“التواصل الناجح” أساس العيش المشترك في مجتمع متعدد…
بقلم : عبد الحفيظ العبدلي
21 ديسمبر 2013
عن سويس ءانفو
بعد النجاح الكبير الذي تكللت به المرحلة الأولى من برنامج “التواصل والمواطنة” (contakt-citoyenneté) الذي ينفذ منذ عاميْن بالإشتراك بين اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة و”النسبة المائوية للثقافة” ضمن مجموعة ميغرو التجارية، أعطيت إشارة الإنطلاق للمرحلة الثانية التي تغطي عامي 2014 و2015.
المشاريع التي ستحظى بالقبول من طرف لجنة تحكيم متخصصة سوف تحصل على تمويل إجمالي قدره 320.000 فرنك سويسري، وهو نفس المبلغ الذي صُرف لفائدة ثلاثين مشروعا وقع الإختيار عليها من جملة مائة مشروع رشحها أصحابها في الدورة السابقة، وحظيت بتوجيه ودعم من مراكز الخبرة والدوائر الفدرالية العاملة في مجال الإندماج.
ووفقا لبلاغ صحفي صدر في منتصف شهر نوفمبر 2013، فقد “شاركت في تنفيذ هذه المشروعات المتكاملة مجموعات متعددة الثقافات تجاوز عددها 450 شخص، معظمهم نساء من أصول أجنبية عملن بشكل تطوّعي”.
مشاريع مبتكرة وأفكار خلاقة
أحد هذه المشروعات وجد جذوره في مدينة “مودون” بكانتون فو، التي يمثّل الأجانب 42.5% من مجموع السكان فيها. وبفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها مجموعة “سويسريون وأجانب”، وهي هيئة غير سياسية تتشكل من عشرين متطوّعا ومتطوّعة ينتمون إلى بلدان وثقافات متعددة، أصبحت هذه المدينة مضرب الأمثال في مجال الإندماج.
فمنذ نشأتها سنة 2002، دأبت هذه المجموعة على تنظيم حفلات خاصة بالأطفال، وتظاهرة “لقاء بقلوب مفتوحة”، ومحاضرات تحت عنوان “هل تعرف بلدك؟”… وبحسب كلود فوثاي، رئيس الجمعية، فقد كان الهدف دوما من هذه الأنشطة “تشجيع التواصل وتعزيز الروابط بين السكان المحليين والمقيمين الأجانب”. وبفضل هذه الجهود، فازت جمعية “سويسريون وأجانب” خلال السنوات العشر الأخيرة بثلاث جوائز مهمّة، كان آخرها اختيارها ضمن المشروعات التي فازت بدعم وتمويل اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة والنسبة المائوية للثقافة بمجموعة ميغرو التجارية.
وفي معرض تقييمه لحصيلة عقد كامل من العمل في مجال التقريب بين السكان المحليين والأجانب، يقول رئيس الهيئة: “لقد تعلّمت التلقائية في التواصل مع الآخرين، كما نجحت في إبلاغ رسالة المحبة وصورة سويسرا المنفتحة إلى أصدقائي الأجانب”.
مكان آخر.. وتجارب أخرى
وجهتنا هذه المرة كانتون نوشاتيل، المعروف بسياسته المنفتحة على المقيمين الأجانب. فمن ضمن الثلاثين مشروعا التي نالت رضى وتمويل برنامج “التواصل والمواطنة” الوطني، جاءت ثلاثة منها من هذا الكانتون: أولها، مشروع Bel Horizon Open الذي يُشرف على تنفيذه “المقهي الإجتماعي متعدد الثقافات” بمدينة لاشو دو فون، حيث تنظم سلسلة من الأنشطة التي يشترك فيها سكان محليون وأجانب (خاصة المقيمون منهم في مراكز إيواء طالبي اللجوء)، وتتميز بتنوعها بدءا بتوزيع المواد الغذائية على المُعوزين والفقراء ووصولا إلى الدورات والمنافسات الرياضية.
المشروع الثاني، ذو طابع ثقافي، ويتعلّق بـ “مسرح الإندماج”، الذي تشرف عليه مجموعة النساء الأوروبيات والإفريقيات بنوشاتيل، ومن إبداعاته مسرحية “هدايا تافهة في عيد الميلاد”، التي تعالج مسألة التعدد الثقافي ومقولة صراع الحضارات، وتصوّر واقع عائلة إفريقية تكابد من أجل إدماج إبنها في المجتمع السويسري، ثم قصة إفريقي يدعو زملائه في العمل لتناول طعام “إفريقي”.
المشروع الثالث في هذه المجموعة، ودائما بنفس الكانتون، مشروع يرفع شعار: “لنبني معا فرصا للتواصل”، وتشرف عليه جمعية “RECIF” والتي ينشط في إطارها 122 متطوّعا ومتطوّعة منذ 18 عاما، وتستضيف كل سنة ما يزيد عن 450 إمرأة مهاجرة و200 طفل و 76 جنسية مختلفة. والهدف من هذا النشاط هو “توفير فرص للإلتقاء والتواصل بين نساء سويسريات واجنبيات في اجواء مريحة ومشجعة على الانفتاح والتبادل الثقافات وتجاوز الافكار المسبقة”.
وعن هذه البرامج الثلاث، تقول روت تنّينباوم، من اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة: “أمر يثير الإعجاب أن تكون هذه المشروعات الثلاث من كانتون واحد، ولكن لا غرابة فنوشاتيل تجني ثمار الإهتمام الكبير الذي توليه سياساتها للإندماج والإنسجام المجتمعي، فضلا عن روح الإنفتاح والمشاركة الواسعة للمجتمع المدني في هذا المجال”.
.. لا حدود للإبداع
“ليس ضروريا أن تكون في هيئة أو جمعية حتى تستطيع التأثير على الرأي العام من حولك”.. هذه القناعة هي التي دفعت أويلي مايير، وهو مصوّر سويسري بكانتون لوتسرن إلى خوض تجربة فريدة من نوعها، حيث أقدم متسلحا بجهاز كاميرا على إلتقاط 200 صورة شخصية لسكان يقطنون في قرية غوينزي Geuensee من أعمار وجنسيات وألوان وثقافات ومهن مختلفة، ثم عرضها على حافة العديد من الطرق والمسالك عبر القرية في محاولة للفت الأنظار إلى التنوّع الذي يميّز التركيبة السكانية في المنطقة، والتحسيس بأهمية العيش المشترك.
عن مبادرته، يقول أويلي مايير: “اعتقدت أنه من المهم إنجاز هذا المشروع لأن من شأنه أن يخترق النسيان الذي يُحيط بالعديد من الأجانب الذين يقطنون في هذه المنطقة، ويحفّز الفضول لدى السكان المحليين من أجل الإنفتاح على جيرانهم المختلفين عنهم”.
وعن ردود فعل السكان خاصة بعد عرض الصورة الملتقطة في الاماكن العامة، يقول مايير: “كان تفاعل السكان جيدا جدا، ووجدت مبادرتنا صدى كبيرا على مستوى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية. والأشخاص الذين عُرضت صورهم أعجبوا بذلك، واستمر الحديث عن مشروع “KopfWEG” في القرية لفترة طويلة”.
شراكة مُرضية للطرفيْن
يُمكن القول أن نجاح هذه الأنشطة المتعددة يعود الفضل فيه إلى حد كبير إلى هذه الشراكة النموذجية بين القطاعيْن العام والخاص. في هذا السياق، تقول لوسيا كورمان، المسؤولة الاولى عن هذا البرنامج الطموح، والعاملة بالقسم الثقافي والإجتماعي لدى مجموعة ميغرو التجارية: “برغم حجم المجازفة، عندما أفكّر الآن في التجارب التي قامت بها المجموعات المختلفة المنخرطة في هذا المشروع، والنجاح الكبير الذي تكللت به تلك الجهود، أشعر بسعادة غامرة خاصة لما أبدته تلك المجموعات من التزام صادق وحرص على بلوغ الأهداف المرصودة”.
إضافة إلى ذلك، تشدد كورمان على أن “التعاون مع اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة مكّننا من الوصول إلى شبكة واسعة من الأقسام والمؤسسات المتخصصة في مجاليْ الهجرة والإندماج”، وهو ما مثّل رصيدا ضروريا لمرافقة المشروعات المختارة، وتنفيذها ميدانيا. ولذلك تجد كورمان نفسها الآن “متحفّزة لخوض هذه التجربة ثانية”، وتأمل أن “تكون مثل سابقتها”.
نفس الترحيب عبّر عنه كذلك حميد زاكيري، رئيس “المؤتمر السويسري للخدمات المتخصصة في مجال الإندماج”، (مقره في كانتون شفيتس) حيث نقل عنه الموقع الألكتروني لبرنامج “تواصل ومواطنة” قوله: “كثيرا ما أسمع أن أفكارا ومشاريع لم تتحقق لانعدام الدعم المالي. وبفضل هذا البرنامج، يُمكن لأي شخص الآن التقدّم بأفكاره الخلاّقة. ومما يثلج الصدر هو هذا العدد الكبير من المقترحات الذي يحصل على دعم مادي من القطاع الخاص وعلى التوجيه والمتابعة من جهات فدرالية”.
منذ انطلاقته قبل عاميْن، أسهم هذا التعاون الخلاق في جسر بعض الهوة القائمة بين المجموعات الثقافية والإثنية والدينية عبر العديد من الكانتونات والبلديات السويسرية. وبإمكان الراغبين في المشاركة في الدورة الثانية إرسال أفكارهم ومشاريعهم عبر الموقع الإلكتروني لهذا البرنامج قبل موفى 28 فبراير 2014. أما المعايير الرئيسية التي يتم على أساسها الإختيار، فتتلخص في قدرتها على الإسهام في تعزيز قيم التعايش بين الثقافات، وتقوية أواصر العمل المشترك بين المجموعات المختلفة، وتوسيع دائرة الملتزمين بالعمل طوعيا من أجل مجتمع أفضل.
برنامج “تواصل ومواطنة”
يهدف هذا البرنامج الذي تأسس في عام 2012 من خلال شراكة بين القسم الثقافي والإجتماعي في مجموعة “ميغرو” التجارية واللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة إلى تشجيع جميع المشروعات والأنشطة التي تعزز التواصل والتقارب والعمل المشترك بين السكان المحليين في سويسرا والمقيمين الأجانب أو الذين هم من أصول أجنبية.
يدعم هذا البرنامج أي أنشطة من شأنها توفير فرص الإلتقاء والتعايش بين أصحاب الثقافات المختلفة، وبالإمكان تنفيذها عبر الإلتزام الطوعي الفردي والجماعي.
يهدف المشرفون على هذا البرنامج إلى الإستفادة إلى أبعد ما يمكن من إمكانات الإبتكار والتجديد في الأفكار الذي تزخر به مؤسسات المجتمع المدني، واستثمار اوجه التكامل بين المؤسسات الأهلية ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
يحصل المشروع الذي يحظى بالقبول من طرف لجنة تحكيم خاصة بدعم مالي وبمرافقة وخدمات استشارية من طرف العديد من مراكز الخبرة على المستويين الوطني والكانتوني.
بلغ إجمالي الدعم المالي الذي قدّمته مجموعة ميغرو التجارية لفائدة هذه المشاريع خلال عامي 2012- 2013 حوالي 320.000 فرنك، ومن المقرر أن تحافظ المجموعة على نفس هذا الدعم بالنسبة للسنتيْن المقبلتيْن.