افتتاحية الجريدة الالكترونية ” النهار المغربية”
7 فبراير 2013
يعيش المغرب ظاهرة جديدة تكاد تفقد العمل السياسي والنقابي معناه. وتتعلق بفقدان الثقة في أدوات الدفاع الشعبي (الحزب والنقابة) ولجوء المواطن إلى مسالك أخرى للتعبير عن مصالحه. فقد أصبحت الباطرونا مجبرة على التعبير السياسي من خلال تجمعاتها وهيئاتها، التي كان دورها يقتصر على تنظيم العلاقات بين رجال الأعمال وضبط المجال والحوار مع الحكومة والنقابات لتحديد طبيعة العلائق والتشابكات بينهما، ولم تكن الباطرونا تتدخل في رسم السياسات الاقتصادية، لا يعني غيابها عن الموضوع ولكن كانت منخرطة في أحزاب سياسية تعبر عن مصالحها وتدافع عنها وتعبر عن توجهاتها بخصوص السياسة الاقتصادية من داخل الأحزاب السياسية.أما فئات الكادحين فكانت تجد في الأحزاب اليسارية ووسط اليسار والأحزاب الديمقراطية ملجأ للتعبير عن طموحاتها السياسية. وكانت هناك أحزاب تعبر عن طموحات فئات أخرى مثل الفلاحين في العالم القروي بينما تهتم أخرى بالمزارعين العصريين وحتى التعبيرات اللغوية والجهوية كانت تجد لها محضنا.ودارت الأيام لتجد هذه الفئات مخترقة لكل الأحزاب السياسية حيث تتعارض المصالح فيصبح الحزب دون هوية.ونظرا لهذا الوضع المريب لجأ المواطنون إلى أدوات أخرى أكثر انفتاحا للتعبير عن مصالحهم، فلجأت الباطرونا إلى نقابتها للتعبير عن السياسات الاقتصادية واضطر المواطنون لاستغلال التنظيمات المدنية أو الاحتجاج الفوضوي دون تأطير.وعرف الدستور التنظيم الحزبي على أن “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”، و”تساهم المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون”.فالحقوق المهنية مرتبطة بالنقابات ومنظمات المشغلين، في حين تتولى الأحزاب الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية بما هي سياسة اقتصادية واجتماعية، وهو ما ينعدم اليوم في الأحزاب والنقابات.فالأحزاب السياسية توفر فرصة مناسبة لكل أفراد المجتمع، فرصة المساهمة والمشاركة بعملية صنع القرار السياسي فيه، و تقوم الأحزاب ببلورة وجهة نظر سياسية واحدة على مستوى الحزب، والتعبير عنها أمام الهيئات السياسية، وتقوم الأحزاب بتجميع القضايا والمصالح المشتركة لأعضائها ومؤيديها من أجل صياغتها في برنامجها السياسي إلى جانب القضايا العامة التي تهم عامة أفراد المجتمع.ومن أسباب ضعف الأحزاب السياسية هو أنها لم تعد تنظيما قادرا على التعبير عن مصالح فئات اجتماعية في تقرير السياسة الاقتصادية والاجتماعية وأصبحت الأحزاب تتشابه من حيث تشكلها حيث تجد رجال الأعمال يقودون حزبا يساريا يدعي الدفاع عن الفئات المحرومة، قد يكون سليما إذا كان رجل الأعمال يريد التضحية بما لديه لا الحفاظ على مصالحه، وتجد الحزب اليميني الذي كان يدافع عن مصالح أصحاب رؤوس الأموال يتوجه نحو الفئات الفقيرة ضمانا للأصوات. وبهذه الخلطة انتهت السياسة. ولا عودة لروح السياسة إلا بفرز طبيعي لطبيعة المصالح التي يدافع عنها وبتبني سياسة واضحة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية.الأزمة اليوم أزمة فكر سياسي ونقابي مما تسبب في غموض قاتل.ولا مخرج ولا منجى من هذا الوضع إلا بعودة الفكر السياسي الواضح لدى الأحزاب.