين هما وحدة الطبقة العمالية والمرأة التونسية التي نعتز بكفاحها و نضالها .
لذلك ، أخواتي إخواني ، فما هو مطروح علينا اليوم هو مطلب واحد : لنتجاوز جميعا أنانيتنا وتشرذمنا و انقساماتنا، لأنه لم يعد أمامنا خيار بعد أن اختل التوازن لصالح هؤلاء .
ها نحن نرى كيف أن التراجعات تطال اليوم كل المكاسب السياسية التي ناضل من أجلها الشعب المغربي و التي أوصلته إلى الإصلاح الدستوري الذي انخرطنا فيه جميعا . تراجعات متمثلة في عدم إخراج القوانين التنظيمية . و نفس الشيء بالنسبة لنضالنا من أجل استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية ، و التي يضربها وزير العدل من أجل قمعنا، و قد شهد شاهد من أهلها عندما أكد قضاة أن القضاء ما زال يخضع لتوجيهات السيد الوزير .
هذا الواقع يؤكد أن كل المكاسب السياسية والدستورية التي ناضلنا من أجلها، تتهاوى وتتراجع اليوم ، دون أن نتحدث عن التراجعات فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية ، ودون أن نتحدث عن المساواة ، و عن مدونة الأسرة . كيف لفاقد الشيء أن يعطيه. أنتم تعرفون كيف يتعامل وزراء هذه الحكومة مع قضية المساواة .
لذلك أخواتي ، إخواتي ، تحية حارة لكل واحدة منكن، و لكل واحد منكم، تحية لكم جميعا. وبصراحة لم أجد مطلبا يجب أن نخرج به جميعا من هذا الجمع المبارك إلا الدعوة للوحدة والتضامن. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته