الملك محمد السادس يطوّر علاقات مغربية استثنائية مع إفريقيا.. |
العاهل المغربي يستعد لزيارة جديدة لأربع من دول جنوب الصحراء في تأكيد لفرادة سياسة المملكة نحو أفريقيا، المبنية على الوضوح والمعرفة الدقيقة. |
عن صحيفة ميدل ايست أونلاين 1 فبراير 2014 |
الرباط ـ لا يتوقف المغرب لحظة، وبتوجيه مباشر من الملك محمد السادس، عن تقديم المثل لما يجب أن يكون عليه التضامن بين الدول الإفريقية، بعيدا عن أي مزايدة سياسية أو منطق وصاية.
ومنذ استقلاله، التزم المغرب بجعل التعاون مع إفريقيا خيارا استراتيجيا وتقوية وتعزيز علاقاته متعددة الأطراف مع بلدان القارة السمراء بهدف إقامة شراكة حقيقية يكون الجميع فيها رابحا بما يدعم التعاون جنوب – جنوب ويفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة وللتضامن.
وتعكس جولات العاهل المغربي العديدة إلى عدد من الدول الإفريقية هذا الالتزام المغربي وانخراط الرباط في دعم التنمية في القارة المهمشة رغم إمكانياتها ومواردها الطبيعية والبشرية الهائلة.
وفي هذا الإطار تندرج أيضا تأتي الجولة التي يبدأها الملك محمد السادس الثلاثاء والتي ستقوده إلى أربع دول إفريقية.
وقال القصر الملكي إن العاهل المغربي سيقوم بزيارة رسمية إلى كل من مالي وغينيا وزيارة صداقة إلى كل من ساحل العاج والغابون.
وتدخل الزيارة الملكية لهذه البلدان الإفريقية في سياق اهتمام المغرب بالتعاون جنوب جنوب، باعتبار أن تاريخ علاقات المملكة مع دول إفريقيا تاريخ عريق، وقد رسخ هذه العلاقات الدين الإسلامي الحنيف وحركة المبادلات التجارية والتدفقات البشرية.
ويركز المغرب في علاقاته مع البلدان الإفريقية على دعم وتقوية تعاونه الثقافي والاقتصادي والتجاري مع أغلب دول إفريقيا جنوب الصحراء وذلك في إطار ترسيخ شراكة استثنائية عريقة ومثمرة مع هذه الدول والتي تنفتح يوما بعد يوم على آفاق جديدة واعدة، كما يقول مراقبون، وهو ما نجح المغرب في تحقيق الكثير منه بفضل زيارات ملكية مماثلة في مناسبات سابقة.
ومكنت زيارات الملك محمد السادس إلى الدول الإفريقية المتعددة من توقيع الكثير من الاتفاقيات الهامة مع العديد من هذه الدول، طالت مختلف القطاعات.
وعادة ما تتميز هذه الزيارات بإطلاق المغرب لمبادرات إنسانية واجتماعية تمثلت بالخصوص في تقديم مساعدات ملموسة للمواطنين المحليين في ميادين الصحة والتنمية البشرية وفي مجال مكافحة الجراد وغيرها.
ويرتبط المغرب مع البلدان الإفريقية بأكثر من 500 اتفاقية للتعاون تشمل مختلف المجالات والقطاعات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والإنسانية إلى جانب اتفاقيات متعددة الأطراف تشكل بدورها آلية متجددة تمكن هذه الدول من الاستفادة من الخبرة المغربية في القطاعات التقنية وكذا من تمويلات ثنائية ومتعددة.
ويركز المغرب في علاقاته الإفريقية أيضا، على الاهتمام بشكل خاص بتأهيل الموارد البشرية من خلال فتح الجامعات والمعاهد العليا المغربية في وجه الطلبة الأفارقة حيث يتابع حوالي 8 آلاف طالب إفريقي دراساتهم العليا بالجامعات والمعاهد المغربية من ضمنهم أزيد من 6 آلاف و500 طالب يستفيدون من منح مغربية.
وأعطت الزيارات المتعددة للعاهل المغربي إلى عدد من الدول الأفريقية دفعة قوية وحقيقية لعلاقات التعاون مع هذه البلدان في المجالات التنموية المهمة، كالفلاحة، والصيد البحري، والتعليم والتكوين والصحة وتدبير المياه والري والمواصلات والتجهيزات الحضرية.
وتضم دول إفريقيا جنوب الصحراء استثمارات مغربية مهمة تقدر بنحو 400 مليون دولار، وتسعى الرباط إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في المنطقة التي تشهد تناميا سريعا على مستوى الاستثمارات لتوفير البنى التحتية في مختلف المجالات.
وتتواجد حاليا مجموعات مغربية كبرى في قطاعات البنوك والنقل الجوي والاتصالات والماء والكهرباء والسكن الاجتماعي والتأمين والأشغال العمومية والبناء والموانئ في حوالي 20 بلدا إفريقيا.
وتعمل هذه المجموعات على إنجاز مجموعة من المشاريع ونقل الخبرة والتجربة المغربية للكفاءات المحلية وخلق الثروة وتحقيق التنمية.
وفي المسألة الدينية، أعلن المغرب في سبتمبر/أيلول 2013 على موافقته على تدريب 500 إمام من مالي “للإستفادة من التجربة المغربية في تدبير الحقل الديني لمواجهة التطرف”.
واعلن المغرب الأربعاء أيضا عن تدريب أئمة لكل من تونس وليبيا وغينيا.
وقال السليمي “المغرب يقدم خبرته الأمنية والدينية لإفريقيا لمواجهة الفكر المتطرف”، في إطار برامجه لـ”إعادة هيكلة الحقل الديني”.
وينعكس تضامن المغرب مع البلدان الإفريقية كذلك، في مساهمته في عمليات تحقيق السلم والأمن التي قادتها منظمة الأمم المتحدة في العديد من الدول التي كانت تعاني في السابق من نزاعات وحروب أهلية كالصومال وكوت ديفوار وحاليا جمهورية إفريقيا الوسطى حيث تواصل القبعات الزرق المغربية مهامها لفائدة السكان الذين يعانون من الحرب والجوع والأمراض.
وقال منار السليمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط إن “المغرب يريد ان يلعب دورا استراتيجيا في منطقة الساحل والصحراء واعادة بناء الدولة في مالي وتحصينها من مخاطر الجماعات المتطرفة في الشمال”.
ويعتبر المغرب منطقة الساحل والصحراء استراتيجية بالنسبة له وكثيرا ما ينبه المنظمات الدولية والمجتمع الدولي إلى تنامي الإرهاب في المنطقة مما يهدد أمن المنطقة المغاربية.
وأكد السليمي أن “التشخيص المغربي للأوضاع الأمنية في منطقة الساحل والصحراء كان صائبا زكته تقارير دولية”.
وكان المغرب قد على التزامه بهذا التوجه الإفريقي من خلال مبادرة الملك محمد السادس سنة 2000 التي تمثلت في إلغاء ديون البلدان الإفريقية الأقل نموا وإعفاء سلعها ومنتوجاتها من حقوق الجمارك.
وقال منار السليمي “غياب المغرب عن الاتحاد الافريقي لم يؤثر على علاقاته السياسية والإقتصادية بافريقيا خاصة في فترة محمد السادس الذي يعتبر افريقيا هي العمق الإستراتيجي للمغرب”.
ويقول مدير المرصد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية شارل سان برو إن الالتزام المغرب بإفريقيا وتطلعاتها مكنه من أن يكون “البلد العربي الوحيد الذي يتوفر على سياسة إفريقية واضحة ومستمرة ومعرفة دقيقة وعلاقات إنسانية وثقافية ودينية مثمرة مع البلدان الإفريقية”.