أدت اتهامات وجهها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية ضد رئيس جهاز المخابرات والرجل القوي في السلطة الجنرال توفيق مدين، إلى زيادة الشرخ داخل حزب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وحتى مع الأحزاب الداعمة لترشحه لولاية رئاسية رابعة.أخطر ما في الأمر أن تتقاطع المصادفة في الذهنية العادية مع قانون المخابرات الجزائرية الثابت في تحليل الأوضاع داخل الجزائر، وما دمنا نتحدث عن الفرقعة التي أطلقها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، بمقارعته لرأس الاستخبارات العسكرية فليكن تاريخ 25 فبراير من العام 2010 وقتا مثاليا ننظر من خلاله إلى العمل المنظم لذلك الجهاز المتمرس على نسج الخيوط وعلاقته بملفات فساد تهم عدة مؤسسات منها “سوناطراك” كمناورة كان الهدف منها محاولة الاستقلال بقرار وزارة الداخلية عن وزارة الدفاع واستخباراتها.و بالعودة إلى تلك الانقسامات الظاهرة على السطح داخل مربع السلطة لا يمكن الفهم منها إلا أنها خادمة لاستقرار النخبة الحاكمة بالجزائر، فظاهريا كان مدير الأمن الجزائري يساند الرئيس ضد الاستخبارات لكن الحقيقة المعتمد عليها هي تحالف استراتيجي بين الجنرال توفيق مدين وعبد العزيز بوتفليقة منذ مجيئه إلى السلطة في العام 1999 على الأقل.كما أن الشروط غير المعلنة لتولي بوتفليقة مهمة الرئاسة لاتزال قائمة إلى الآن باعتبار فصل محاربة الفساد عن محاربة الإرهاب لازمة أمنية من أجل احتكار مزمن للجيش واستخباراته لكل مفاصل الدولة منذ عهد الهواري بومدين تصحيحا للاعتقاد السائد بأنه بدأ مع الحرب الأهلية بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في بداية تسعينيات القرن الماضي. لم تخرج الأمور عن السيطرة أبدا، لكن الذي وقع هو زيادة تمركز كل القرارات في يد الاستخبارات العسكرية ومراقبة كل الخطوط الأمنية.ونرى أن أيادي الجيش بقفازات سياسية لبوتفليقة كانت بادية في عملية إدارة ترشيحه للولاية الثالثة آنذاك. أما فرقعة عمار سعداني في فبراير 2014 باتهامه مخابرات توفيق مدين بالتقصير في أداء مهمتها الأمنية في حماية بوتفليقة وقبله الرئيس بوضياف، الذي اغتيل في 29 يونيو 1992، فلا نعتبرها مصادفة بل هي مهمة خلط الأوراق في عملية مسبوكة بدأت في سبتمبر 2013 مع التعديل الوزاري الواسع الذي أجراه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وذهب بقيادات داخل جهاز الاستخبارات والتي وصفها البعض بأنها تقليم لأظافر ذلك الجهاز المتغلغل في كل مؤسسات الدولة.الملاحظ هو أن عمار سعداني ربط الحماية الشخصية للرئيس بوتفليقة، الذي تعرض لمحاولة الاغتيال في 2007 في مدينة باتنة، باغتيال رئيس سابق يوحي ضمنيا بأن هذه الرئاسيات ربما سيكون لونها أحمر، علما أن السباق إلى قصر المرادية في العام 1999 كان يقتصر على حصان واحد.كما أن تعديل الدستور من أجل ولاية ثالثة أو رابعة لشخص أخذ نصيبه من الحياة والحكم لا يمكن اعتباره لعبة ديمقراطية، والدفاع عن ولايته الرابعة تحت مبرر سعداني بالقول إن ”بوتفليقة يمثل ضمانا للجزائر بالنظر إلى محاولات زعزعة أمنها”.إن اتهامات رئيس الحزب الحاكم عمار سعداني لرأس المخابرات والطباخ الكبير لأهم القرارات بالجزائر الجنرال توفيق مدين لم تكن اعتباطية أو فقط حربا إعلامية لربح نقاط انتخابية قادمة، بل نعتبرها كما كانت دائما مجرد توزيع للأدوار وتمويها متعمدا للنقاش الحقيقي المفترض فتحه من الطبقة السياسية والمثقفين حول أهلية عبد العزيز بوتفليقة للحكم وماذا قدم من إنجازات خلال ولاياته الثلاث السابقة للشعب الجزائري.حروب المربعات الأمنيةمايقال عن الماساة التي يعيشها الشعب الجزائري ينسحب على ما تعيشه العائلات المحتجزة بمخيمات تندوف، والتي تنسف كل أطروحات حقوق الإنسان التي يتبناها النظام الجزائري ويدافع عنها اللوبي المناوئ لوحدة المغرب الترابية.فالانتفاضات الحالية بمخيمات تندوف لا يمكن فصلها عما يحدث داخل الجزائر من صراع بين المجموعات المتحكمة في مربعات القرار، والتي تحاول التموقع والحفاظ على مصالحها، إنها منصة الصراع المخابراتي بين الأجهزة داخل النظام الجزائري والذي وصلت شرارته إلى غرداية تحت عنوان عنف طائفي.كما لا يخرج ما يقع حاليا بهذه المدينة عن كونه رسائل مشفرة مفاتيح حلها بيد من يحرك البيادق هناك، وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال: هل النظام الجزائري كان صادقا في العديد من مشاريعه السياسية والاقتصادية ومنها ما أطلق عليه قانون المصالحة والوئام بتوقيع بوتفليقة؟ حيث أن قيادة البوليساريو أطلقت يدها للميلشيات الحديدية داخل المخيمات ترهيبا لتلك العائلات الصحراوية المحتجة ضد الأوضاع الكارثية التي تعيشها، فالقمع والتسلط والعمل على فصل وعزل المحتجزين الصحراويين بمخيمات تندوف عن محيطهم الجغرافي والثقافي والديني الذي يجمعهم ببلدهم الأم المغرب، إلى جانب المتاجرة بمأساتهم والتضييق عليهم في معاشهم وحرمانهم من أبسط الضروريات. كل هذا إلى جانب معطيات أخرى جعلت من الصحراويين المحتجزين يفلتون من عقال الخوف والحصار المضروب عليهم وينتفضون ضد مرتزقة البوليساريو والمخابرات العسكرية الجزائرية وبالطبع ضريبة الدم كانت واضحة في قتيلين ذهبا ضحية سياسات الانفصال التي تنهجها البوليساريو بمباركة الجزائر. الأبعاد غير المعلنة
في السياق ذاته ومن أجل صرف الأنظار عما يحدث داخل مخيمات تندوف، نجد أن هناك محاولات متكررة، وعلى عدة مستويات للنظام الجزائري عبر أذرعه النشطة، لنسف النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية المغربية، وإرباك أجهزة الدولة في صياغة معقولة لحلول مفترضة لأية وضعيات محتملة تهدد أمن الأقاليم الجنوبية بالخصوص حتى لا تتكرر أحداث “أكديم ازيك”. وكان النظام الجزائري دائما ما يغطي سياسيا على كل أخطاء الأجهزة العسكرية، ونذكر على سبيل المثال محاولة استغلال عرب “البراربيش” بمالي ضد مصالح المغرب الحيوية على امتداد الصحراء والساحل. ولم تهدأ المؤسسة الأمنية الجزائرية في اقتناء أجهزة تكنولوجية حديثة تحت ذريعة مراقبة البؤر الإرهابية وطريق تحركها، لكن الهدف الأكبر كان تسهيل مراقبة الحدود المغربية الجزائرية وبالخصوص الجدار الترابي الذي بناه المغرب من أجل صد كل تسربات للميلشيات الانفصالية. نظام العسكر ليس هناك أكبر من التاريخ شاهدا عندما نجده يعيد نفسه ولو عبر أطياف وقنوات أخرى، فلنا في مثل هذا الشهر من سنة 1989 العبرة في الوقت الذي كانت مراكش على موعد مع قمة جمعت قادة شمال أفريقيا آنذاك الراحل الملك الحسن الثاني والجزائري الشاذلي بن جديد والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والزعيم الليبي معمر القذافي ورئيس موريتانيا معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع. وكان الهدف منها هو التوقيع على ولادة اتحاد مغاربي. وكان الأمل فيه كبيرا لتجاوز إعاقات الحدود التي خلقها المستعمر والعمل بين هذه الدول على التكامل والتعاون اقتصاديا سياسيا. لكن تطورات الأحداث المفتعلة من قبل أجهزة النظام الجزائري الاستخبارية بشكل خاص كانت بالمرصاد لهذا التكتل الإقليمي الهام، وأرادت كنتيجة لوضع الجزائر المتأزم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا الهروب إلى الأمام في خلق وضعية مشلولة لهياكل الاتحاد تعويقا لأي حل في الصحراء يمكن أن يمر عبر ذلك الاتحاد.
كما تدخل النظام العسكري في ملف المفاوضات المتوقفة والتي يشرف عليها كريستوفر روس، حيث تريد منه الجزائر والبوليساريو تلميعا لصورتها حقوقيا لأجل ممارسة ضغط إضافي على المغرب، لكن الواقع الاحتجاجي بغرداية والقبايل وانتفاضات مخيمات تندوف نعتبرها إنذارا حقيقيا لسياسات الجزائر التجزيئية والانفصالية. وبدأت قضية إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني لها، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة. ومنذ عام 2007، يطرح المغرب مشروعا لمنح منطقة الصحراء حكمًا ذاتيا واسع الصلاحيات، فيما ترفض جبهة البوليساريو هذا المقترح، وتصرّ على ضرورة تحديد مستقبل إقليم الصحراء بين البقاء ضمن سيادة الدولة المغربية أو الانفصال عن طريق استفتاء لتقرير المصير. وكانت أحدث أزمة بين الجزائر والمغرب قد تفجرت في أواخر يناير ودفعت كلا الدولتين الجارتين إلى تبادل استدعاء السفيرين، وسط اتهامات للسلطات الجزائرية بترحيل عشرات اللاجئين السوريين “قسرا” إلى الأراضي المغربية. واستدعت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية سفير المغرب، للتعبير له عن “رفض الجزائر التام للادعاءات، التي لا أساس لها من الصحة، التي تتذرع بها المغرب، بشأن الطرد المزعوم من قبل السلطات الجزائرية، لرعايا سوريين، نحو التراب المغربي. |
||||||||
الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات
(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…