وصدق النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – حين قال: ((مثَلُ المنافق كمثل الشَّاة العائِــرَة بين الغنَمَين، تَعِـير إلى هذه مرَّة، وإلى هذه مرة))؛ رواه مسلم..
ورد في بعض المعاجم انه يقال: نافق، ينافق، منافقه، ونفاقاً وهو مأخوذ من النــافـقـاء أحد ا نفاق اليربوع السبعة إذا طورد من واحد هرب إلى الآخر، وخرج منه…….
…و النفاق لايدرك في جميع الحالات لان له علاقة بما تكنه القلوب والنوايا واوضح ذلك العالم ابن االقيم رحمة الله عليه الذي قال … : الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة ، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض…
واوضح الحديث الشريف معيارا يقيس به الانسان نفسه ليعرف هل هو منافق ام لا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “أربع من كن فيه فهو منافق خالص ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر”….
ان تامل الايات والحديث النبوي اعلاه وغيرها مما ورد في موضوع النفاق في شقه العقدي خاصة والاجتماعي والسياسي على حد سواء عامة تجعلنا امام ظاهرة غريبة ومنافية للتعقل والنضج المفترض تحققه في الناس كافة كل حسب مستواه وادراكه ومعرفته …
فعندما يتعلق الامر بالدين ونقصد هنا الاسلام نكون امام اشخاص هم قولا وعملا مع المسلمين يطبقون الاوامر ويجتنبون النواهي امام الناس ويتقنون احيانا شخصية الورع التقي حتى يجعلوا لانفسهم مكانا متقدما على الكثير من اهل العلم والدين وهم في حقيقة الامر ليسوا مسلمين سلوكا البتة بل يمارسون تقية مشبعة بانتهازية مفرطة تبتغي تسلق المراتب للاقتراب من اهل الحل والعقد ولم لا ان يصبحوا منهم فيامرون وينهون غيرهم بما لايعتقدونه بل يفسدون عقول الناس ويوهموهم بانهم معهم ومع اتباع افكارهم حتي الفردوس الاعلى ساروا على الارض او غادروها اصلحوا او قتلوا امة بريئة من الناس مسلمين وغير مسلمين ….ولنا في الخوارج مثال كما لنا في التاريخ نماذج متعددة قد يحقر الانسان صلاته الى صلاتهم وكل العبادات والطاعات ان قارن نفسه معهم لكنهم اخطر على الامة من بعض اعدائها المباشرين ولقد حذر منهم ومن امثالهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم …
…وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل)……
اما عندما نتحدث عن نوع اخر من المنافقين في المجال السياسي فاننا نكون امام سلوك فردي وجماعي يتبارى فيه هؤلاء لابراز المحبة والتعاطف والتبعية لنصرة رجل او جماعة فيتفننون في لغة المدح و التاييد على الباطل اكثر مما على الحق ليحولوا المستهدفين الى اشباه اولياء الله الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون وهم احيانا او في غالبها لاهم على المحجة البيضاء ولا هم يسعون لها …وهنا يختلط الامر على الناس فيستوي لديهم – بفعل تعدد المنافقين وقدرتهم على تنميق الكلام والمواقف والقرارات – من يتكلم بصدق ومن يكذب فتتاكل الثقة وتنعدم احيانا ليترك المجال لهؤلاء واشباههم واتباعهم يصولون ويجولون مما قد يدخل المجتمع والبلد في اثون ازمات وانكسارات وكوارث متعددة الاوجه – ولنا في بطون الكتب مقيدات موثقة لامثلة عديدة – دفعت العديد من الصالحين والفضلاء الى اعتزال الناس لتجنب الانسياق والتطبع مع الخطا والانحراف بفعل عدم القدرة على المواجهة والصدع بالحق في مواضعه ومحله ولتجنب المجاملات المنبنية على النفاق والمدح..
ان النفاق سلاح لئيم يستهدف كل القيم النبيلة وكل ما هو جميل فكريا واخلاقيا .. ويفسد الذوق الفردي والعام ..فينجم بسببه اساءات كبرى للشان الديني وشؤون الحكم والسياسة والناس …ويغرق المجتمع في المظاهر الزائفة والخداعة التي لاتحقق عدلا ولا احسانا …..
… وندرج هنا نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل ابي ذر الغفاري بناء على طلبه حيث قال ((أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، قلت: زدني، قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق ))
….ان المرائي شخصية ضعيفة متحولة، لا تستقر على قرار، فبمجرد أن تتغير قناعات الزعيم او القائد او الفقيه او الحاكم او الناس فإنه يتغير معها إرضاءً له او لهم..، فإذا توجه الناس يمينًا توجه معهم، وإذا توجهوا يسارًا توجّه معهم، وإذا تحركوا تحرك ودعا إلى الحركة، وإذا سكنوا سكن وكانت الحكمة في السكون وان صفق صفقوا يبتغي الاطراء والمدح والتثريب ولا يرضى بغيره لان فيه ازعاجا له او لهم ،..فيجتهد ليظهر امام الناس على خلاف ما يبطن..
..ونختار من بين صفات المنافق على سبيل المثال ..الافساد بين الناس والكذب واخلاف الوعد وخيانة الامانة وتبخيس الغير امورهم …
……..وفي الشرع المنافق اضر واسوا من الكافر ولو انه ليس في منزلته عقديا لكن قد يعدله ويضاهيه بالخداع والتضليل وتمييع الامور والدس واشعال الفتن …….
و عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((تجدون الناس معادن، خيارُهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشَدَّهم له كراهية، وتجدون شــرَّ الناس ذا الوَجْهَين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه))؛ متَّفَق عليه…..
وقال الغزالي: “ذو اللسانين مَن يتردَّد بين متعادِيَــيْن، ويكلِّم كُلاًّ بما يــوافقه، وقــلَّ من يتردَّد بين متعاديــين إلا وهو بهذه الصِّــفة، وهذا عـــين النِّـــفاق”…..
فكيف للامور ان تستقيم وبعض النخب بمجتمعاتنا يصعب على الناس معرفة الصدق عندهم من نقيضه ؟
فيصبح بفعل تدبيرهم الحلال حراما والحرام حلالا و المفسد مصلحا والمصلح مفسدا ..فتنعدم الثقة وينتشر الياس والعدمية ..اما ام المشاكل فتتحقق عندما ينظر ويعلل المنافقون لنفاقهم وريــائهم ليصنفوه من الصفات الحميدة ويضعون قواعدا للتباري عليه ويصبح معيارا يتم به اختيار بعض النخب للقيام بمهام ومسؤوليات وامانات قد تهم امور الدنيا او امور الاخرة او قد تهمهما معا …ان التربية على افساد الذمم والعقول والسلوك ادى الى انهيار ثقافات وحضارات وتشويه حقائق وساهم في تاخير وصول الناس الى ما يحقق سعادتهم وازدهارهم ورفاهيتهم ..
لهذا فبقدر ما تعظم مسؤولية الجميع تجاه فساد الاوضاع وانهيار القيم وتدني الاوضاع في عمومها من اجل الاصلاح والتغيير .. بقدر ما يلازم تلك المسؤولية ضرورة البدء بالنفس والقلب والفكر والنوايا اصلاحا وتهذيبا وتاديبا وتخليقا والا ضاعت الامانات وضاع معها الناس …
ونختم بهذه الواقعة ذلك ان سيدنا عمر بن الخطاب نادى على سيدنا حذيفة وقال له:”هل من عمالي أحد من المنافقين؟“.. -وللعلم فسيدنا حذيفة خصه النبي صلى الله عليه وسلم بسر هو معرفة اسماء المنافقين ..-
فقال حذيفة:”نعم, واحد“..
قال عمر:”من هو؟“..
قال حذيفة:”لا أذكره“..
فقال عمر:”سمه لي يا حذيفة“…
فقال حذيفة:”لا والله“…
يقول حذيفة:”فغاب عمر يوما وعاد وقد عزله“..فقد علم من هو…
يقول:” فهداه الله إليه“..
فقد اهتدى عمر للرجل بكتمان حذيفة لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبإخلاص هذه الأمة, فقد كانت أمة عظيمة….
وفي حادثة أخرى مع سيدنا عمر بن الخطاب, ذهب إليه وقال له:”أأنا من المنافقين؟“..
فسكت حذيفة..فهو مستأمن على سر رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال عمر:”يا حذيفة أستحلفك بالله أسماني إليك رسول الله في المنافقين؟“..
فقال حذيفة:”يا أمير المؤمنين دعك من هذا“..
قال عمر:”يا حذيفة أستحلفك بالله أسماني رسول الله في المنافقين؟ “..
فقال حذيفة:”لا يا أمير المؤمنين ووالله لا أخير أحدا بعدك“..
…. فبما ان نبينا لم يعلم احدا باسما ء المنافقين بعد موت من عرفهم لحذيفة … سيكون من باب الاقتداء باسئلة سيدنا عمر ان يسال كل واحد من امتنا نفسه وخاصة المسؤولين من حكام وساسة وعلماء و…وليصلح الجميع نفوسهم ونواياهم وقلوبهم وفي ذلك صلاح كبير لامور الناس كافة …
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصابعه إلى صدره…
ونختم يقول الله – تعالى -: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)آل عمران: