رسالة مفتوحة للسيد خابيير بارديم.
السيد خافيير بارديم،
أشكر سعيكم في البحث عن الحقيقة وخصوصا حقيقة قضية الصحراء، و دفاعكم عن حقوق الصحراويين، وأرجو أن تقبلوا رسالتي كاستجابة من صحراوي معني بتقرير مصير شعب الصحراء، وضحية من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الصحراوي، لندائكم من اجل أن نتجند جميعا لكي تصل رسالة الربيع العربي إلى الصحراء، التي انطلق منها حسب شهادة الكاتب نعوم تشومسكي الموثقة في بداية فيلمكم أبناء المزن آخر مستعمرة.
و أود أن ابدأ من حيث انتهى الفيلم، فقد ختمتموه بمداخلتكم في اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، و بعبارة: “الربيع العربي حمل رسالة واضحة للغاية.. يجب أن يتكلم الناس..يجب أن يسمح للشعب الصحراوي بالكلام”.
إن قضية حقوق الإنسان التي تناولها الفيلم و إن كانت حقوق كونية، تستوجب منا جميعا الدفاع عنها، يظل من الأولى بذل جهد أكبر للتخفيف من معاناة 200000( رقم سكان المخيمات حسب فيلمكم) مع النضال المستمر لكي يتمتع 125000( رقم الصحراويين في المناطق التي يديرها المغرب من الصحراء حسب الفيلم أيضا) بكامل حقوقهم الإنسانية الأساسية، خاصة إذا كانت المعاناة متقاربة.
فالصحراويون في المغرب وفي الجزائر يعانون منذ اندلاع النزاع، وقد عاشوا حقبا سوداء وحمراء ورمادية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السطرين، و رغم أن الدولة المغربية اتخذت خطوات في سبيل إنصاف ضحايا الحقبة السوداء من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة استفاد منها العديد من الصحراويين ممن عانوا أو قضوا في السجون المغربية، لا يزال ضحايا نفس الحقبة في البوليساريو ينتظرون الإنصاف من الظلم الذي وقع عليهم كأشخاص وينتظر عموم اللاجئين الصحراويين الإنصاف الجماعي من قهر وديكتاتورية البوليساريو التي تحكمهم منذ عقود.
السيد خافيير بارديم، لقد جاء فيلمكم مخيبا لآمال ضحايا البوليساريو ولدعاة الديمقراطية في مخيمات اللاجئين الصحراويين. فبخلاف ما ادعيتم في الدقيقة 36:37 بأنكم تريدون أن يتضمن فيلمكم كل الآراء، لم تهملوا فقط تسليط الأضواء على ما يتعرض له سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين من انتهاكات، بل أظهرتم قلة احترام لضحايا سجن الرشيد الرهيب في البوليساريو حينما ظهر إلى جانبكم المدعو: بيشة ولد بهية، وهو الشخصية الوحيدة في الفيلم الذي لم تذكروا اسمه ولا صفته؟. ظهر مرة في الدقيقة 35:53، حينما كان سائقكم : محمد سالم ولد عبد المجيد يتكلم، و مرة أخرى في رحلتكم إلى الحزام الدفاعي يشرح واقعا عسكريا لا يعرفه، فهو لم يشارك قط في أي عمل قتالي حتى يكون حضوره كتقني في فيلمكم ضروريا.
وهو للعلم من مواليد مدينة تيندوف الجزائرية، التحق بجبهة البوليساريو من الجزائر، وعمل في المخابرات، وكان له دور كبير في استنطاق وتعذيب السجناء في سجن الرشيد، الذين لم يحظى أحياؤهم و لا أمواتهم بحق الحصول على محاكمة حتى ولو كانت غير عادلة، وهو أحد المطلوبين التسعة عشر من جبهة البوليساريو لدى قضاء دولتكم اسبانيا في الدعوة التي رفعها ضحايا سجن الرشيد ضد جلاديهم( و أرفق رسالتي هذه بشهادة بعض ضحاياه الذين كانوا يلقبونه ابيشة لحول ).
السيد بارديم، أكثر من نصف فيلمكم يروي قصص و آراء ومشاهد عما يتعرض له الإنسان الصحراوي تحت الإدارة المغربية حيث يعيش قرابة 125000 صحراوي، رغم أنكم لم تزوروا تلك المناطق، ولم يرد أي شيء عن ما يعانيه الإنسان في المخيمات التي زرتموها مرات وصورتم أغلبية مشاهد فيلمكم فيها، و يقطنها حوالي 200000 حسب فيلمكم دائما.رغم أن بعض شهودكم أوردوا حقائق كان يجب الوقوف عندها، كما ورد مثلا على لسان الشاهدة اسويلمة منت بيروك عضو اتحاد النساء في الدقيقة 10:00 حينما قالت بان عموم الصحراويين ليس لديهم عمل، و الولوج للخدمات الصحية بالمخيمات معدوم،،،لا يوجد شيء”. وهو انتهاك جماعي لحقوق 200000 و يتعارض مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين:
المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
( 1 ) لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة
و من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين
المادة 17
العمل المأجور
1- تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة تمنح، في نفس الظروف، لمواطني بلد أجنبي في ما يتعلق بحق ممارسة عمل مأجور.
2- وفي أي حال، لا تطبق علي اللاجئ التدابير التقييدية المفروضة علي الأجانب أو علي استخدام الأجانب من أجل حماية سوق العمل الوطنية
3- تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف في أمر اتخاذ تدابير لمساواة حقوق جميع اللاجئين بحقوق مواطنيها من حيث العمل المأجور
المادة 23
الإغاثة العامة
تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في
مجال الإغاثة و المساعدة العامة
المادة 24
تشريع العمل والضمان الاجتماعي:
1- تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة للمواطنين فيما يخص الأمور التالية:
(أ) في حدود كون هذه الشؤون خاضعة للقوانين والأنظمة أو لإشراف السلطات الإدارية: الأجر بما فيه الإعانات العائلية إذا كانت تشكل جزءا من الأجر، وساعات العمل، والترتيبات الخاصة بساعات العمل الإضافية، والأجازات المدفوعة الأجر، والقيود علي العمل في المنزل، والحد الأدنى لسن العمل، والتلمذة والتدريب المهني، وعمل النساء والأحداث، والاستفادة من المزايا التي توفرها عقود العمل الجماعية،
(ب) الضمان الاجتماعي (الأحكام القانونية الخاصة بإصابات العمل والأمراض المهنية والأمومة والمرض والعجز والشيخوخة والوفاة والبطالة والأعباء العائلية، وأية طوارئ أخري تنص القوانين والأنظمة علي جعلها مشمولة بنظام الضمان الاجتماعي.”
و شهادة”غلي منت احمد من دائرة آمكالا “: من عنده شيء فهو لا بأس ومن ليس عنده شيء فهو كمن ينتظر أن يصير السراب ماء، لا ترى هذه الناس تتحرك وتتصور بأنهم غير أموات. . إنهم أموات”. هل قارنتم سيدي بين منزل ووضع عائلة “لمام منت احمد” التي آوتكم بين أطفالها، ومنزل او وضع أي من قادة البوليساريو الذين استضافوكم، أليسوا كلهم لاجئين؟؟ الم ينزحوا في نفس الظروف؟؟ ألم يخطر ببالكم أن تضعوا الدولة الجزائرية الحاضنة للاجئين الصحراويين و المفوضية السامية لغوث اللاجئين امام مسؤولياتهم الإنسانية؟. هل سألتم أيا من سكان المخيمات الصحراوية الذين وصفتموهم ووصفهم ضيوف فيلمكم من موظفين أمميين وسفراء باللاجئين هل لدى أي منهم وثيقة تثبت وضعه كلاجئ؟. هل يعرف عمومهم أين يقع مكتب المفوضية السامية لغوث اللاجئين المعني بالصحراويين؟.
أما المناضلين من اجل أن ينعم الصحراويون في المخيمات بالديمقراطية كغيرهم من شعوب الربيع العربي، الذين فككت قوات البوليساريو مخيم اعتصامهم من أمام مقر الرئاسة واعتقلت البعض منهم لأنهم طالبوا “أحمتو” بالرحيل من أجل مصلحة الشعب الصحراوي، فلم تشفع لهم شهادة نعوم تشومسكي التي افتتحتم بها فيلكم، و رأوا بأنكم لم تطلعوا لا على تاريخ ولا أدبيات البوليساريو و إلا ما كنتم عرضتم أقطاب ديكتاتوريتها كأبطال لفيلمكم. فدستور البوليساريو ينص على:
المادة 31 حق إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية معترف به ومضمون فيما بعد الاستقلال.
المادة31 إلى غاية استكمال السيادة الوطنية تبقى الجبهة الشعبية…ووادي الذهب الإطار السياسي الذي ينضوي فيه الصحراويون سياسيا….
أي أن الإنسان في المخيمات مجبر بقوة القانون أن يكون عضوا في جبهة البوليساريو، خلافا لنصوص القوانين الدولية:
المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
1- لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية
2- لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما
فأبطال فيلمكم من جبهة البوليساريو أو بالأحرى زعماء دكتاتوريتها:
– أحمتو ولد خليلي ولد محمد البشير ( المدعو محمد عبد العزيز) ابن ضابط في الجيش المغربي، ظهر في فيلمكم ثلاث مرات، التحق بجبهة البوليساريو من جنوب المغرب، عضو في المكتب السياسي، منذ 1973، ورئيس منذ 1976، وقعت كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في زمن حكمه.
– محمد الأمين ولد البوهالي، التحق بجبهة البوليساريو من الجيش الجزائري، عضو اللجنة التنفيذية منذ 1973 و وزير دفاع البوليساريو منذ وقف إطلاق النار، مهندس وقائد عملية قمع انتفاضة 1988 المطالبة بالديمقراطية في المخيمات، وشارك في تعذيب بعض سجناء الرشيد.ظهر في فيلمكم أربع مرات.
– محمد الأمين احمد، التحق بجبهة البوليساريو من جنوب المغرب، عضو اللجنة التنفيذية منذ 1973 رئيس أول حكومة صحراوية وزير المالية في حكومة البوليساريو منذ عقدين، والذي ظهر في فيلمكم ستة مرات يمتدح فيها الاستعمار الاسباني للصحراء، إلى درجة أنه قال في الدقيقة: 24:18 بأن الصحراويين ( أبناء المزن البدو المسلمين المحافظين) زمن الاستعمار الاسباني كان لهم أبناء من النساء الاسبانيات، وهو ما يجعل شهادته أقرب لشهادة بطل مسرحية: “شاهد ماشاف شي حاجة” منها لشهادة شاهد على تاريخ اسبانيا في الصحراء، والأمر طبيعي لأن شاهدكم ببساطة لم يسكن قط المنطقة التي تعرف اليوم بالصحراء الغربية، تماما مثل احمتو ولد خليلي( المدعو عبد العزيز) ومحمد الأمين ولد البوهالي الذين لا يعرفان الصحراء، و لكم أن تعودوا إلى أرشيف بلدكم اسبانيا والى إحصاء سكان الصحراء الذي أجرته إدارة بلدكم لما كانت تستعمر الإقليم و الذي اعتمد كقاعدة لتحديد من يحق له المشاركة في تقرير مصير شعب الصحراء لتتأكدوا أن شهود فيلمكم ليسوا من المعنيين بالتحدث نيابة عن الصحراويين و أحرى أن يتخذوا قرارات باسمهم. ولكم أن تتساءلوا كيف وصل هؤلاء إلى السلطة في مجتمع لا ينتمون إليه؟. وبأي شيء يختلف وضعهم عن وضع الفئة التي ذكر السيد “فرانك رودي” في فيلمكم بلغة كاريكاتورية في الدقيقة 40:20 ويقصد من استقدمهم المغرب إلى الصحراء من سكان الشمال لكسب ورقة التصويت في الاستفتاء. أليسوا سواء رغم فارق الاعتبار، أولئك دخلاء على الصحراء يسخر منهم و هؤلاء أسياد الصحراويين المتكلمين باسمهم؟.
أما الحق في الكلام الذي طالبتم أن يتمتع به شعب الصحراء الغربية، فتحيطكم علما بأنه ممنوع في المخيمات، و ما حادثة اعتقالي في سبتمبر 2010 وإبعادي عن أبنائي القصر الخمسة ونفيي إلى موريتانيا، بسبب تعبيري عن رأيي السياسي في ما يخص تقرير مصير شعب الصحراء إلا شهادة ما تزال حية على منع الكلام في المخيمات. وحالة الفنان الناجم ولد علال الذي تعرض لشتى صنوف الظلم بسبب مجرد أشرطة غنائية تنتقد قيادة البوليساريو، كسرت بسببها أسنانه، و رسمت سياط الجلادين على ظهره ( انظر الصور المرفقة).
السيد خافيير بارديم
بقدر ما نثمن كل جهد تبذلونه في الدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة إذا تعلق الأمر بأهلنا وذوينا في المناطق الصحراوية التي يديرها المغرب، بقدر ما نأمل أن نرى منكم جهدا مماثلا من أجل رفع الظلم عن سكان المخيمات الصحراوية وتمتعهم بكامل حقوقهم الإنسانية الأساسية. ونتمنى أن لا يغالطكم مرة أخرى من يصادرون قرار الصحراويين منذ عقود من قادة البوليساريو باسم الشرعية الثورية للإبقاء على مصالحهم التي اكتسبوها من اغتصابهم لسلطة الشعب الصحراوي بطرق غير ديمقراطية وقوانين جائرة، و رهنوا اللاجئين الصحراويين بأجندات تبعد حل قضيتهم كلما لاح بصيص أمل لإنهاء نزاع الصحراء الذي وقفتم على بعض من تعقيداته الجيوسياسية، كما وقفتم على معاناة ضحاياه من اللاجئين الصحراويين. وخير دليل على رغبة المجموعات المتنفذة في البوليساريو في بقاء الوضع على ماهو عليه تصريح “محمد الأمين ولد البوهالي” في فيلمكم في الدقيقة 43:50 ” لا، سوف لن تحل الأمم المتحدة مشكلة الشعب الصحراوي أبدا عبر التاريخ، وسوف لن يحل مجلس الآمن ولن يكون صادق ولن يكون محل ثقة لأي شعب مظلوم”.
و اختم رسالتي بما أوردتموه في نهاية الفيلم عن فهمكم لعلاقة فرنسا بالمغرب بعد لقائكم بالسفير الفرنسي في الأمم المتحدة، إذ وصفتموها بعلاقة العشق التي يدافع فيها العشيق عن عشيقته على الأقل أمام الناس، وإذا غيرتم اسم فرنسا باسم الجزائر واسم المغرب بالبوليساريو، فبالتأكيد ستحصلون على نفس الاستنتاج ونفس التصريحات من الساسة الجزائريين.وهنا يكمن جوهر تعقيد القضية الصحراوية، فإما أن تنتزع الصحراء من المغرب لصالح الجزائر، أو تنتزع من الجزائر ( الحاضنة للبوليساريو) لصالح المغرب، ونعلم بأن أي من الحلين غير عادل بالمطلق. مما يحتم على كل الخيرين في العالم مساعدة الأطراف في البحث عن تسوية مشرفة تحفظ مصالح الجميع، ونتخلى عن صب الزيت على نار هذا الطرف أو ذاك، لأن الزيت لا يزيدها إلا اشتعالا، ونحن الصحراويون فقط من يكتوي بلهيبها.
المبعد الصحراوي إلى موريتانيا: مصطفى سيدي مولود
***********
عن نوفل بوعمري
10 فبراير 2014