حول المجتمع المدني
الخميس 23 كانون الثاني (يناير) 2014
بقلم:
هناك ثلاث أسئلة تحدد طبيعة وهوية واستقلالية العمل الجمعوي: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟
إن الإجابة على هاته الأسئلة هي التي تؤطر نوعية ممارسة وهوية أطراف المجتمع المدني، غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه نحو تحديد طبيعة تعامل أطراف العمل الجمعوي مع المجتمع السياسي، لذا من الضروري استحضار هذا المفهوم الاخير أي المجتمع السياسي أثناء مناقشة أدوار ووظائف المجتمع المدني الذي لا يتحدد إلا في علاقته مع ذاته ومع المجتمع السياسي.
في هذا الإطار يجب اعتبار دور المجتمع المدني في المجتمع دورا موازيا للمجتمع السياسي لا أن نتطرق إليه كطرف محدود وأدنى. ففي هذا السياق يمكن اعتبار المجتمع المدني طرفا يمارس عملية الضغط (الفعل) على السلطة السياسية إما لكي لا تنحرف عن المسار الديمقراطي وإما لتحقيق مجموعة من الأهداف والغايات، إلا أن المهم هو الإمكانية التي تتاح من خلال هذا الضغط لتحديد درجة أو مستوى ديمقراطية النظام السياسي وذلك من خلال طريقة وطبيعة الرد على هذا الضغط الممارس من طرف المجتمع المدني، هل هو رد بالمنطق الأمني/الإكراهي أم بمنطق القبول/الحوار، وعبر طبيعة الرد يقوم المجتمع المدني بتأسيس رد فعل في شكل عملية تكييف وذلك بالبحث ومناقشة كيف نحقق ما نريد؟ (يمكن استحضار نموذج مسارات العمل الجمعوي المغربي كنموذج على عملية التكييف مع تطورات ممارسة النظام السياسي)، انطلاقا من رد الفعل الذي يأسسه أطراف المجتمع المدني يمكن أن نبني ثلاث نماذج وهي: نموذج التابع، ونموذج المراوغ، ونموذج الرافض.
من خلال ما سبق نستشف بأن الممارسة العملية تكون عبر سلطتين، سلطة سياسية وسلطة مدنية. وللإشارة فالسلطة هنا ليست جوهرا بل مجموع علاقات كلما تغيرت تغير معها طبيعة السلطة. والمقصد هنا هو أن توازنات السلطتين سواء في المجتمع السياسي أو المجتمع المدني لا تظل دائما كما هي بل يحكمها التغير، وهنا نستحضر مفهوم التكييف مع الواقع المتغير. لذلك نرى أن أطراف كلا السلطتين تعملان باستمرار على بناء استراتيجيات واعتماد تكتيكات محددة من أجل الحفاظ على الوجود السياسي أو المدني. إلا أن العلاقات لا تنحصر عموديا وفقط ما بين سلطتين بل أيضا أفقيا من خلال علاقات أطراف المجتمع المدني مع بعضها البعض، وهنا يجب الإشارة إلى أنه من المستحيل أن يقع انسجام في أطراف المجتمع المدني نظرا لارتكازه على نماذج متعددة متباعدة ومتناقضة ورؤى متغايرة. أما في اطار العلاقات العمودية مع السلطة السياسية فالتفكير ينصب في الاليات ووسائل وقنوات الضغط على السلطة السياسية باعتبارها سلطة اتخاذ القرار، وهذا الضغط لا يكون على مستوى شامل أي لا يمارس بشكل مباشر بل انطلاقا من حقول البنية الاجتماعية، بعبارة أخرى فالبنية الاجتماعية ليست بنية ذات مستوى واحد بل ذات مستويات متعددة منها الاقتصادي والثقافي والسياسي…
هذه المستويات تبرز من خلال مؤسسات والتي يمكن اعتبارها حقول أو مجالات صراع ما بين السلطتين السياسية والمدنية، هذا الصراع محكوم بوجود إشكالية ما في حقل مؤسساتي ما يتطلب حلها، مثل قضية التعليم أو قضية الصحة … الخ. وطبيعة هذا الصراع تحكمه وتحدده أيضا نوعية النظام السياسي/ الدولة، فمثلا في الدولة المغربية نجدها ذات شكل يعقوبي تعمل على مركزة القرارات والمبادرات في مركز محدد أو مراكز معينة قليلة جدا، هذا الشكل لم يقف في حدود النظام السياسي/ الدولة، بل طال حتى أطراف المجتمع المدني التي أصبحت تركز قراراتها ومبادرتها بشكل مركزي، إذا نحن أمام بنية فكرية يعقوبية تحكم الأغلبية. فهل يمكن إذا ممارسة عمل مدني حقيقي محلي أو جهوي في إطار وجود مركزي/يعقوبي للعمل السياسي؟ ألا تصبح البنية اليعقوبية للدولة المغربية وللدول المتخلفة معيقة لتطور المجتمع المدني وبالتالي يحتم الواقع تفكيك هاته البنية التي تحولت إلى شبكة تحكم تفكير الجل إن لم يكن الكل من أجل إفساح المجال الصحي والمطلوب للعمل المدني، خصوصا وأن المجتمع المدني أصبح يأخذ أدوارا عجزت الديمقراطية التمثيلية عن الوفاء بها. وهنا نصل إلى أن العمل الجمعوي سواء تنموي أو ثقافي أو إجتماعي …إلخ إن لم يمارس سياسيا فهو يمارس بوعي سياسي.
عن موقع صحيفة الاوان