الديموقراطية في الوطن العربي
صعوبات وآفاق
محمد عابد الجابري
س- : مع بداية العام ألفين صار يقال باستمرار، عن حق أو عن خطأ، إن الأوضاع الدولية الجديدة، أو ما يسمى بالعولمة، ستدفع بالأمور نحو المزيد من الديموقراطية والمزيد من الحريات بشكل عام، هل هذا التوجه الدولي يمكن أن يساهم فعلا في مزيد من التأصيل للديموقراطية في العالم العربي؟ لنقل في البداية على مستوى الفكر السياسي العربي بشكل عام.
ج- : من الصعب أن يتحدث الإنسان عما سيحدث بعد عشرين سنة مثلا، في هذا العصر الذي تتزاحم فيه الاكتشافات العلمية، في علوم الحياة وعلوم الفضاء وعلوم الفيزياء وغيرها، وأيضا على صعيد التحولات التي نشاهدها على المستوى الحضاري العام بما فيها هذا الذي نسميه العولمة. كل ما نستطيع قوله الآن هو أنه يبدو أن هناك اتجاها نحو تكريس الديموقراطية كشعارات وأيضا كممارسة. وهذا بشكل ملفت للنظر، وأيضا يبعث على الريبة، لأنه عندما يجتمع الذئب والحمل على الدعوة لشيء ما فهناك شيء ما آخر.
س- : من هو الذئب ومن هو الحمل في هذا الوضع؟
ج- : المقصود أن أمريكا والغربيين على العموم يدعون إلى الديموقراطية. ونحن في العالم الثالث، موضوع سيطرتهم، ندعو إلى الديموقراطية كذلك! فهل هذه الديموقراطية التي ندعو إليها جميعا هي هي، أم أن لكل واحد من الطرفين مقصد وراء ما يدعو إليه؟
فعلا بدأت تتبلور الآن اختلافات حول المضامين، ليس فقط ما بين أمريكا والعالم الثالث، بل أيضا بينها وبين أوروبا. بكيفية عامة، هناك توجه نحو الديموقراطية، ولكن يجب أن لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، أو أن نتفاءل أكثر من اللازم فنغض الطرف عن الصعوبات ونغض الطرف عن المقاصد المختلفة. يجب أن ننظر إلى الأمر كما هو في الواقع حتى لا نصاب بإحباط وبخيبة أمل.
فإذا رجعنا القهقرى، مائة عام مثلا، أعني إذا رجعنا إلى أواخر القرن التاسع عشر، فسنجد أن الهيمنة الفكرية في أوربا كانت للماركسية مع بقايا من فكر الأنوار، وكان يقال حينذاك للذين كانوا يطرحون مسألة الاستعمار من الناحية الأخلاقية، وهذا كان جواب ماركس وإنجلز فضلا عن غيره من الليبراليين : إن الاستعمار، في النهاية، سيحضر ويحرر الشعوب التي بقيت متخلفة قرونا وقرونا. وكان مثال الهند قد أثير في ذلك الوقت. وحتى في القرن الثامن عشر كان ينظر إلى ظاهرة التدخل الاستعماري الغربي على أنه تحرير ونشر للحداثة ونشر للتقدم ولكل ما سيجعل القرون الوسطى تبقى وراء ، مع ذلك أثبت التاريخ أن الظاهرة الاستعمارية كانت عائقا للتطور في جميع من البلدان.
س- : إذن هل تخشون أن يكون هذا الحديث المتكرر عن ضرورة الديموقراطية في العالم الثالث وفي البلدان العربية نوعا من البوابة لتمرير مضامين اقتصادية وتجارية وغيرها، هل هذا هو التخوف الرئيس؟ وإذا كان هذا هو التخوف فما العمل حتى نفصل الإيجابي الموضوعي المطلوب عن الجانب الآخر السلبي؟
ج- : أنا لا أضع الأمور في هذا المسار الضيق، وأريد أن أتجنب منطق “المؤامرة”. أنا أقول : هناك استراتيجيات. كل بلد له استراتيجيته التي تخدم مصالحه. أنا لا أطرح الأمور على هذا المستوى، لأن الأمر حتى في هذا المستوى مؤقت. أريد أن أطرح المسألة طرحا عاما حتى لا نصاب بخيبة أمل إذا وجدنا في طريقنا انتكاسات أو صعوبات أو تحولات. أعطي مثالا على ذلك. ذكرنا قبل قليل القرن الماضي، فإذا اقتصرنا على العالم العربي مثلا فإننا سنجد أنه فعلا في مثل هذا الوقت من القرن الماضي (أعني نهاية القرن التاسع عشر) بدأ الناس يتكلمون السياسة بلغة حديثة، مع جمال الدين الأفغاني مع محمد عبده مع شبلي الشميل مع الكواكبي (وكتابه طبائع الاستبداد كتاب جديد في الموضوع)، ثم بعد ذلك مع آخرين كلطفي السيد الخ، فالخطاب السياسي أو الفكر السياسي في ذلك الوقت كان يستمد شيئا ما من الفكر الأنواري الأوربي، لكنه لم ينتشر أو لم تتح له الفرصة لينتشر حتى انقلبت الأمور، وعلى صعيد العالم كله، حين دخلنا في ما أسميه “عصر الإيديولوجيا في العالم العربي الحديث”: لقد صارت الهيمنة للشعارات الماركسية، صراع الطبقات، الثورة، الاشتراكية، الشيوعية الخ، وأصبح الكلام عن الديموقراطية مستهجنا. ولا زلنا نذكر أنه في الخمسينات والستينات كانت الديموقراطية عندنا شعارا يعتبر رجعيا بورجوازيا،
س-: كنوع من الترف في أحسن الأحوال؟
ج- : ليس حتى كنوع من الترف، بل كان يعتبر ردة، لأنه في إطار هيمنة الإيديولوجية الماركسية الشيوعية، كانت الديمقراطية مقرونة بالثورة البورجوازية التي من المفروض أن الاشتراكية والشيوعية ستأتي كخطوة تقدمية ضدها.
والآن ماذا حصل؟
من قبل، في الستينات كما نذكر جميعا، وحتى السبعينات، كانت الإشكالية المطروحة أساسا –حتى على الفكر النظري العالمي وفي العالم الثالث بالخصوص- هي: كيف الانتقال إلى الاشتراكية في بلد متخلف؟ وكانت الاشتراكية في ذلك الوقت تبدو هي الحل. كانت تبدو هي المسار الذي لابد منه وكان لابد من البحث عن طريق للدخول إلى الاشتراكية، باعتبار أن أهم شروط الانتقال إلى الاشتراكية -كما حدده ماركس وإنجلز في توفر الطبقة العاملة المتطورة الخ- لم يكن هذا الشرط متوفرا هنا.
اليوم بعد ثلاثين أو أربعين سنة نعيش شعارا آخر هو “الانتقال إلى الديموقراطية”، وأصبح الكلام عن الاشتراكية والانتقال إلى الاشتراكية كلاما غير مقبول بل مستهجن. فأنت ترى الآن أن التحولات من شعار إلى شعار لا يعني مجرد تحول من كلمة إلى كلمة ، فالشعار هو كلمة تكثف وتجمع جملة آمال وطموحات وجملة تحليلات الخ، فنحن الآن نتوجه إلى الديموقراطية، ونحن نقول بصمت :”الديموقراطية هي الحل”، كما يقول آخرون “الإسلام هو الحل”، كما كان يقول طرف آخر: “الشيوعية هي الحل”.
س- : في فترة من الفترات، كانت هذه المهمة قاسية جدا وما تزال، ولكن أن يوجد الآن مناخ دولي يصبح فيه الحديث عن الديموقراطية والحريات والتعددية والانتخابات الحرة نوعا من الأدبيات الدولية الرائجة، هل هذا يسهل مهمة هذه القوى في البلاد العربية أم يطرح عليها إشكالات جديدة؟
ج- : ما من شك في أنه يسهل. ولكن أعتقد أنه يسهل المهمة داخل النخبة وليس خارجها، لأن الحديث عن الديموقراطية في التلفزة أو في الكتب الخ، لا أعتقد أنه يجد التربة التي تستقبله وتعيه وسط الفئات الواسعة من الشعب. الفئات الواسعة من الشعب العربي وحتى من المثقفين العرب الذين لا شك أن كثيرين منهم يتلقون الثقافة القديمة الممزوجة ببعض أخلاط من الحديث، أو يتلقون الثقافة الحديثة وهي مغروسة في أرضها، هذه الفئات ليست في وضع يساعد على أن تنتشر فيها المفاهيم الديموقراطية بالشكل المطلوب وكما نتصور، ذلك لأنه في أوربا مثلا انتشرت الأفكار الديموقراطية، طبعا بعد عصر الأنوار، بدون تلفزة بدون راديو. وحتى الجرائد كانت قليلة وما توزعه قليل، لكن كانت الأفكار الديموقراطية تراثا يتناقل في كل مجال.
لننظر إلى الوضع كما هو عندنا: نحن نسمع أو نقرأ أو نتكلم عن “التسامح”، عن “المجتمع المدني” عن “العقد الاجتماعي”، عن “حقوق الإنسان” الخ، هذه المفاهيم بالنسبة للأوروبي شيء مألوف ومفهوم. هو يقرأها في النصوص الأدبية عندما يقرأ عن ديدرو وجان جاك روسو ومنتسكيو أو جون لوك أو هوبز أو غيرهم، يقرؤونها في المدرسة الثانوية كنصوص أدبية ويقرؤونها كمنابع ومصادر للفكر الحديث، ويناقشون ما فيها وما ليس فيها الخ، يتكونون من خلالها، يتكون لديهم فكر سياسي له جذور ومرجعيات. أما نحن فمدارسنا الثانوية إلى الآن، لا أعتقد حسب خبرتي –القصيرة طبعا- أن مثل هذه المواد توجد في برامجها التربوية. فالتلميذ في الثانوي يخرج عندنا ولا يعرف شيئا ذا بل عن هذه الأمور.
أنا أذكر أننا عندما كنا ندرس البكالوريا في فرنسا أو في تونس أو في المغرب أعني البكالوريا الفرنسية، كان الواحد منا عندما يدرس مواد البكالوريا يتعرف على “العقد الاجتماعي” لجان جاك روسو وعلى “روح القوانين” لمنتسكيو ويتعرف على ديدرو وعلى فولتير، وبكلمة واحدة يتعرف على مجمل الأفكار التي تشكل قوام الفكر الديموقراطي أو الفكر السياسي الديموقراطي، يتعرف عليها الطالب وهو في الثانوي وتناقش … اليوم طلبتنا في الثانوي وربما في الجامعة يستهلكون هذه الشعارات إذا هم نطقوا بها، ولكن دون أن تكون لديهم مرجعية أو يكون لديهم مخزون ثقافي يرتبطون به في هذا المجال. ولذاك فإذا كانت وسائل الإعلام اليوم متوفرة بصورة أحسن، فهذا لا يكفي، لأنك كأنك تبيع سلعة تستهلك وتنسى.
س -: هل هي مسألة تربوية تعليمية فقط مثلما تفضلتم، أم أيضا مسألة تربية ثقافية في البلاد العربية. تاريخنا وثقافتنا لم يفرزا مثل هذه القيم، وفي هذه الحالة تاريخنا في النهاية كان تاريخا استبداديا، ولم يغرس مفاهيم التسامح واحترام الآخر .
ج- : الاثنان. وأنا أيضا لا أريد أن نصدر هذه الأحكام العامة ونقول “تاريخنا كان تاريخ استبداد”. فعلا كان كذلك، وتاريخ أوربا أيضا كان تاريخ استبداد، ليس هناك تاريخ في الدنيا خال من العيوب، لكن المشكل هو أنه في أوروبا مثلا عندما يدرسون القرون الوسطى يدرسونها كمرحلة تاريخية مرت وتجوزت إلى ما يسمى بالعصر الحديث. أما عندنا نحن، فعندما تأخذ كتابا في الابتدائي أو في الثانوي، وإلى عهد قريب، كانت النصوص الأدبية عندنا، أو قطع التلاوة أو المطالعة، من جنس النملة أو قطتي وأحيانا شيئا من كليلة ودمنة، وفي أحسن الأحوال كان الجاحظ أو ابن المقفع، وهذا الأخير نفسه ينشر الاستبداد من خلال كلام جميل لغويا. أما أن تكون هناك نصوص تنشر الوعي الديموقراطي حتى ولو بالشكل الذي كان عليه في القرون الوسطى فهذا ما لم يحدث.
أعطيك مثالا: لا أعتقد أنه يمكن أن يقوم فكر سياسي ديموقراطي في بلد من البلدان دون أن تكون هناك النصوص السياسية الرئيسية متعاملا معها ومتداولة. من قرأ جمهورية أفلاطون بالنسبة لنا نحن العرب المعاصرين؟ ربما قلة من الجامعيين. من قرأ طبائع الاستبداد للكواكبي؟ من قرأ مقدمة ابن خلدون؟ من قرأ شرح ابن رشد لجمهورية أفلاطون؟ ربما كنا معذورين بالنسبة لهذا لكتاب الأخير لأن النص العربي مفقود، ولكن الترجمة الإنجليزية للترجمة العبرية الباقية من هذا الكتاب موجودة منذ عقود من السنين. اليوم لم يعد هناك عذر بعد أن نشرنا الترجمة العربية مباشرة من العبرية.
الوعي والفكر هما نتيجة مخزون ثقافي يتراكم، ويتراكم بكيفية لاشعورية أحيانا، يكون رأيا عاما فنتفق بدون أن نتناقش. في أوروبا مثلا لا تحتاج إلى أن تعقد ندوة عن “المجتمع المدني”، فإذا قلت “المجتمع المدني” فهو مفهوم من الجميع، إذا قلت “التسامح” مفهوم، الفكر يذهب مباشرة إلى المرجعيات. أما هنا في العالم العربي فـلفظ “التسامح” لا تجد له معنى لا في القاموس الحديث ولا في القديم ولا في اللغة. لأن له في الفكر الأوربي الحديث والمعاصر معنى آخر غير الذي يحمله في الاستعمال اللغوي العربي. كذلك عبارة تقول “المجتمع المدني”، وهكذا…
ولذلك فمن السهل على الإنسان أن يتبنى شعارات ويعتقد أنه سيغزو بها التاريخ. لكن هذا لا يحصل إلا إذا كانت تلك الشعارات ذات جذور في الوعي، ولها نوع من القوة التي تمنحها القدرة على توحيد الناس حولها، أي عندما يكون للناس مفهوم واحد عن التسامح، ومفهوم واحد عن الديموقراطية الخ… أما إذا لم يكن هذا فستبقى هذه الألفاظ عبارة عن قطع من الفلين تطفو فوق الماء.
س- : التركيز على المؤسسات التربوية والتعليمية لخلق وعي جديد بمجموعة قيم لفكر معين، يطرح مشكلة. فالمؤسسة التربوية والتعليمية عموما تخضع بطبيعة الحال للهياكل الرسمية للحكومات وأحيانا تتغير بين وزير وآخر. أما برامج التعليم فكل وزير يشكلها على هواه. هذا إذا سلمنا بأن أغلب المؤسسات الحاكمة في البلاد العربية تؤمن بالديموقراطية وبالحريات. والواقع أن هذا الإيمان منعدم، غالبا. كيف يمكن للمؤسسة العربية الحاكمة أن تقيم مؤسسة تربوية تروج لهذه القيم إذا كانت هي أصلا لا تؤمن بها بشكل أو بآخر؟
ج- : إذا انطلقنا من هذا المنطق فهذا يصدق على كل شيء، وإذن لا مجال للتغيير ولا للعمل. لا. المؤسسة التربوية، رئيس الدولة أو البوليس أو وزير الداخلية، ليسوا هم الذين يضعون البرامج. برامج التعليم وتدريب المعلمين والتفتيش الخ، هذا شغل الجهاز التربوي نفسه. فهذا الجهاز التربوي نفسه غير مربى كما ينبغي. فالقضية هي قضية أن المربي أو الأستاذ ليس بالضرورة محكوما بسياج حديدي. فيمكن أن يقول ما يريد أو نصف ما يريد من خلال أمور معينة. أنا أقدر وأعتبر أنه في بعض البلدان العربية الآن لو قررنا كتاب طبائع الاستبداد أو نصوصا منه سيكون هناك منع، لكن في الغالب، أيضا، أن الحاكم ليس هو الذي قرأ ومنع، بل هناك مثقف قرأ وتقرب وتملق ومنع، وهذه مصيبة. ومع ذلك كله يجب أن لا يكون هذا مثبطا. وأعتقد أن المثقفين، والنخب السياسية، لا يمارسون ما يكفي من الضغط . فالحاكم مهما كان لا يعطي مجانا، لابد من ضغط معنوي وأحيانا من ضغط مادي، عن طريق إضرابات الخ، وإلا فهل ننتظر المصلح الذي سيأتي ليقوم بما قام به النبي، هذا ما عاد ممكنا.
ولذلك فالمثقفون أنفسهم، كل في مجاله كل في اختصاصه، يجب أن يكونوا ذلك المثقف العضوي بالمفهوم الذي أعطاه غرامشي لهذه الكلمة، لكن في اتجاه الديموقراطية واتجاه حقوق الإنسان واتجاه تكوين فكر مستنير وإلا لا يمكن أن نتقدم. المسائل متكاملة.
أنا لا أقول إننا سنحل المشكل في المدرسة أو بالمدرسة وحدها، لا. ولكن لكي نخلق رأيا عاما يفهم هذه اللغة ويتأثر بها وينفعل معها وتدخل في كيانه وتوجه سلوكه لا بد من أن تكون المدرسة ويكون التعليم ويكون الكتاب والجريدة والتلفزة الخ، كل هذه يحب تكون آلات تعمل في هذا الاتجاه. أما بمفردها فلا يكفي.
س- : أشرت قبل قليل إلى أن كثيرا من القيم السياسية كالتعددية والديموقراطية تظل نخبوية مع ذلك ولا تنزل إلى أعماق المجتمع العربي، والآن تشير إلى أنه حتى النخبة بها بعض القصور، إذن إذا كانت القيم نخبوية، والنخبة مقصرة ، فما العمل؟ كيف يمكن لنا أن نخلق وعيا سياسيا جديدا. على سبيل المثال كتابكم المعروف “الخطاب العربي المعاصر”، والذي أشرتم فيه إلى الخطاب السياسي في البلاد العربية، كتبتموه سنة 1982، ومؤخرا صدرت الطبعة السادسة منه، كيف يمكن أن ننشئ خطابا عربيا يكون، هذه المرة، معاصرا فعلا، بالمفهوم المتداول مؤخرا للمعاصرة؟
ج- : نحن لا ننشئ الفكر كما ينشئ النساج نسيجا، يبدأ … وينتهي…
هذا السؤال الذي تطرحه أنت، وهذا الحوار الذي يجري بيننا، وما نشتكي منه وننتقده من عيوب ونقائص الخ، هذا كله يدخل في عملية الإنشاء المطلوبة عندما يتعلق الأمر بالخطاب وبالمعاصرة. لذاك أعتقد أنه كلما أكثرنا من هذا النوع من المناقشات وكلما زدنا وقوينا هذا الاتجاه بنصوص ولو مترجمة، ونحن في حاجة إلى ترجمة نصوص في الموضوعات التي ذكرت، لا يكفي أن نتداول في الجرائد وفي وسائل الإعلام الأخرى هذه المفاهيم الثقيلة التي لها مرجعيات، لا يكفي ذلك بل لا بد من نصوص، لابد من التأريخ لها، لابد من الرجوع إلى ما كانت تعنيه وكيف تطورت دلالاتها.
ولا بد أيضا من البحث في تراثنا عما يساعدنا على الارتباط بمثل هذه القيم، لأن هذه القيم في الحقيقة ليست مقصورة على الثقافة الأوربية المعاصرة. تساءلت من قبل كم من عدد من قرأ جمهورية أفلاطون، وقد مر عليها نحو خمسة وعشرين قرنا، وهذا الكتاب، أقصد جمهورية أفلاطون، كتاب خالد يقرؤه كل واحد، في أي وقت ويجد فيه الظلم الموجود في حاضره والاستبداد الموجود في زمانه ويجد نشدان العدالة الخ. هناك أيضا ميكيافيللي، فبالرغم من السمعة السيئة التي ألصقت بكتابه “الأمير”، فهو يقرأ من جديد :تعاد قراءته ويعاد تفسيره ويخلق من جديد أو ينشأ حوله تصور جديد.
ونحن كذلك، إذا أخذنا مثلا رموزنا الثقافية، ابن خلدون وابن رشد وابن تيمية وغيرهم، لو درسوا ونشرت نصوصهم التي تشتمل على جوانب تنويرية أو يمكن أن توظف في هذا الميدان، لا بد أن تؤدي دورها. والمسألة كما نقول اليوم هي مسألة ثقافة، لها جذور، ولها كيان، ولها حضور في المخزون الثقافي للأفراد والأمم، ومن ثم في السلوك الفردي والجماعي. ولذلك فلا تستغرب أن تسمع اليوم شخصا ينادي بالديموقراطية فإذا تغير “الجو” شيئا ما وجدته مع الاستبداد، إذا لم يتحول هو نفسه إلى مستبد.
س- : إذن نحن في حاجة إلى تأصيل هذه القيم. هل ترى أن هناك إشكالا يتمثل في أن النضال في البلاد العربية من أجل الديموقراطية، قد اقترن بمناضلين أكثر مما اقترن بمفكرين. لقد شاهدنا من قبل مناضلين يساريين وقوميين وإسلاميين في السنيين الأخيرة، يدعون إلى مزيد من الديموقراطية وكثير منهم قضى سنوات من عمره في السجن، ولكن في المقابل لم نشهد رموزا ثقافية، مثلما ذكرت، حملت هذا المشعل ودافعت عنه وحاولت تأصيله في الوعي السياسي المعاصر، هل هناك فعلا هذا المشكل؟
ج- : فعلا، توجد هذه الظاهرة في العالم العربي. فالقرن العشرون، كان كله تقريبا، مطبوعا بهذه الظاهرة. وهذا راجع إلى الظروف التي اجتازها العالم العربي من استعمار ومن ضرورة الكفاح من أجل الاستقلال، ومن تزاحم المشاكل في العالم العربي بسبب قيام إسرائيل الخ، كل ذلك جعل السياسي يحظى بالأولوية على الثقافي. الاستعمار يجب أن يخرج وينتهي. هذه أولوية الأولويات. إذن الحركة والسياسة هي صاحبة الأولوية. فلسطين يجب أن تحرر فإذن السياسي له الأولوية. هنا في العالم العربي وقعت تقلبات كثيرة ومتزاحمة ومتداخلة جعلت الموقف السياسي هو المطلوب وهو المهمة المستعجلة. وهذا بطبيعة الحال كان على حساب الثقافي بصورة عامة.
كان هناك مبرر آخر وهو أن النخبة كانت قليلة العدد. النخبة المتعلمة تعليما عصريا كانت محصورة في فئات ومدن قليلة. ولذلك فالقائد يكون سياسيا بالضرورة، وإذا لم يكن كذلك يبقى مكان القائد السياسي فارغا. هذه الظروف تتغير الآن : فعدد المتعلمين يتزايد، بل لقد بدأت بطالة المثقفين. وهذه البطالة هي من المساوئ الكبيرة، لكن أيضا تنتج المثقف، تجعل الخريج الجامعي ينصرف إلى العمل الفكري وليس إلى المجالات الأخرى. فعندما يكون المثقف في وضعية لا يجد فيها من المغريات ومن السعة على الصعيد المالي ما يصرفه عن الثقافة، أو في وضعية تجعله يضطر اضطرارا لكي يمضي الوقت في الهم الثقافي… ينتج. هو يبني مستقبلا له، لا من أجل اليوم، بل للغد. يدخل في زمرة “الخالدين” كما يقال. إن صاحب المال لا يدخل في زمرة “الخالدين” في أذهان الناس في الدنيا، هو يموت نهائيا، في الحياة الدنيا، مع فناء جسمه. أما في الآخرة فالله أعلم بمصير الجميع.
س- : هل ترى علاقة ما بين ظاهرة الانبعاث الثقافي وبين ما يمكن أن يوصف بانحسار الاستبداد في العالم العربي؟ لقد أصبحنا نرى في السنوات الأخيرة انتخابات قائمة على التعددية الحزبية، انتخابات نيابية وأخرى رئاسية في أكثر من بلد عربي، هل ترى في ذلك مؤشرا لمزيد من النضج في الحياة السياسية العربية في المستقبل، أم ترى فيه مجرد تنازلات ظرفية شكلية ليست ذات مضمون حقيقي لتأصيل ثقافة تعددية ديموقراطية حقيقية؟
ج- : أعتقد أن مسار التاريخ يفرض أن التوجه الديموقراطي هو الذي سيسود، على الأقل على المدى المنظور. ذلك أن تزاحم الأحداث كالاستعمار واغتصاب فلسطين والهزائم في الحروب كان يطرح الحاجة إلى البطل، إلى الزعيم والسياسي المتحرك. وفي أحسن الأحوال كان المطلوب هو المستبد العادل. وليس العادل فقط. لم يكن “العادل” غير المستبد مطلوبا، بل كانت الحاجة إلى أن يكون أيضا مستبدا من أجل أن يجمع الشمل، من أجل أن يكون قائدا. وبطبيعة الحال فإن مطلب “المستبد العادل” مطلب مثالي من الصعب تحقيقه. ولكن الواقع هو هذا. كان ذلك هو المطلوب وكان الاختلاف شيئا مرفوضا وممقوتا وكان شعار الائتلاف والوحدة في كل شيء هو الشعار المطروح والمطلوب. كانت الظروف تفرض هذا. كان الخصم أجنبيا. وكان خصما مباشرا وكانت سيطرته مباشرة، ولم تكن الحال كما هي اليوم. وكان الصراع الإيديولوجي أيضا صراعا مغلقا حديا: إما مع وإما ضد…
اليوم تغير العالم. مع ثورة الاتصالات والمعلومات، نحن الآن في وضع مختلف.. والإعلام اليوم –وأنا لا أريد أن أستعمل هذه الكلمة- أقول الإعلام اليوم … صار يمارس –وأضعها بين مزدوجتين، لأنها تريد أن تخرج ولم يحضرني مرادفها بعد- يمارس “العهارة” في كل شيء. أريد أن أقول تمارس العري: العري الفكري، العري الجسدي، العري في السياسة، في الأخلاق، في كل شيء. والعري معناه الاختلاف، معناه إبراز الفروق، إبراز الجميل والقبيح الخ. هذا هو المطروح اليوم. وهذا يختلف عن “الرمانة” الذي كانت من قبل… من قبل كان لدينا رمان، مقفل، ربما يكون داخله جيدا وحبه حلوا وربما العكس. اليوم عندنا حب الرمان منتثرا على الأرض، مشتتا في كل مكان. معنى ذلك أن العالم تغير. والمقاييس التي كنا نستعملها أمس يجب كذلك أن تتغير.
س : بعض الدول العربية في السنوات القليلة الماضية سارت أو اضطرت أن تسير كما يرى البعض في نوع من الترتيب الديموقراطي، سواء في حياتها العملية كدخول المعارضة في الانتخابات والحكومات أو في تعددية سياسية، أو تعددية على مستوى رئاسة الدولة في الأنظمة الجمهورية، هناك وجهات نظر مختلفة، حول هذا التطور. بعضهم يعتبره تزييفا للوعي السياسي في البلاد، ونوعا من الديكور الذي لا معنى له، وهناك وجهة نظر أخرى تعتبر أن هذه الخطوات مهما كانت محدودة ستؤصل تدريجيا قيم الديموقراطية والتعددية في الحياة السياسية العربية. إذا أردنا أن ننظر إلى الموضوع على الصعيد الفكر العام بنظرة مستقبلية أي الاحتمالين ترجح؟
ج- : يجب أن نعترف بأن كلمة “العرب” أو “العالم العربي” أو”الدول العربية” نستعملها للدلالة على وضعية كما نريدها ونتمناها أن تكون، وليس كما هي بالفعل. لأن التفاوت في العالم العربي بين شعوبه ودوله كبير جدا، ولذلك لا أعتقد أنه سيكون من الممكن الانتقال إلى الديموقراطية على سرعة واحدة أو على درب واحد. فكل بلد عربي له خصوصيته.
خذ مثلا المغرب.
نحن الآن في المغرب لدينا تعددية حزبية منذ الاستقلال إلى الآن. ما كانت الأحزاب عندنا ممنوعة، وحتى القمع الذي سلط على الأحزاب الوطنية كان في فترات. أما ما تراه الآن في المغرب من حرية في مجال الصحافة والتعبير فهو شيء ممارس منذ الاستقلال إلى الآن، ما عدا فترات القمع. المغرب بلاد الجمعيات، المناقشات البرلمانية على أحد ما يكون منذ البرلمان أول في أوائل الستينات… ويمكن أن نقول الآن إن المغرب أخذ كفايته من الحريات على صعيد التعبير والنشر والتجمع والتعددية الحزبية. ولكن ولا واحد من المغاربة يؤمن أننا فعلا حققنا الديموقراطية. لماذا؟ لأن الديموقراطية ليست شيئا محصورا. الحكومة اليوم في المغرب حكومة تناوب، رئيسها رئيس حزب قاد المعارضة طوال الأربعين سنة الماضية، ولكن لا أحد يجهل أنه لا سلطة لديه. وضعنا الآن في المغرب يماثل تماما وضع خاتمي في إيران. خاتمي محبوب ومؤيد دوليا وإيرانيا لكن السلطة في أيدي قوى أخرى. نحن كذلك. وفي الحقيقة ليست لدينا ديموقراطية بل ما زلنا نطالب بالديموقراطية ونطلبها ونناضل من أجلها الخ. ووضع المغرب جيد: نقابات،وأحزاب حقيقية وليس مجرد أشخاص.
في بلاد أخرى الوضع مختلف. ليس معنى هذا أنه يجب أن يمروا بالطريق التي مررنا بها. لا. لكل ظروفه. وقد يحدث أن الجزائر مثلا تصبح في يوم من الأيام أكثر ديموقراطية من المغرب. وهذا غير مستبعد، أو مصر أو غيرها. لكن جميع الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى الديموقراطية، بمعنى إلى العدالة والإنصاف والحرية واعتبار الشخص الخ الخ، جميع الطرق يجب أن تستعمل وتوظف.
و في جميع الأحوال يجب أن نعتبر أن الديموقراطية معناها تنازل الحاكم عن بعض سلطاته. وهذا التنازل ما حدث ولن يحدث بغير ضغط. والضغط الديموقراطي الآن هو المطروح عن طريق توظيف التعددية الحزبية. أما أن تكون هناك أحزاب أو تنظيمات بدون أن نوظفها، بدون أن تؤدي وظيفتها التي من أجلها قامت، فذلك هو “الفلاس” المبين. وما هو مطروح اليوم هو الضغط الديموقراطي. ولذلك فأي واحد من خطيب المسجد إلى رجل الشارع يضغط. والمظاهرة تضغط. الضغط المنظم الذي يحمل مطلبا هو المقصود. إذا لم يكن هناك مطالب فلا أحد يعطي.
س – : ولكن الضغط الديموقراطي هذا، والتدريجي، جيد. ولكن البعض ممن لا يسقطون خيار العنف بالمرة في الحياة السياسية العربية دائما يقدمون أدلة على أن ما من حاكم عربي قدم تنازلات جوهرية بشكل أو بآخر في الحياة السياسة إلا بعد اضطرابات سياسية ومظاهرات وأحيانا عمليات نهب وحرق وسجون الخ، هل نحن محكومون بأن أي عملية تحول ديموقراطية أو أي خطوة إلى الأمام مرهونة بهزة، هل يمكن أن نخلق حركية أخرى مختلفة؟ كيف يمكن لهذا الضغط أن يتحول إلى ضغط يقود عملية تحول دون العنف؟
ج- : في هذا المجال يجب أن نفرق بين الأخلاق والسياسة وبين التاريخ كما يحدث. من الناحية الأخلاقية والسياسية أنا ضد العنف. لكن عندما تنظر إلى التاريخ كما يحدث فالعنف حقيقة تاريخية. أنت ترى الآن في أمريكا شبابا يتظاهرون ويكسرون الزجاج وغيره ضد العولمة… هذا عنف. ويسمح له. ويسمع صوته. هذا شيء ضروري. فإذا كانت هناك دولة كبيرو أو صغيرة في العالم العربي أو خارج العالم العربي تمارس الظلم وفيها فقر وجوع … وقام فيها هذا النوع من المظاهرات وهذا النوع من العمل الغاضب فيجب أن يقبل. ونحن نرى أنه في أكبر دولة وأغنى دولة وأرقى حضارة في الوقت المعاصر… يحدث العنف. التاريخ لا يخلو من العنف. إنما يجب أن يعترف الذين يعارضون العنف على أن العنف في الشارع لا ينشأ من تلقاء نفسه. هو في الغالب وفي أكثر الأحيان رد فعل. حتى العنف الذي يمارس الآن بشكل فظيع في الجزائر وغير الجزائر هو في الغالب رد فعل. لأن الضعيف عندما يفتقد وسائل الحصول على حقه أو نصف حقه أو ربع حقه، أو حتى حق الاعتراف له بحقه، ما ذا سيفعل؟ يبقى له يداه: لا غير. العنف شريعة تاريخية مرفوضة ولكنها واقع، وسببه هو أن الشريعة الشرعية المشروعة لا تطبق. هذا هو الفرق.
س- : لماذا التجارب الديموقراطية في الدول العربية لم تأت إلا نتيجة تنازل من على هرم الدولة، لم توجد في المجتمعات العربية قوة ضغط ومراكز قوة للضغط حتى يقع “افتكاك” هذه الخطوة، دائما إذا كان هناك انفراج ما في أية دولة عربية فالأساس هو أن الحاكم سمح بمثل هذا الانفراج وإلا فمن الصعب أن يكون.
ج – : هناك طريقان : الطريق الذي يسمح الحاكم فيه بالتغيير، والطريق الذي يكون فيه التغيير هو تغيير الحاكم نفسه. عندما يسمح الحاكم بالتغيير فهو لا يسمح من تلقاء نفسه هكذا، لا يسمح إلا بعد أن تكون هناك ضغوط وتطورات ونضالات الخ، لا أحد، لا أحد في الدنيا يتنازل حتى عن أصغر شيء عنده…
س- : يعني لوجه الله…
ج- : حتى من يقول “لوجه الله” فهو يفكر في الجنة كجزاء. ليس هناك لوجه الله بدون رجاء ثواب. في الغالب، في الغالب، لا يعطي أحد شيئا إلا بدافع. إلا بضغط الخ. فالحاكم الذي يتنازل… –كلمة يتنازل نفسها تحمل معنى أنه مكره أخوك لا بطل. فعندما يتنازل عن قليل أو كثير ، فهو يشعر بالضغوط، ولو لم تشعر أنت به، هو ينظر إلى ما سيؤول إليه الحال في المستقبل. الحاكم أذكى من المناضل لأنه يحسب حسابه وينظر إلى ما سيبقى له. المناضل أحيانا لا يحسب شيئا. يعطي عمره كله يضحي به، فلا يبقى لديه حساب ولا حاجة إلى حساب. لكن الحاكم يحسب. ما هو الأحسن؟ أعطي هذا لكي يبقى لي ذاك، وإلا قد يحدث غدا ما ليس في الحسبان؟ هكذا يفكر الحاكم، ديموقراطيا كان أو مستبدا!
س- يقوم بخطوات استباقية!
ج- : طبعا. خطوات استباقية. ثم أيضا تنازل. هكذا منطق التاريخ. المسألة في نهاية الأمر هي مسألة ميزان القوى. ماذا قال معاوية، وبماذا يعرف في مجال التسيير والسياسة والتدبير؟ قال قولته المعروفة بـ “شعرة معاوية”. قال :” بيني وبين الناس شعرة إذا خلوها جذبتها وإذا جذبوها خليتها”, معنى ذلك أن السياسة فيها أخذ ورد باستمرار. فالذي يريد أن يأخذ كل شيء مرة واحدة بالطريق الذي كنا نسميه الثورة في الستينات والسبعينات فهذا الطريق له أيضا مخاطره. في روسيا حدثت الثورة البلشفية كما نعرف، وكذلك في الصين الخ، فهذا الطريق خلق في النهاية ديكتاتوريات. فالتغيير الكلي المباشر لا يضمن الصلاح المستمر بل قد تتكرر التجربة ويتغير الشخص أو الأسلوب فقط.
س- : ولمن الدور الأكبر في عملية التغيير هذه، هل للأحزاب العربية أم ليس من الضروري وجود أحزاب؟
ح- الواقع أنه باستثناء المغرب الذي أعرفه جيدا وأعرف الأحزاب الوطنية فيه والتي لها جذور ولا زال لها حضور حقيقي، في القرى وفي النقابات في مكان، فالأقطار العربية الأخرى، لا أظن أن فيها أحزابا بهذا المعنى. هناك مجموعات من المثقفين، ومن أصحاب المصالح، ينشئون أحزابا ليس لها وجود حقيقي في صفوف الشعب، في القرى وفي صفوف العمال الخ. في المغرب تقاليد قديمة في هذا المجال. الأحزاب الوطنية كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال الخ لها تنظيمات في صفوف الشعب، في الأحياء، في القطاعات العمالية والتعليمية الخ، في كل مكان. الحزب عندنا موجود في جسم المجتمع. موجود كنقابات كتنظيمات حزبية وكجمعيات وكأشخاص، هو يغطي المجتمع كله تقريبا… هذا النوع من الأحزاب لا أجده في العالم العربي ككل. الحزب في الأقطار العربية الأخرى ما زال يتحرك في صفوف النخبة يطفو على سطح المجتمع, ولذلك كانت المهمة المطروحة على هؤلاء هي أولا وقبل كل شيء هي الغوص في أوساط الشعب حتى يخلقوا وسيلة للضغط ووسيلة للتغيير.
انتهى.