حديث الجمعة
تلبيس إبليس وغياب العقل
عندما ندرس الظواهر الغريبة علي مجتمعنا المصري لابد أن نتعمق في الدراسة والرؤية, وأن نقف علي حقيقة المخاطر التي تهدد الوطنا دون مواربة أو حسابات سياسية, فالوطن فوق الجميع, وإما أن يكون وطن ودولة أو تكون فوضي تأكل الأخضر واليابس,
ويكتوي بنارها الصغير والكبير, غير أن العقلاء والحكماء والشرفاء والوطنيين لا يمكن أن يسمحوا بالوصول إلي هذه الفوضي التي يخطط لها أعداء الوطن تحت مسمي فوضي خلاقة أو غير خلاقة, فالفوضي هي الفوضي علي كل حال وإن لبس الملبسون من أعوان إبليس وجنوده في الأرض.
وقد أعلنا بوضوح عن الرأي الشرعي في العمليات الإجرامية سواء أكانت انتحارية أم غير انتحارية, مؤكدين أن من يفجر نفسه سواء أصاب غيره أم لم يصب منتحر يعجل بنفسه إلي الجحيم والهلاك في الدنيا والآخرة, فإن فجر عن بعد في غيره فهو قاتل ومفسد ومعتد, أما المحرضون فهم شركاء في الجرم لا محالة, وأما الصامتون والشامتون فهم شركاء بصمتهم, حيث يوفرون غطاء معنويا ومناخا مجتمعيا يهيئ لمثل هذه الأعمال الإجرامية.
وهذه الرؤي الشرعية قد أكدها العلماء المخلصون ليس في مصر وحدها, بل في كثير من دول العالم الإسلامي. علي أن هذه الأعمال الإجرامية ترجع إلي أمور أهمها: غياب العقل وتلبيس شياطين الإنس قبل الجن.
أما غياب العقل أو تغييبه, فيقولون: الأحمق عدو نفسه, وعدو عاقل خير من صديق أحمق, لأن الأحمق يريد أن ينفعك فيضرك, ولا يكتفي أعداء الدين والوطن بمجرد اصطياد الحمقي والمغفلين, بل يعملون بكل ما أوتوا من قوة علي تغييب عقولهم, بحشوها بالمغالطات أو بإفسادها وإنهاكها والقضاء عليها بشتي السبل.
وأما تلبيس إبليس فله وسائل متعددة ومسالك ومسارب شتي, سواء أكان من شياطين الجن أم من شياطين الإنس, حيث يقول الحق سبحانه: شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا( سورة الأنعام:112), ويقول الإمام الأوزاعي( رحمه الله تعالي): ما أمر الله( عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدي جهتين لا يبالي أيهما أصاب الإفراط أو التفريط, الغلو أو التقصير, فيصور له التهور والحمق والطيش والبغي والعدوان علي أنه شجاعة, وإذا غذي ذلك المأجورون ممن يلبسون ثوب الدين والدين منهم براء بالفتاوي المضللة تحول هذا الطيش إلي لون من الجنون وغياب العقل وارتكاب الحماقات الإجرامية في حق وطنهم وبني جلدتهم, فيوهمون الشباب زورا وبهتانا وافتراء علي الله ورسوله أن ما يقومون به هو لون من ألوان الشهادة في مقاومة أهل البغي والفساد, علي أن الأمر عكس ذلك, فهؤلاء فاسدون مفسدون يعيثون في الأرض فسادا, يهلكون الحرث والنسل, والله لا يحب الفساد, وقد نظر نبينا( صلي الله عليه وسلم) إلي الكعبة فقال لها: ما أعظمك وما أشرفك وما أعظم حرمتك عند الله( عز وجل), ولكن دم المؤمن أعظم عند الله( عز وجل) منك ويقول الحق سبحانه: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا, علي أن الإسلام لم ينه عن القتل أو الاعتداء علي الآمنين فحسب, إنما نهي عن مجرد ترويعهم أو التعرض لهم, أو إشاعة الخوف فيهم, فشرع قتال البغاة والمجرمين الذين يعتدون علي الدماء أو الأعراض أو الأموال, وفي حد الحرابة يقرر العلماء أن المجرمين إذا قطعوا الطرق وقتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا, وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا, وإن أخذوا المال ولم يقتلوا تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, فإن أخافوا الناس ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا عذروا بقدر جريمتهم ونفوا من الأرض أي أخرجوا منها, يقول الحق سبحانه: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع
أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم( سورة المائدة:33).
والخلاصة: أن ما يحدث من عمليات إجرامية انتحارية أو تفجيرية لا علاقة له بالدين ولا بالعقل, فهذه الأفعال لا يمكن أن يقرها أي دين أو عقل أو قانون أو آدمية أو إنسانية, فهؤلاء أناس لا نقول: انسلخوا من دينهم وسلبت عقولهم فحسب, إنما انسلخوا إلي جانب ذلك كله من كل الأديان والقيم والأعراف ومن آدميتهم وإنسانيتهم, لأن ما يحدث لا علاقة له بالآدمية أو الإنسانية, ولا حتي الحيوانات التي لا عقل لها يمكن أن تقدم علي مثل هذا الإجرام.
ومن هنا كان علينا جميعا أن نقف صفا واحدا في مواجهة هذا الإرهاب.
عن جريدة الاهرام
الجمعة 27 دجنبر 2013