مساواة تامة بين الجنسين والتكفير جُرم له عقوبة
تونس تُذهل العرب ثانيةً… دستورها ضوء في نفق “ربيع أسود”
عن صحيفة ايلاف
6يناير 2014
على المقلب الآخر من دول الربيع الثائرة، بشائر أمل تختلف عن أخبار القتل والتشريد والاعتقالات والتجويع، ففي تونس تجربة ديمقراطية وليدة يُراد لها حسب كثيرين أن تكون نموذجًا يحتذى لمن أراد تجنيب بلاده الحروب الأهلية وسفك الدماء.
إسماعيل دبارة من تونس: كما باغتت تونس أكثر المحللين تفاؤلاً بخصوص الأوضاع التي كان عليها العرب قبل السابع عشر من ديسمبر 2010، وانتفضت ضد الدكتاتور وأطاحت به في أقل من شهر، في ثورة سلمية جعلت البلاد تسمّى (مهد الربيع العربي)، ها هي تونس من جديد تطلق أملاً جديداً للعرب ومحلليهم المتفائلين والمتشائمين على حدّ سواء، بسنّ دستور يبدو نشازًا في خضم سيطرة التشدد والإرهاب وانتهاك حقوق المرأة يمينًا وشمالاً، من المحيط إلى الخليج.
دواعٍ كثيرة للتشاؤم
أكثرهم تشاؤمًا قال إنّ (الربيع العربي) تحول إلى (كابوس) خاصة مع ما رافقه من عنف دموي في ليبيا واليمن وسوريا ومصر، وما آلت إليه الأوضاع في بلدان ثائرة على مستبدّيها، من تقتيل وتجويع وتشريد وسيطرة غير مسبوقة للمتطرّفين.
أما أقلهم تفاؤلاً، فقد قال إنّ (الربيع العربي) تحول إلى (خريف) سيحتاج وقتًا أطول من المتوقع، وأن المسار التحرري الذي بدأ في نهاية 2010، قد يستمر سنين عديدة حتى تستتب الأوضاع وتعاد الأمور إلى نصابها وتحقق الثورات أهدافها بشكل كامل.
الأوضاع في مصر لا تسر حبيبًا ولا عدوًا، فلا عنف الإخوان المتمسكين بـ”شرعيتهم” يحمل الأمل، ولا حكم العسكر الذي لا يتوانى على “ضرب الجميع” سيكون البديل الذي أراده المصريون لوطنهم.
أما في ليبيا التي تجاهد فيها حكومة ضعيفة لبسط سيطرتها وإعادة “هيبة الدولة”، فلا صوت يعلو فوق صوت السلاح، ولا يبدو أنّ الخلاص سيكون قريبًا، فمن يملك عتادًا أكبر وأشد فتكًا على الميدان، هو الحاكم الفعلي، شاءت الحكومة الانتقالية أم أبت، وسط مخاوف من أن تقسّم ليبيا ويحكمها لعقود طويلة أمراء الحرب وقادة الميليشيات.
في سوريا، (انقلب السحر على الساحر)، فمن جاء لنصرة السوريين للقتال ضدّ الأسد، تحول بدوره إلى “أسد هصور” يقتل يمينًا وشمالاً، يجلد ويقطع الأعناق ويرجم، فكانت الانتفاضة الثانية ضدّ قوى التطرّف بهدف تصحيح مسار الثورة على آل الأسد وآل مخلوف.
لكن لا مؤشرات فعلية على أن النزاع في دول الربيع العربي سيؤدي قريبًا إلى تحقيق الأهداف التي من أجلها خرج الشباب، والتي يجوز تلخيصها في “الحرية والديمقراطية والخبز والكرامة”.
رسالة تونس… التفاؤل
من تونس، التي شهدت بدورها اضطرابات وتعثرًا للمرحلة الانتقالية التي حملت عنوان “حكم إسلامي معتدل” يقود البلاد بمعية حزبين علمانيين، تأتي تباشير الصبح الذي انتظره العرب.
وتوالت المفاجآت “السارة” للتونسيين وربما لجيرانهم الليبيين والمصريين، مع بدء مداولات المجلس التأسيسي الذي يهيمن عليه الإسلاميون، إذ تشير الدلائل الأولى إلى أن تونس ستسنّ دستوراً قد يكون سابقة في منطقة الربيع العربي المضطربة.
صادق المجلس الوطني اخيرًا على فصل في الدستور الجديد يقر “المساواة بين التونسيات والتونسيين في الحقوق والواجبات”.
وصوت 159 نائبًا من أصل 169 شاركوا في عملية الاقتراع على الفصل 20 من الدستور الذي يقول: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد صادق المجلس التأسيسي كذلك على تعديل فصل في الدستور الجديد جرّم بموجبه “التكفير والتحريض على العنف”.
ويقول نص التعديل الذي أدخل على الفصل السادس من الدستور “يُحجَّرُ (يمنع) التكفير والتحريض على العنف”.
وأصبح الفصل السادس في صيغته المعدلة يقول: “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. يُحجَّرُ التكفير والتحريض على العنف”.
وصوت على الفصل في صيغته المعدلة 131 نائبًا من أصل 182 شاركوا في عملية الاقتراع، فيما صوت ضده 23 وتحفظ 28.
واقترحت المعارضة إعادة النظر في هذا الفصل بعد إعلان منجي الرحوي القيادي في الجبهة الشعبية (ائتلاف لأكثر من 10 أحزاب يسارية) إصدار تكفيريين فتوى دينية بقتله خلال 48 ساعة.
وهددت المعارضة بالانسحاب من المجلس التأسيسي ومقاطعة جلسات المصادقة على فصول الدستور الجديد في حال عدم الاستجابة لمطلبها تجريم التكفير.
كما صادق المجلس الوطني التأسيسي على فصول من الدستور الجديد أعطى بموجبها طابعًا “جمهوريًا” لقوات الأمن والجيش وألزمهما بـ”الحياد التام” عن الأحزاب السياسية.
وينص الفصل 17 من الدستور على أن “الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليًا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون”.
كما حظر الدستور الجديد على قوات الجيش تأسيس نقابات، وصوت 156 نائبًا من أصل 168 شاركوا في عملية الاقتراع على الفصل 35 من الدستور الذي يقول إن “الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون. ولا ينطبق هذا الحق على الجيش الوطني”، وصوت 6 نواب ضد هذا الفصل وتحفظ 6.