swissinfo.chعن وكالة
المغرب أمام امتحان صعب رغم بعض الإصلاحات الجريئة
محمود معروف – الرباط
فتح تقرير نشرته مؤخرا منظمة حقوقية أمريكية حول أوضاع المهاجرين السريّين بالمغرب الباب للتساؤل مجددا حول مِصداقية الإجراءات التي اتَّخذتها الرباط لتسوِية وضعية هذه الفئة من الأجانب الوافدين، وهي مُبادرة أقدم عليها لأول مرة بلد من بلدان الجنوب، رغم ما يُعانيه من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعْبة.
الملفت هنا أن تقرير المنظمة الحقوقية الأمريكية، جاء مُتزامِنا مع تقارير أخرى حول الحريات العامة وحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في المملكة، انتقدت جميعها مُمارسات السلطات المغربية في هذه المجالات، ووضعتها في مرتبة متأخِّرة عن دول “مُتخلِّفة” فعلا وذلك رغم الإصلاحات الكبرى والتقدّم الملموس الذي شهدته البلاد خلال السنوات الماضية، وهو ما أثار فعلا حَفيظة المسؤولين المغاربة.
تقارير واتهامات خارجية وردود مغربية
التقرير الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) يوم الإثنين 10 فبراير 2014 تحت عنوان “انتهاك الحقوق والطّرد: مُعامَلة الشرطة السيِّئة للمهاجرين من إفريقيا، جنوب الصحراء، في المغرب”، جاء حسب ما قاله مسؤول بالمنظمة لـ swissinfo.ch، “نتيجة أبحاث واستطلاعات ميْدانية ولقاءات مع منظمات حقوقية مغربية مهتمّة بأوضاع اللاّجئين”. من جهة أخرى، لم ينف التقرير تقدُّما عرفَه المغرب في مُعالجته لملَف المهاجرين وسجّله إيجابا.
السلطات المغربية قالت إن تقرير هيومان رايتس ووتش “يحمل الكثير من المُغالطات والمُبالغات ويتحدّث عن سلوكيات متجاوزة”، وهو ما قالت به أيضا منظمات مغربية تنشط في مجال الدِّفاع عن حقوق المهاجرين، إلا أن هيئات حقوقية أخرى أكدت ما ورد في تقرير المنظمة الأمريكية.
هيومان رايتس ووتش اتّهمت في تقريرها قوّات الأمن المغربية بخصوص علاقتها بالمهاجرين القادِمين من إفريقيا جنوب الصحراء والمقيمين في منطقة الشمال الشرقي في المغرب، وقالت إن هذه القوات “تقوم بضرْبٍ وانتهاكٍ في حقِّهم، وأحيانا سرِقتهم”، كما أشارت إلى أن “هناك استمرارا لهذه الإنتهاكات مع توقّف ترحيلهم بشكل جماعي نحو الحدود مع الجزائر”، منذ إعلان السلطات المغربية في سبتمبر 2013 عن سياسة جديدة في مجال الهجرة واللّجوء.
سياسة جديدة.. ولكن!
المنظمة الأمريكية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، أشادت بالسياسة المغربية الجديدة تُجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، التي اشتملت على إصلاحات مثل “منح الإقامة القانونية للمهاجرين الذين صنَّفتهم المفوضية السامية للاجئين، كلاجئين، وبعد أن تتِم معالجة وضْعِياتهم لدى مكتب اللاجئين والأشخاص عديمي الجِنسية، الذي تمّت إعادة تشغيله حديثا، يحصل اللاّجئون على بِطاقات لجوء تمنحُهم حقّ العمل والتمتّع ببعض الخدمات الإجتماعية”.
مع ذلك، نبّهت هيومن رايتس ووتش إلى أنه “يبقى من غيْر المُمكن تحديد نِسبة المهاجرين الذين يستجيبون للمَعايِـير المحدّدة من أصل 25 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء في المغرب، ولكن استطلاعا غيْر رسمي أبرَز أن العديد من المهاجرين الذين يعيشون في مخيّمات مؤقّتة في مدينتي الناظور ووجدة، تتوفر فيهم الشروط اللاّزمة”، على حد زعم المنظمة.
“مزاعم متجاوزة”
الحكومة المغربية رفضت مضمون تقرير المنظمة الأمريكية واعتبرت أنه “غير مُنصِف ويُغفل بشكل كبير سياسة الهجرة الجديدة التي اعتمدها المغرب”، كما أشارت إلى أن “مزاعم المنظمة مُتجاوَزة”، لأن صفحة الإنتهاكات طُوِيَت وهناك أخرى جديدة ينتهجها المغرب في مجال الهجرة، تقوم على ضرورة احترام حقوق المهاجرين والإلتزام الصارم بتطبيق القانون في التعامُل معهم وتقديم المساعدة للذين يُريدون العوْدة إلى بُلدانهم ومعاملتهم كجميع المغاربة، دون تمييز.
من جهته، صرح مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، بأن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، لا يتضمن أيّ إشادة بالسياسة التي اعتمدها المغرب، رغم أنها تُـعدّ سابِقة على مستوى القارّة الإفريقية، بالنظر لكونه البلد الوحيد الذي أعلن عن سياسة هِجرة إنسانية واجتماعية، يتحمّل فيها المسؤولية وتُـولي الإعتبار للمهاجرين، رغم أن قضية الهجرة هي قضية الجميع، وليست قضية المغرب بمُفردِه.
ولاحظ الخلفي أن السياسة الجديدة حول الهجرة التي أعلنها المغرب، تجعل بعض المزاعم والقضايا التي أثارتها منظمة هيومن رايتس ووتش “مُتجاوزة”، مُذكرا بأنه في حال وقوع أيّ عُنف، تقدّم شكايات إلى السلطات القضائية ويفتَح فيها القضاء تحقيقات.
في السياق نفسه، أشار وزير الإتصال في حكومة بن كيران إلى أن المغرب “اعتمد سياسة إنسانية تقوم على الوقْف الكلّي لعمليات الترحيل عبْر الحدود مع الجزائر، بتنسيق وشراكة مع المنظمة العالمية للهِجرة، وتنظيم عمليات العودة الطوعية”، مضيفا أن “أكثر من 14 ألف مهاجِر غيْر شرعي استفادوا من ظروف إنسانية كاملة، باعتماد سياسة تقرِّبهم من مؤسسات الرِّعاية الإجتماعية في مُدن داخل المغرب”، على حد قوله.
“تقرير مغلوط وغير أكيد”
في معرض ردود الأفعال الوطنية، أيّدت منظمات مغربية تنشط في ميدان المهاجرين، موقِف الحكومة مُنتقِدة بشدّة التقرير الصادر عن المنظمة الأمريكية، حيث عبّرت المنظمة الديمقراطية لحماية حقوق المهاجرين عن أسفها واستنكارها لِما تضمّنه التقرير، مؤكِّدة أنه “اكتفى في مُجمله بتقديم نقْد لاذِع للسلطات المغربية”، وقالت إن التقرير “يتضمّن مُعطيات مغلوطة وغيْر أكيدة”، كما جاء حسب زعمها “متجاهِلا المبادرة المغربية التي وُضِعت من أجل معالجة ملف المهاجرين جنوب الصحراء وكل المهاجرين والنّازحين من جنسيات مختلفة”.
من جهته، انتقد علي لطفي، الأمين العام لـ “المنظمة الديمقراطية للشغل” بشدّة، تقرير هيومن رايتس، ووصفه بغيْر الموضوعي وغيْر المُنصِف، وقال: “ربّما هنالك جِهات تسعى لإيقاف العملية، لكن علينا أن نعلم أن المغرب بلد إفريقي وليس أوروبي”. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، أشار لطفي إلى أن بعض “الإختلالات قابلة للعِلاج، من خلال التنسيق بين منظَّمته والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والقطاعات الوزارية المعنية ومنظمات المجتمع المدني المعنية”، إلا أنه طالب بـ “مزيد من التوعِية، خصوصا وأن بعض المهاجرين غيْر مُطّلعين على المُستجدّات، وبعضهم لديهم مُستويات تعليم مُتدنِّية”، على حد قوله.
تقرير هيومن رايتس ووتش غير “نظري”!
إبراهيم الأنصاري، ممثل منظمة هيومن رايتس ووتش بالمغرب قال لـ swissinfo.ch، إن تقرير منظمته “لم يكن تقريرا نظريا، بل كان تقريرا ميدانيا أنجزته المنظمة خلال شهر ديسمبر 2013 في مدينتي وجدة، شرق المغرب والناظور، شمال المغرب، بلِقاءات مع هيْئات ومنظمات تنشُط في ميدان حقوق الإنسان والهجرة، وكانت خُـلاصة الشهادات أن السلطات تعتقِل المهاجرين ولا تُـميِّز بين طالبي اللجوء والمهاجرين السريِّين أو بين الرجال والنساء والأطفال في الاعتقال والعُنف والتّرحيل.
وأوضح الأنصاري أن كل الشهادات التي تمّ الإدلاء بها، تُشير إلى أن السلطات بمدينة وجدة، قد أوقفت عمليات الإعتقال والتعنيف أو الترحيل، منذ الإعلان عن السياسة المغربية تُجاه المهاجرين، كما تفيد بأن المهاجرين باتوا يتحرّكون بحرية دون خوْف من الاعتقال أو الترحيل، إلا أن الوضع بمدينة الناظور يختلف عنه بمدينة وجدة، إذ أن السلطات لا زالت تعتقِل وتعنِّف، وبدلا من ترحيل المهاجرين نحْو الجزائر، باتت تُرحِّلهم نحو الرباط والدار البيضاء بدون مأوى.
تبايُـن في ممارسات السلطات
على صعيد آخر، قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنّه منذ إعلان الدولة المغربية عن سياستها الجديدة في مجال الهِجرة وعن التسوية الإدارية الإستثنائية للمهاجرين في وضعية غيْر نظامية، كثَّفت السلطات من حمَلاتها في مِنطقة الشمال بشكْل عام، وحوْل تُخوم مدينتيْ سبتة ومليلية بشكل خاص، لإجبار المهاجرين المُنحدرين من دول إفريقية على الرحيل نحو مدينة الرباط.
وأضافت الجمعية في بيان لها، أن “هذه التدخّلات العنيفة أسْفَرت عن مَقتَل مُهاجرين بمدينة طنجة، بالإضافة إلى عشرات الجرحى والمُـصابين، كما تمّت مُصادَرة عددٍ من حاجِياتِهم من ملابس وأواني وغيرها، وهو ما زاد في خلْق حالة من الرُّعب والهَلَع في أوساطهم، خاصة أن بينهم نساء وأطفال”.
تبعا لذلك، يشير هذا التبايُن في ممارسة السلطات المحلية بالناظور ووجدة إلى أن ما تُقرّه الجهات العليا بالمغرب أو ما تتّخِذه من قرارات، يبقى مُهدَّدا بممارسات مسؤولين محليِّين أو جهات محلية.
انعكاسات سلبية
وفي ميادين عديدة، تنعكس هذه الممارسات الفردِية والمحدودة (قِياسا مع الماضي المغربي) والإنتهاكات المرتكبة على صورة المغرب عموما، بل تبدّد ما طمحت إليه قرارات استراتيجية من ضمان مكانة متقدِّمة للمغرب في عدد من الدول المُنفتِحة والمُحترِمة لحقوق الإنسان، وعادة ما تزداد هذه الإنعكاسات السلبية كثافة لأن مَن يقوم بالممارسات لا يتعرّض للمُحاسَبة إلا نادرا.
في الأثناء، أكد إبراهيم الأنصاري، ممثل هيومان رايتس ووتش، أن التقرير الذي أصدرته منظمَّته سجَّل إيجابيات كثيرة بالسياسات المغربية الجديدة تُجاه المهاجرين وأضاف “سوف نتأكد من ثبات هذه السياسات وتطوُّرها الإيجابي بالمستقبل، كما ننتظِر أن يتبنّى البرلمان المغربي منظومة قوانين تُلزِم السلطات على تطبيقها وتُحاسِب المسؤولين الذين يُخالِفونها”.
إنه امتحان صعب أمام بلد تمكن خلال السنوات الماضية من قطْع أشواط لا بأس بها في عدد من ميادين حقوق الإنسان، وهو المجال الذي كلَّما توسَّعت فيه الدول وحقَّقت فيه إنجازات مُعتبرة حسب المعايير الدولية، كلَّما ثقل الحمْل وزادت المسؤوليات وتشدّدت المراقبة الخارجية، بعد أن بات يُشكِّل مِحوَرا أساسيا في ضبط وتائر العلاقات الدولية وبلورتها.