سياسة المغرب في مكافحة التطرف والإرهاب.. نموذج يحتذى لدول المنطقة

 

المغرب سباق في دعم الدول المجاورة له التي تحتاج إلى تأطير أمني لمواجهة خطر تنظيم القاعدة في المغرب العربي.

 

عن صحيفة العرب  [نُشر في 03/02/2014، العدد: 9458،

 

الرباط – استطاع المغرب مواجهة الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها منطقة المغرب العربي والساحل باعتباره لاعبًا سياسيا وأمنيا محوريا يعد جزءًا لا يتجزأ من مستقبل القارة السوداء، ووسط التطورات التي اجتاحت شمال أفريقيا، برز المغرب كاستثناء؛ فقد انخرطت المملكة في عملية التجديد السياسي والاجتماعي التي امتدت على مدار العقود السابقة من خلال إقرار إصلاحات دستورية ومؤسساتية، وأثبتت الرباط قدرتها على التعامل مع التحديات المحلية والإقليمية بشهادة مراقبين.

انخراط المغرب في مجال مكافحة الإرهاب لم يكن جديدا، حيث ساهم في إنشاء منظومة أمنية قوية حصنته من التهديدات التي يمثلها ما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب العربي، إضافة إلى المجموعات المتشددة التي تنتشر على الحدود في دول المغرب العربي وأفريقيا، وقد حققت السياسات التي اتبعتها المملكة لمكافحة الإرهاب نتائج ملموسة، وقد شهد عام 2012 عددًا من النجاحات المشهود لها، ففي فبراير من ذلك العام حكم بالسجن على سبعة وعشرين رجلا وجهت إليهم تهم التخطيط لهجمات إرهابية ضد قوات الأمن المغربية والأجنبية، فيما شهد شهر مارس إصدار حكم بالإعدام في حق المرتكب الأساسي لتفجيرات مراكش في عام 2011، أما في نوفمبر من العام ذاته، فقد تم اعتقال خمسة عشر فردًا من أعضاء حركة المجاهدين في المغرب بسبب علاقتهم بتفجيرات الدار البيضاء.

ويمكن القول إن النهج الشامل الذي اتبعه المغرب لمكافحة التطرف والعنف داخل حدوده يعد نموذجًا يحتذى لدول المنطقة. فبعد أقل من أسبوعين من تفجيرات الدار البيضاء في 2003، أصدرت الحكومة المغربية قانونًا جديدًا لمواجهة الإرهاب، تضمن ذلك القانون تغليظ العقوبات لتشمل السجن بعشر سنوات لمن يتورط في أعمال الإرهاب، والسجن المؤبّد إذا تسببت الأعمال الإرهابية في إحداث إصابات جسيمة للآخرين، وعقوبة الموت إذا أودت بحياة أية ضحايا. علاوة على ذلك، تم إصدار قانون لمحاربة غسل الأموال في 2007، يسهّل تجميد الحسابات المشكوك بها، وإنشاء وحدة استخبارات مالية للتحري والتحقيق في القضايا المالية والإرهابية ذات الصلة.

محاربة الإرهاب

يواصل المغرب محاربته للإرهاب حيث تمكن مؤخرا من تفكيك خلية جهادية تنشط في سرية في بعض مدن المملكة، إضافة إلى جهوده الحثيثة في اقتلاع خلاياه المتنامية حديثا في مخيمات تندوف للاجئين، الواقع تحت سيطرة ما يسمى بجبهة البوليساريو، بعد أن تحدثت تقارير عن ارتباط عناصر من تلك الجبهة بتنظيم القاعدة. اصطفاف المجتمع الدولي وراء عدالة القضية المغربية وحقها في تمتعها بسياداتها على منطقة الصحراء لم يأت من فراغ، فقد كان المجتمع الدولي شاهدا على ممارسات الحركة الانفصالية والأساليب القمعية التي تتبعها لإخماد أصوات ساكنيها، وفي المقابل كان تعاطي المغرب مع هذه القضية ناجعا ومؤكدا على سياسته التي تتخذ من السلم منهجا لها، و لعل أبرز مثال على ذلك الدعم الغربي الكبير لمبادرة المغرب بمنح سكان الصحراء حكما ذاتيا تحت سيادتها.

وكانت قضية الصحراء المغربية وارتباط عدالتها بدور المغرب في نشر قيم السلام ومكافحة العنف والإرهاب، إضافة إلى الإصلاحات السياسية والاجتماعية الداخلية، محور دراسة تناولها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية والتي صدرت عن مركز أفريقيا، التابع للمجلس الأطلسي بالولايات المتحدة، وهي ورقة تحمل عنوان “الدور الحيوي للمغرب في تحقيق الأمن والتنمية بشمال غرب أفريقيا”، و في هذا السياق سلط مدير المركز بيتر فام الضوء على التوجه المغربي المتزايد لإعادة الارتباط مع أفريقيا، من خلال إسهاماته المختلفة سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

 

خصوصية التجربة المغربية

مكنت الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن الإصلاحات في قطاع العدل المغربي، من تجاوز الاضطرابات الثورية العنيفة والقمع الذي عانت منه بعض الدول المجاورة للمملكة

وقد أشارت الورقة إلى ما ورد بتقارير أميركية بشأن مواصلة الحكومة المغربية تطبيق الإصلاحات الداخلية التي استهدفت تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فقد تم تدشين مبادرة وطنية للتنمية البشرية بقيمة 1.2 مليار دولار. وتهدف هذه المبادرة إلى خلق فرص عمل، ومكافحة الفقر، وتحسين البنى التحتية في المناطق الريفية البعيدة والأحياء الفقيرة على أطراف مراكز البلاد الحضرية، التي كانت مسقط رأس عدد غير قليل من القائمين بالعمليات الانتحارية في الدار البيضاء. وقد نفذت هذه المبادرة حوالي 22 ألف مشروع استفاد منها أكثر من 5.2 ملايين شخص بين عامي 2006-2010، فيما يتوقع أن يتم إنفاق 2.1 مليار دولار أخرى على مشروعات شبيهة بين عامي 2012-2015.

تعد المملكة جزءًا لا يتجزأ من جهود التنمية في القارة، ويأتي إعادة الارتباط السياسي للمغرب مع أفريقيا كنتاج لعدد من الاعتبارات العملية والاستراتيجية، وقد دفعت التهديدات الجديدة للأمن الإقليمي للدول الأفريقية إلى التوجه لإقامة علاقات أقوى مع المغرب، حيث أدركت هذه الدول أهمية الدور الإقليمي للمملكة المغربية وما تتمتع به من موارد واستقرار سياسي يمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والأمني في المنطقة. وقد كان المغرب سباقا في دعم الدول المجاورة له التي تحتاج إلى تأطير أمني لمواجهة خطر تنظيم القاعدة في المغرب العربي، و يذكر أنه أرسل في 2009 مستشارين عسكريين إلى موريتانيا لمساعدة القوات الأمنية على التدريب وامدادها بالنصائح الأمنية اللازمة.

الدور الإقليمي

وتؤكد المملكة على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال احتضانها العديد من المؤتمرات الداعمة لوضع أسس ومقترحات تفضي إلى القضاء عليه، ففي عام 2009، أطلق المغرب المؤتمر الوزاري للبلدان الأفريقية الأطلسية، وتم تأسيس أمانة عامة دائمة له في المغرب. وقد تبنى المؤتمر الوزاري الثاني الذي التأم في المغرب في نوفمبر 2010، خطةَ عمل للتعاون والتنسيق في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والبيئة. كما نظمت المملكة المغربية سلسلة من المنتديات الدولية التي عقدت بالمغرب بين عامي 2009-2012 لربط الدول الأفريقية الأطلسية مع نظرائها الأوروبة والأميركية.

و مؤخرا انعقدت في المغرب أشغال الدورة الخامسة لمنتدى مراكش للأمن لمناقشة موضوع “الفراغ الأمني وتوسع مناطق الهشاشات بشمال أفريقيا والساحل والصحراء”، حيث شدد الخبراء والمسؤولون الأمنيون وممثلو منظمات دولية، بعد نقاش مستفيض حول الإشكاليات الأمنية بمختلف بؤر عدم الاستقرار بأفريقيا، على “وضع إطارات لتدبير مشترك للأزمات وإرساء تعاون إقليمي ودولي فعال” لمواجهة التهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود التي تغتنم فرصة الفراغ الأمني من أجل الانتشار.

إلى جانب التوسع في التعاون الأمني على المستويين الإقليمي والدولي، أصبح المغرب في السنوات الأخيرة، قوة كبيرة في مجال التنمية في أفريقيا، سواء من خلال التوسع المستمر من قبل المؤسسات المالية في جميع أنحاء القارة أو عبر مساعي الشركات المغربية إلى العمل في مجموعة واسعة من القطاعات ذات الأهمية القصوى لعملية التنمية في السنوات المقبلة، بما في ذلك الزراعة، والاتصالات، والمستحضرات الدوائية، والصناعات التحويلية. وكانت المؤسسات المالية المغربية أحد العوامل الرئيسية لفتح الطريق أمام الرباط لإعادة الارتباط مع أفريقيا، فالنجاح التجاري لتلك المؤسسات أهلها للعب دور حاسم ومتزايد في القارة السوداء التي لا تزال تعاني من صعوبة الوصول إلى القطاع المصرفي الرسمي مما يعد عائقًا مهمًّا للنمو الاقتصادي.

في هذا السياق تؤكد الدراسة أن المملكة أثبتت أن لديها الرغبة والقدرة على تحمل التحديات التي تواجه منطقة المغرب العربي والساحل، مما جعلها الشريك الأنسب للتعاون معها من غالبية دول القارة السمراء التي أدركت أهمية دور المغرب في تعزيز الأمن والتنمية الإقليمية في شمال أفريقيا. ويقول المراقبون إن النموذج الذي أرساه المغرب في الديمقراطية والتعددية السياسية ساهم في تعزيزه الملك محمد السادس الذي أثبت التزامه الجاد بالإصلاح، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة، والمساهمة في المنظمات الإقليمية متعددة الأطراف.

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…