الإسلاموفوبيا أم الغرب فوبيا .. مما نخاف و مما يخافون؟…
بقلم: محمد بن امحمد العلوي/عن موقع شبكة الفكر المعاصر
من الفيلم المسيء للإسلام إلى الرسومات الكاريكاتورية في المطبوعات الأوروبية مرورا بتهديد الحكومة الفرنسية بطرد الإسلاميين الأجانب الذين يشكلون خطرا على النظام العام في فرنسا حسب تبريرها القانوني ، حيث أن وزير الداخلية مانويل فالس يقول بالحرف: “لن أتردد في طرد الذين يعلنون انتماءهم إلى الإسلام لكنهم يشكلون خطراً كبيرا على النظام العام، والأجانب الذين هم في بلادنا ولا يحترمون قوانيننا وقيمنا “. نحن هنا نسأل الوزير الاشتراكي هل مجرد الإنتماء إلى دين ما يعتبر صك اتهام يعطيك الحق في طرده من بلاد الحقوق و الحريات ؟ أم بالضرورة لابد أن يكون المسلم متطرفا حتى تثبت التهمة و يتم الطرد؟ نحن مع احترام القانون و الأرض التي يؤطرها و لابد للفرد الذي تطأ رجله دولة أجنبية أن يتقيد بقوانينها و يحترم قواعدها الأخلاقية .في نفس الآن و بنفس المنطق و بالضرورة الأخلاقية و القانونية لابد أن تنهج تلك الدولة نفس الطريق باحترامها لرأي و دين و مقدسات ذلك المواطن أو الوافد الذي يمارس حياته داخل أرضها،إنه إذن الاحترام دون تهديد معنوي أو مادي لذلك المواطن الذي يدين بديانة الإسلام.
نحن مع دولة فرنسا في أن تحمي قيمها و نظامها العلماني و الجمهوري، لكن هل الإساءة إلى مقدسات الغير و ديانتهم تعتبر حربا استباقية تشنها الصحافة الفرنسية و الأوروبية ضد مشاعر المسلمين.نحن مع حرية الرأي لكن الحرية المسئولة و البعيدة عن أجندات خطيرة تتسم بالخبث و الدهاء في خلق العداوات و بث الكراهية بين الفئات و الشعوب و تهدد السلم المحلي و العالمي. عندما تكشف نتائج أحدث استطلاعات الرأي الذي أجراه معهد “إيفوب” لقياس الرأي العام عن مواقف شريحة من الفرنسيين مما نشرته صحيفة “شارلي ابدو” أخيرا من رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص )،هناك 51 في المائة من الفرنسيين يؤيدون نشر هذه الرسوم فيما أعرب 47 في المائة عن قلقهم بأن النشر يمكن أن يؤدي إلى توترات جديدة في ظل الظروف الراهنة. مع ما يمكننا أن نأخذه على هذا النوع من استطلاعات الرأي لكن هذه النتائج تكشف أن الإعلام له دور فعال في تأجيج الإنفعالات السلبية و الهيجان غير المحكوم ،بالتالي يكون هذا الإعلام المهيج أول من يُشِيعُ و يُؤطِّر ذلك النوع من التربية المفتقرة إلى التسامح و التفاهم و الفهم العميق للآخر.
هنا ترتصف مجموعة من المجلات في خط واحد ضدا على أحاسيس و مشاعر و ضربا لمقدسات الآخر في انتهاك سافر لأخلاقيات الاختلاف و التمايز الذي هو ميزة و هبة للحياة في حد ذاتها ،هذه الاسلاموفوبيا التي روجها الغرب بمؤسساته الإعلامية و البحثية و الأمنية سلعة مخدومة بمصانعهم و ماركة مسجلة تؤتي أكلها في أي زمن و مكان .لكن في أي خانة سوف نضع هجمات النرويج ؟ الهجمات التي أقدم عليها اليميني المتطرف آندرس بيرينج برييفيك في يوليوز2011 إذ يعتبر نفسه مسيحياً معاصراً وفارساً من “فرسان الهيكل الصليبيين”،والذي اعترف بتنفيذ الهجمات التي أودت بحياة 77 شخصا و242 جريحا. بريفيك صاغ تبريرا خاصا به أثناء المحاكمة يقول بأنه كان يهدف لمنع المسلمين من السيطرة على النرويج، و هذا ما أبطله الشعب النرويجي والحكومة بتشجيعه لقيم التسامح والانفتاح على الآخر و ضرب الأفكار المتطرفة في العمق.
إنه دور الإعلام الغربي الذي يصوغ صورة نمطية للمسلمين و الطامح من وراء ذلك إلى تأجيج المشاعر ضد المسلمين بصياغة تفكير المتلقي الأوروبي في قوالب جاهزة من الأكاذيب والشائعات و تعميم صفة المتطرف و المتعصب كل من يدين بديانة الإسلام.إنه مسلسل طويل من سوء تفسير الإسلام كدين و عقيدة وسوء فهم لطبيعة و نفسية المسلم.هنا وسائل الإعلام تركز على جوانب دراماتيكية للعنف والإرهاب وتجعلهما طابع الإسلام المميز.إن الإسلاموفوبيا تحول إلى خوف من المسلمين المقيمين داخل المجتمعات الأوروبية مع تمايزات بسيطة من بلد لآخر.فالإسلام والمسلمون الآن مشجب يعلق عليه الغرب كل أسباب فشله الاقتصادي أو استغلال الخوف منه بين قوسين في الدعاية الانتخابية أو ابتزاز المواطن الأوروبي و إشغاله.
إن السباق الجيوستراتيجي و الوضعية الإقتصادية في دول أوروبا الغربية و إحساس الأمم الأوروبية بخروجها من التاريخ بانتقال الثقل الصناعي و الاقتصادي إلى دول أسيا ،كل هذا زاد من عدوانيتها على الأقليات المسلمة بالخصوص و تحميلها المسئولية.فالعقلانية المنبثقة من عصر الأنوار وروح الإنفتاح التي تمليها روح العصر لم تَحُدَّ من فوران التعصب الذي تتولد عنه عدوانية لبست أثوابا متنوعة زمانا و مكانا. و دائما ما ركب الغرب على بساط حرية التعبير و الرأي من أجل تمرير ثقافته و أجنداته التي تخدم مصالحه بالدرجة الأولى باستغلال مقدرات الشعوب الأخرى ،فالصور الكاريكاتورية والكتب المعادية للإسلام و شعوبه لم تبدأ من الآن بل لها تاريخ طويل من التعنت .إذ هناك كتابين بعنوان “وجه محمد” نشرا في كل من هولندا وبريطانيا بالقرنين السابع عشر والثامن عشر يؤسسان لنفس المعنى المشوه لحقيقة الإسلام و شعوبه .
هذا التزمت والكراهية لم تقابلها إلا أصوات قليلة تندد بهذا التمادي في الإساءة إلى حضارة و تاريخ ساهم في بزوغ فجر من العطاءات الفكرية و العلمية و المعمارية ، فلماذا هذا الموقف المنحاز إلى الوجه القبيح من حرية التعبير و الرأي و الكيل بعدة مكاييل ؟ احترام الشواذ جنسيا يعتبر خطا أحمر بحيث لا يمكن ازدراءهم أو كرههم ،لا تركيز يذكر فيما فعله الإرهابي الإسرائيلي باروخ جولدشتاين في الحرم الإبراهيمي الشريف سنة 1994 من قتل للمصلين، أيضا تصرف القس الأميركي المتطرف تيري جونس الذي قام بحرق مجموعة من المصاحف في فناء كنيسته و هو يعلن بجهر كرهه للإسلام والمسلمين.
في المقابل ردود فعل المسلمين لابد من تهذيبها و السيطرة على الغوئائية و الإنفعالية المتطرفة فيها، من قتل السفراء والأبرياء أو تدمير بعض رموز شركاتهم .رد الفعل يمكن أن يكون أهوج لكنه يخدم نموذجهم و استدراج لمربعهم ، التعويل على ردود غير مثالية أو متطرفة لن يفيد في تعبيرنا و دفاعنا و تحصين أرضنا و ثقافتنا و مقومات وجودنا .فالقوة ليست قابعة في أعمال مبنية على انفعالات غير مدروسة و محسوبة بل القوة في استقراء تاريخنا و تاريخهم و استنباط ما نستنهض به أنفسنا و بناء نموذج اقتصادي و سياسي و اجتماعي يرتكز على قيم و مُثُل تتماشى مع يمثل الإسلام في جوهره الحقيقي ،و ليس فهما سطحيا منغلقا على نفسه و منكفئا يلتمس الأعذار و لا يقوم بما يجب القيام به .
بالعودة إلى ما قاله وزير داخلية فرنسا المكلف بالأديان مانويل فالس ، أثناء تدشين جامع في ستراسبورغ (شرق فرنسا ) والذي يعد أكبر جامع في البلاد، على أنه “حان الوقت كي يتحمل مسلمو فرنسا مسؤولياتهم كاملة وينتظموا”، لمعالجة “المشاكل الحقيقية” مثل تمويل أماكن العبادة وتأهيل الأئمة والمشرفين على أماكن العبادة”. هنا كلمة المسئولية ليست محصورة في كلمات منمقة و ليست مسئولية واحدة بل هي جماعية من الدولة و الافراد و لا يمكن حصر المسلمين في تلك الطائفة المتعصبة الراديكالية بل هناك جماعات تحترم القانون و تنتظم داخل الإطار المنظم للدولة المضيفة سواء فرنسا أو غيرها من الدول.
الخوف إذن من التحامل على المسلمين و من تذمير ثقافتهم ومقومات وجودهم و محاولة تفريغ تاريخهم مما ساهموا به من اعمال جليلة علمية و فكرية ، و تحميلهم نتائج خلاصات بعض المستشرقين و الكتاب المتحاملين من أن الإسلام و شعوبه يتسمون بالهمجية و عدم القدرة على التعايش .هذا الخوف من الغرب له ما يبرره بحكم الهجمة الاستعمارية التي نزفت مقدرات البلدان المستضعفة و ثرواتها،ذلك أن الغرب جار قوي وله مصالح ضخمة في بلداننا وهو لن يتوانى في الدفاع عنها وحمايتها بكل ما يملك من قدرات عسكرية و اقتصادية. بحكم خسارة نفوذه على الاقتصاد العالمي لصالح الصين والهند والبرازيل.
في المقابل الخوف من الإسلام ظاهرة متجذرة داخل المجتمعات الغربية مقدماتها ترجع إلى العصور الوسطى،ومازالت تجتره الذاكرة التاريخية فالمواجهات العنيفة بين الغرب وبين المسلمين من فتح الأندلس والقسطنطينية إلى موقعة بلاط الشهداء التي على إثرها كاد المسلمون الدخول إلى باريس .كذلك الحروب الصليبية من أجل استعادة بيت المقدس،أيضا الخلافة العثمانية بقوتها وتوسعها الكاسح الذي أخاف الغرب من الإسلام ومن المسلمين،و تزايد أعداد المسلمين الآن في القارة الأوربية وأمريكا،و سرعة انتشار الإسلام في العالم، وتزايد معدل إنجاب العرب والمسلمين في العالم،كل هذا أنعش الخوف من الإسلام و المسلمين و توالت الحروب ضدهم لمحاصرتهم و صدهم