يوسف فاضل يحصد جائزة المغرب للكتاب ويحوم بـطائره حول جائزة بوكر | ||||||||||
يوسف فاضل استفاد في تشييد عالمه الروائي من تجربته في كتابة السيناريو والكتابة المسرحية، من خلال كتابة مشهدية. | ||||||||||
عن صحيفة العرب مخلص الصغير [نُشر في 12/02/2014، العدد: 9467، ص(15)] | ||||||||||
الدار البيضاء-أعلنت يوم أول أمس اللائحة القصيرة لجائزة بوكر العربية، وتضم 6 روايات لعراقيين ومغربيين ومصري وسوري، الروائي المغربي يوسف فاضل كان بين الكتاب الستة الذين اختيرت رواياتهم في اللائحة القصيرة. وهي الرواية نفسها التي فازت مؤخرا بجائزة المغرب للكتاب. ومن المنتظر أن يتسلم الكاتب جائزته المغربية يوم 13 فبراير المقبل، بمناسبة افتتاح المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء. يتقدم الروائي المغربي يوسف فاضل لكي يتوّج بالجائزة عن روايته “طائر أزرق نادر يحلق معي”، التي تتوّج مسارا حافلا لروائي يقدّم لنا “سماءه” الروائية السابعة، مثلما كتب من قبل 6 روايات وسيناريوهات أفلام ومسرحيات شيقة، منها مسرحية “حلاق درب الفقراء”، التي حولها المخرج السينمائي المغربي الراحل محمد الركاب إلى فيلم سينمائي يحمل العنوان نفسه.
“طائر أزرق نادر يحلق معي”، الصادرة، مؤخرا، عن “دار الآداب” في بيروت، ليست رواية وحسب، بل هي روايات، بصيغة الجمع، تحكي فيها كل شخصية حكايتها التي تتقاطع مع حكايات شخصيات أخرى، وهكذا… لنتعرف على تفاصيل الحكاية من خلال شكلها، كما نتعرف على كل شخصية من خلال فعلها وقولها، على لسانها وحنينها والأنين. لكل حكايته وروايته التي يرويها، وهي روايات وحكايات تروى على مدى 26 سنة، وتتقاطع في ما بينها، لتبني لنا بطريقة فريدة رواية يوسف فاضل الجديدة. حكايات في رواية الرواية الأولى هي “رواية زينة: الاثنين 21 أيار 1990. الثامنة مساء”، وهذا هو عنوان الباب الأول من الرواية، وفيه تحكي زينة عن قصتها وهي تشتغل في بار اللقلاق، بمدينة آزرو، إلى جانب أختها “ختيمة”، ليلة حل بالبار، وحط على “الكونطوار”، شخص يحمل رسالة تدل زينة على مكان تواجد زوجها عزيز، الذي اختطف ليلة زفافهما، قبل 18 سنة من هذه الليلة، دون علم أحد، ليدخل في عداد المعتقلين السياسيين، على خلفية الانقلاب الثاني على العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، في 16 أغسطس 1972، الذي شارك فيه زوجها الطيار عزيز، وهو أحد العسكريين الذين استهدفوا طائرة الملك من القاعدة العسكرية لمدينة القنيطرة (25 كلم شمال العاصمة الرباط)، يوم كان عائدا من رحلة إلى فرنسا.
وبهذا، تنضمّ رواية يوسف فاضل إلى رفوف أدب السجون في المكتبة السردية المغربية، من خلال محكيات كثيرة، متعلقة بهذه المحاولة الانقلابية، وبالمرحلة المعروفة بـ”سنوات الرصاص”، كما وثق لها، أدبيا، كل من عبداللطيف اللعبي وعبدالقادر الشاوي وفاطمة البيه وجواد مديدش وصلاح الوديع والآخرون، مثلما وثق لها، سينمائيا، سعد الشرايبي وحسن بنجلون وجلالي فرحاتي وعبدالحي العراقي وأحمد بولان وكمال كمال. وإذا كانت هذه الأعمال المذكورة أقرب إلى الواقع وإلى وقع التجربة وقسوتها، لأنها بمثابة سير ذاتية، ذلك لأن كتابها وأصحابها إنما قاسوا تجربة السجن وكتبوا عنها، فإن رواية يوسف فاضل الجديدة تخييل في تخييل، لا يخلو، لأن صاحبنا الروائي قد عاش هو الآخر تجربة اعتقال، لمدة تقارب سنة. بعد كل ما مضى، يأتي صاحبنا، لكي يذكر زينة بعزيز، الذي لم تنسه، بعد، ويدلها على حافلة وموعدها، وهو يؤكد لها أنها ستقودها إلى عزيز، ومكان تواجده، حيث ستنتهي بها الرحلة، في نهاية الرواية، التي لا نهاية واضحة لها، عند معتقل تازمامارت المغربي الشهير، حيث قضى عزيز حياته التي لم يحياها بعد، وكأنه واحد من شخصيات دوستويفسكي في روايته “منزل الموتى” وعذاباتها. وعذابات مماثلة تقاسيها حبيبته زينة، التي قبلها عزيز ليلة زواجهما، في بداية السبعينات، وانصرف إلى القاعدة العسكرية، وهو لم يصدق أن رئيسه سوف يطلب منه أن يقود الطائرة، لا يهمه إن كان مطلوبا منه قصف الموكب الملكي، أم غيره، لأن ما يهمه دائما أبدا إنما هو التحليق عاليا عاليا في السماء. بينما ظلت زينة تنتظر مدة عمر يفوق عمرها: “فعلا أعاد إليّ قبلتي، عندما عاد، بعد ستة وعشرين عاما”. أما ختيمة، فقد رفضت أن تحيا أختها الصغيرة “زينة” حياة الدعارة والعهارة، كما تحياها هي، قدرا مقدرا، وهي تعيش، مع أختها، في بيت “جوجو”، المثلي جنسيا، الذي يشتغل بالقوادة في بار اللقلاق، حيث تعمل ختيمة وأختها زينة، وهو يعود مستوطنة فرنسية سوف تموت وتترك وصيتها الأخيرة، حيث كتبت الحانة في اسم ختيمة، بدل ورثتها الفرنسيين، نكاية فيهم، لأنهم إنما كانوا يترددون على المغرب، بعد استقلال البلد، فقط ليتأكدوا مما إذا كانت مدام جانو قد فارقت الحياة، ليرثوا الحانة ومن عليها، كما جاء في “الرواية الثانية” من الرواية، وهي “رواية “عزيز”، ثم تتوالى الروايات، من رواية “ختيمة”، ثم رواية “بنغازي”، حارس معتقل “تازمامات”، وخاله “بابا علي”، ورواية كلبة تازمامارت الشهيرة “هندة”، التي عاشت إلى جانب الحراس والمعتقلين السياسيين، في سنوات الرصاص، وخلدها الكاتب المغربي بالفرنسية عبدالحق سرحان في عمل يعود إلى سنة 2001، بعنوان “كلبة تازمامارت”. ننتقل في هذه الرواية من تعدد الأصوات إلى تعدد الروايات والسرود والمرويات، لنكون أمام “حيوات متجاورة”، بلغة الروائي المغربي محمد برادة، وهي روايات وحيوات تتقاطع وتتعاقب، على امتداد الرواية، لتحكي لنا الحكاية. وإلى جانب حكاية الكلبة “هندة”، التي تذكرنا بكلب الراحل عبدالرحمن منيف في رواية “حين تركنا الجسر”، هنالك حكاية الطائر، الذي يتراءى لعزيز، حيا وميتا، حرا ومعتقلا، وعلى وشك الموت أحايين أخرى، وهو يوحي بالحياة والتحليق و”التخفيق”، في مقابل “الإخفاق”. فقد ظل عزيز، الذي يرمز لـ”الشعب”، من خلال العبارة الشهيرة التي كان يستهل بها الملك الراحل خطاباته، مخاطبا المغاربة: “شعبي العزيز”. ظل عزيز يحلم بالطيور، لأنه يحلم بالتحليق، دائما… ولأجل ذلك، سوف يمتهن مهنة ربان طائرة “طيار”. وهنا، سيكون قدره أن ينتقل من آزرو، من قلب الأطلس المغربي المتوسط، إلى مدينة القنيطرة، وقاعدتها العسكرية، ليكون تحت إشراف قائده العسكري، الذي سيحرضه، من حيث لا يعلم ولا يفهم، على قصف طائرة الملك. ثم تنتهي به الحكاية معتقلا على وشك الموت، من فرط التنكيل والتعذيب، في معتقل تازمامارت المغربي الشهير، بينما تكاد تموت زوجته زينة، بحثا وعشقا في الطريق إليه، هو هو أو الموت دونهُ. أصل الحكاية أما أصل الحكاية، فيعود إلى الرواية السابقة ليوسف فاضل، وهي رواية “قط أبيض جميل يسير معي”. يحكي الروائي المغربي، في لقاء سابق مع جريدة “العرب”، أن القاص المغربي المعروف أحمد بوزفور هو الذي اقترح عليه العنوان، وأنه لا صلة مباشرة بالمضمون، ولا بالمكان، كما الزمان. مثلما يؤكد بوزفور، في لقاء خاص، بأن عنوان أي عمل أدبي، أو فني، لا يقتضي أن تكون له صلة مباشرة بالنص الأدبي، على غرار عنوان “ققنس”، الذي أسمى به بوزفور آخر مجموعاته القصصية. وعلى نهج الرواية الأولى وعنوانها، تأتي الرواية الثانية ليوسف فاضل، وكأنها امتداد واجتهاد سردي جديد. وإذا كانت الرواية الأولى أكثر مرحا، وهي تحكي قصة مهرج الملك، ثم قصة ابنه الذي سيتعرض للاعتقال، وهي حكاية تجد مرجعيتها في قصة شخصية حقيقية لشخص يدعى “بينبين”، كان جليسا للملك الراحل، ومهرجا وتلك مهمته، وكان له ابن معتقل في سجون المملكة، من غير أن يقوى المهرج على إخبار الملك بذلك، أو أن يطلب منه عفوا عن ابنه أو صفحا عنه. يقضي عزيز تجربة الاعتقال في جحيم السجن، يعد الوقت بقطرات الماء التي كانت تعذبه حين تسقط من سقف الزنزانة، مدى حياته الأسيرة، أو بنبضات الألم الفظيع، وهي صورة ترد على لسان عزيز في الهزيع الأخير من الرواية. |